السبت, أبريل 27, 2024
تقارير

تمثال (جردل مان).. هل يُغلق المجال أمام مترصدي الثورة والفنون؟

الخرطوم: آيات مبارك

علقت الأنظار الأسبوع الماضي صوب مكتب مدير جامعة السودان، بعد أن أزيح الستار عن (تمثال جردل مان) الذي تم تنصيبه أمام مكتبه، وهو يجسد شاباً يرفع علم السودان بيده اليمنى، ويحمل كتاباً بالأخرى وواضعاً قدمه اليسرى فوق إناء (جردل)، إضافة إلى (3) جداريات تمثل ثورة ديسمبر.

يحدث تنصيب التمثال هذا بعد مضي أكثر من عام على مغادرة تمثال الشهيد عبد العظيم شارع الأربعين بأمدرمان في نهارية تخللتها مشادات حالت دون تنصيبه، تم من خلالها استغلال العاطفة الدينية، ووقتها دعا الصحفي محمد سعيد حلفاوي، المكون المدني في المجلس السيادي إلى تبني هذا المشروع وتنصيب التمثال في شارع القصر أمام بوابة القصر الجمهوري ودعاهم عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) تحت هاشتاق (أنقذوا تمثال الشهيد عبد العظيم بقرار سيادي)، وأرجع ذلك لأجل تحقيق فائدة حراسته بواسطة الحرس الجمهوري، لأن رفض تنصيبه بحجة الإلحاد يعني مواجهة التمثال لخطر الهدم المتعمد من قوى الظلام.

وقال الصادق محمود، وهو أحد المنفذين لتمثال (جردل مان): تم اختيار هذا المكان تحديداً باعتباره أحد الواجهات الرئيسية داخل الجامعة، ومكتب المدير يكفل الحماية لهذا العمل من الأضرار التي قد تلحق به.

وذكر الطالب شاكر إسماعيل شيخ الدين، الذي كان شاهداً على أحداث العام 2013م لـ(مدنية نيوز) أمس، أنه وفي ذات المكان الذي عليه النصب التذكاري الآن تم إلقاء زجاج الملتوف وهوجم الطلاب بالسيخ أثناء وقفة احتجاجية أمام مكتب مدير الجامعة عقب إلغاء الجمعية العمومية لانتخابات الاتحاد، ذاك العام أيضاً أُغلقت كلية الفنون الجميلة بعد إضراب قال عنه المدير (هو قرايتهم ذاتو حرام كويس البنخليهم يقرو)، وأضاف شاكر مستبشراً: (اليوم طلاب الفنون الجميلة يزيلون ذاك الأثر القبيح تماماً لمستقبل مشرق).

وشهدت الثلاثون عاماً الماضية في بداياتها حرباً أيديولوجية تجاه الفنون والإبداع كانت واضحة للعيان من خلال تحطيم تماثيل كلية الفنون الجميلة، وتغطية شعر العارضات والممثلات ومن قبلها تعرضت العديد من التماثيل والأنصاب التاريخية في السودان للهدم كتمثال الشهيد أحمد القرشي بجامعة الخرطوم، الذي كان مقتله سبباً مباشراً في تفجير ثورة 21 أكتوبر 1964م، وتمثال الشيخ بابكر بدري، رائد تعليم المرأة في السُّودان بجامعة الأحفاد، والكثير من التماثيل التي توثق لحقبة الحكم الإنجليزي في السودان التي تم ترحيلها.

وأكد الأستاذ بقسم النحت وأحد المنفذين لتمثال (جردل مان) الصادق محمود لـ(مدنية نيوز) أن التعامل مع المنحوتات يحتاج زمناً حتى يتم استيعاب رمزيتها والتصالح معها بعيداً عن التكفيريين، وأشار إلى أنه ومن خلال المعارض يجد أن المجتمع متصالح معها تماماً من ناحية فنية.

هذا العمل الذي تم فيه استخدام مادتي (الفايبر قلاس والبرونز البارز) قام على دعم من جمعية عصماء للتنمية بالتعاون مع إدارة جامعة السودان، وتم تنفيذه على أيدي (5) من خريجي كلية الفنون الجميلة لدفعات مختلفة، إضافة إلى طالب بكلية الموسيقى.

وعن دلالات ذلك العمل قال الصادق محمود، إن أولاها هي رمزية ثورة الوعي التي انتظمت البلاد ثم استمرارية النهج الثوري، وأضاف: (قمنا بهذه المنحوتات كمجموعة من الفنانين إسهاماً منا في التعبير عن موجهات ثورة ديسمبر وتخليدها، مع الإشارة إلى اعتصام القيادة العامة وقطر عطبرة ومشاركة الكنداكات في الثورة وبعض الإشارات الاجتماعية، إضافة إلى المقاومة بالسبل المتاحة لمحاصرة أثر قنابل الغاز المسيل للدموع.

ومن جانبه ذكر النحات محمد آدم سليمان: أننا ينقصنا الكثير حتى يتقبل المجتمع السوداني فن النحت والقيم الجمالية للوحة التشكيلية عقب حملات تغبيش الوعي التي حدثت في السنوات الظلامية الماضية.

وأضاف: يُعد هذا العمل من الأعمال الفنية المطلوبة في ظل شُح الأعمال الفنية والإبداعية عموماً التي تناولت موضوعات الثورة، واستلهام أحداثها أو حتى التوثيق لها عبر إنتاج أعمال فنية، ودعا للعمل على إعلاء قيمة الفنون ومنع فتاوى التكفير لأن التماثيل تعكس موروثات الشعوب وتواريخها، و تخلد ذكرى الرموز الذين أسهموا في تطوير بلادهم، فضلاً عن أنها تعكس درجة الرُّقي التي وصلت إليها صناعة الفنون الجميلة، وأوضح أنها لا تتعارض مع مقاصد الأديان السامية.

وتابع أن البعض قد حرَّمُوا هذا الصنف من الإبداع، متعللين بأنه ربما يسهم في صرف العباد عن عقيدة التوحيد إلى عبادة الأَنصَاب، والشريعة الإسلامية أبعد من أن تُحرم وسيلة من وسائل العلم، وليس هناك ما يمنع المسلمين من الجمع بين العلم وعقيدة التوحيد، وأشار إلى أن الأمر يتعدى الحرب السياسية إلى نوع من الحرب الدينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *