النيل الأزرق والسلام الشامل.. تضميد جراحات الماضي ووداعُ سنوات البؤس والخراب
النيل الأزرق: هويدا من الله
احتشد مواطنو ولاية النيل الأزرق ليهدوا الضيوف ابتسامة بيضاء من (بنيات باو) وتغنوا بـ (الوازا) (سلام عليكم انجيروتا)، و(سكسك منضوم بالحنية من شالي)، و(باقة لبن) من (أمبرراوية) في موسم رحلتها الطويلة بحثاً عن الكلأ في غابات (يابوس)، خرجوا ليستقبلوا وفد الجبهة الثورية ليقولوا له إن أكذوبة السلام أفضل بكثير من حقيقة الحرب، كل الذين حضروا خرجوا من رماد الحرب كطائر الفينيق أتوا من أجل الحياة وهم يشعلون شمعة لتقودهم من النفق المظلم إلى فضاءات العيش الكريم.
كان هذا هو لسان حال الجماهير التي احتشدت يوم (11) نوفمبر الجاري باستاد الدمازين، فالسلام يعني لهم أن ينعموا بالطمأنينة والاستقرار، خرجوا مبتسمين وضاحكين (في وجه الزمان الشين) تاركين وراءهم جراحات الماضي وسنوات البؤس والخراب.
فالنيل الأزرق هي أرض الحرب وذكرياتها المؤلمة، لذلك احتفالهم بالسلام هو حقيقة مجردة ومبرأة من كل عيب.
تحدث المتحدثون عن السلام الاجتماعي، فقال ياسر عرمان رئيس وفد الجبهة الثورية نائب رئيس الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، قائلاً: لقد عملنا مع كل قيادات الحكومة ليتحمل الجميع مسؤولية بناء السودان.
وأوصى عرمان، مواطني النيل الأزرق باستقبال العائدين والنازحين، وطمأن الجميع بأن الحركة الشعبية والجبهة الثورية لم تأت للعمل ضد أي شخص، بل جاءت للعمل مع كل الأفراد والتعاون مع الجميع.
كما وجه رئيس وفد الجبهة الثورية نائب رئيس الحركة الشعبية، رسالة حملها إليه القائدان مالك عقار وإسماعيل جلاب، للمناضل جوزيف توكا وكل الرفاق للعودة إلى النيل الأزرق، ووعد بأن تعقد الحركة الشعبية مؤتمراً للمصالحة يجمع كل الخصوم للتعافي والتصالح.
وقال عرمان، إن النيل الأزرق لا يبنيها حزب ولا مجموعة، بل يبنيها كل أهل النيل الأزرق بالتكاتف والتعاضد، كما حث أهل الولاية على للحفاظ على اتفاقية السلام، (لأن هذه الاتفاقية لأهل النيل الأزرق، لذلك يجب عليهم المحافظة على الحكم الذاتي ونسبة 40% من الثروات وعلى العدالة والمساواة حتى لا تعود النيل الأزرق للحرب مرة أخرى).
واختتم حديثه بأنهم أتوا للتبشير بالسلام، ولفتح صفحة جديدة وطي صفحة الخلافات.
ومن جانبه خاطب والي ولاية النيل الأزرق عبد الرحمن نور الدائم، الحشد قائلاً: (نتطلع لسلام يستوعب كافة القضايا ولا يستثني أحداً، وهذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة).
وأشار الوالي إلى سعي الحكومة حتى تنضم الحركة الشعبية برئاسة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير برئاسة عبدالواحد محمد نور، إلى الحوار البناء لتكتمل حلقات الحوار للوصول إلى سلام شامل ينهي معاناة مواطني النيل الأزرق الذين مزقتهم الحرب وجعلتهم لاجئين ونازحين، وذكر: (نأمل أن يعودوا إلى ديارهم في القريب العاجل معززين مكرمين).
وتابع: (كانت تلك المعاناة سبباً في تفجير ثورة (13) ديسمبر 2018م، لذلك حق عليهم اليوم أن يمسحوا عن أنفسهم الأحزان والآلالم وأن يتطلعوا بثقة أكبر للمستقبل من خلال مشروع قومي لإعادة بناء ما دمرته الحرب).
ووجه الوالي رسالة إلى منظمات المجتمع المدني لمد يد العون والمساندة، وأبان أن بناء السلام ودعم التعايش السلمي بين مكونات الولاية يحتاج إلى بذل جهد كبير للمشاركة الشعبية في صناعة السلام والقرار وإدارة الشأن العام).
وأوضح والي ولاية النيل الأزرق أن زيارة الوفد تمثل فرصة لتأكيد أن حكومة الولاية تعمل جنباً إلى جنب مع الحلفاء في الجبهة الثورية وتحالف قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وكل القوى الحية بالولاية، للتعاون مع حكومة المركز للمحافظة على اتفاقية السلام.
وفي ختام حديثه دعا الوالي ما تبقى من قوى الكفاح المسلح للعمل من أجل السلام (لأن السلام العادل غير قابل للتجزئة).
ومن جهتها قالت عضوة وفد الجبهة الثورية سلوى آدم بنية، إن السلام الذي تم هو سلام لكل الشعب السوداني، وأضافت أن مكاسب النيل الأزرق فيه كبيرة جداً، أهمها الحكم الذاتي الذي يجعل لدى المنطقتين صلاحيات كبيرة في ظل السودان الموحد. وشددت سلوى، على أن مراقبة وتنفيذ الاتفاقية هي مسؤولية الجميع.
ويأمل سكان ولاية النيل الأزرق في السلام ليشعروا بالطمأنينة والأمان والاستقرار، وتتحقق العودة الآمنة إلى القرى، وليتذوقوا طعم النوم الهانئ دون أن يسمع أحدهم صوت (طلقة تشق صمت الليل) فتجعلهم يلوذون بمعسكرات اللجوء والنزوح ويكون مصيرهم التشرد.