“مجلس شركاء الانتقالية”.. هل يُهدد مستقبل التحول الديمقراطي؟
تقرير: محمد إبراهيم الخليفة
أثار قرار رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان بتشكيل مجلس لـ(شركاء الفترة الانتقالية) الكثير من الجدل والغضب والخوف على مستقبل التحول الديمقراطي في البلاد، وأدى القرار لتزايد الدعوات الثورية المطالبة باسقاط الحكومة، باعتبار أن هذا القرار يستهدف أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، ولا سيما في بنود إصدار القرار التي تُعطي المجلس سلطات واسعة، وتذهب للتدخل في القراري السيادي والتنفيذي وحتى سلطات المجلس التشريعي الذي لم يتم تشكيله بعد، وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز آدم الحلو أولى الجهات التي أعلنت معارضتها ومهاجمتها لمجلس شركاء الفترة الإنتقالية.
بعد لحظات قليلة من إعلان تشكيل المجلس تسارعت كيانات سياسية ونقابية ومدنية لرفض مجلس شركاء الفترة الانتقالية، وأبرزهم رئاسة مجلس الوزراء وتجمع المهنيين السودانيين، وهيئة محامي دارفور، والعديد من لجان المقاومة والتي أعلنت بدورها التصعيد الثوري ضد هذا المجلس.
الكثير من النقد ذهب للمجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغير، وتم اتهام قوى الحرية من قبل مواطنين وثوار بأنها فرطت في مكتسبات الثورة وعرضت المؤسسات التي تواثق عليها الثوار والشهداء للخطر، مما دفع القيادي البارز بقوى الحرية والتغير إبراهيم الشيخ لكتابة منشور على صفحته بموقع فيسبوك، اطلعت عليه ( مدنية نيوز)، حيث دعا لتحديد صلاحيات المجلس، وأكد أن الأمر الصادر بتأسيس المجلس يخالف ما اتفقت عليه الأطراف، وأضاف الشيخ: ” لا ينبغي له أن يخل باي من سلطات وصلاحيات المجلس التشريعي والتنفيذي والسيادي ولا الحرية والتغيبر”، ونبه إلى أن المجلس الذي اتفق عليه هو مجلس تشاوري تنسيقي لفض النزاعات والتباين الذي قد يطرأ بين الأطراف لما يستجد من قضايا وتفسيرات لإتفاقية السلام.
طموحات العسكر
الناشط السياسي منتصر إبراهيم شبه مجلس شركاء الفترة الإنتقالية بمجلس شورى حزب المؤتمر الوطني المحلول في العهد البائد عبر جمعه لكل السلطات، ويقول منتصر لـ(مدنية نيوز): “مجلس شركاء الفترة الإنتقالية يكرس للنظام الرئاسي بدلاً عن النظام البرلماني أو المختلط الذي أقرته الجماهير”، ولفت إلى أن أعضاء المكون العسكري في السلطة لديهم طموحات سياسية، وأن هذا المجلس الجديد سوف يوفر غطاءًا سياسياً للعسكرين عبر تواطؤ المجلس المركزي للحرية والتغير في هذا المخطط، مبيناً أن الشاهد على ذلك أن الجنرال البرهان هو رئيس للمجلس عطفاً على رئاسته للسيادي مما يجعله أشبه بالمخلوع في رئاسته لحزبه والدولة، معتبراً أن هذه الصيغة تسعى لتكريس الشمولية.
واعتبر إبراهيم أن خطورة هذا التحالف السياسي الجديد أنهم يريدون أن يكون منصوصاً عليه في الوثيقة الدستورية حتى يأخذ صفته القانونية والشرعية، مؤكداً أن القرار بتشكيل المجلس التفاف على مكتسبات السلام.
مجلس الوزراء يرفض
مجلس الوزراء بشكل حاسم أعلن عن رفضته على تشكيل مجلس شركاء الفترة الإنتقالية بصورته الحالية، ودعا جميع الأطراف لمراجعة قرار التشكيل والاختصاصات على ضوء الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية والتي تحدد مهام كل مستويات الحكم.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة ووزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح في بيان صحفي: “ما تم نقاشه في الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء وتمت الموافقة عليه من جانبنا حول دور مجلس الشركاء؛ كان قاصراً فقط على أنه جسم تنسيقي لحل النزاعات والخلافات بين أطراف الفترة الإنتقالية، ولا ينطبق هذا الوصف على الاختصاصات المنصوص عليها في قرار رئيس المجلس السيادي القاضي بتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية”.
ويضيف الناطق الرسمي: “لم يأخذ القرار في الاعتبار ملاحظات رئيس الوزراء التي أبداها في الاجتماع مع ممثلي الحرية والتغيير قبل يومين”، ورفض مجلس الوزراء منح أي سلطات لمجلس شركاء الفترة الإنتقالية ويقول البيان: “الفقرة تعطي الانطباع بأن المجلس سيكون وصياً على الأجهزة المختلفة، وهذا يتعارض مع الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية”.
انقلاب السيادي
عضو مجلس السيادة الانتقالي عائشة موسى السعيد هاجمت بدورها في بيان شديد اللهجة ما وصفتها بالممارسات التي تُحاك ضد الثورة، واعترفت بوجود ممارسات تنم عن تجاوز واضح عن الممارسة الديمقراطية الصحيحة في شكل قيام مجلس الشركاء بديلاً عن المجلس التشريعى، واعتبرت السعيد أن الذي تم يُعد انقلاباً صريحاً على أجهزة الدولة المدنية بهياكلها المعروفة، وقفزاً فوق صلاحيات هذه الهياكل بمنح المجلس المُبتكر الحق في البت في قرارات مصيرية وتشكيل ثقل سيادي وتشريعي كأنمـا قُصد به تقزيم أو محو هياكل الدولة المعروفة، وتنصيب مجموعة محددة على رأس الحكم بدون الإجراءات الديمقراطيه السليمة، مُبعدة العناصر الوطنية المستقلة وأي تمثيل آخر يشمل النساء ومجمل القوى الثورية.
وتذهب عضو مجلس السيادة بالقول: “هذا من شأنه أن يخلق ترهلاً إداريـاً صارخاً وتضخمـاً في الجهاز الحكومي –المتضخم أصلاً- إضافة الى أنه سيخلق جواً من التعتيم وضياع مسؤوليات القرارات وبالتالي غياب المتابعة والتقييم والتقويم والمحاسبة”.
وكشفت السعيد عن تهميش المكون المدني في المجلس السيادي، وأشارت إلى العلاقة التـائهة الغير مفهومة بين الحاضنة السياسية وهياكل الحكم وتحديداً مع المكون المدني في المجلس السيادي، مما تمخض عن تضارب في القرارات وانعدام التناغم في الأداء، واعتبرت أن التهميش كان متعمداً وتمهيداً لاستبدال السيادي بمجلس الشركاء.
وفي سياق ذي صلة أكدت عضو السيادي أن غياب الطريق والأهداف وضعت عقبات أمام أهداف الثورة، فطفت على السطح اصطلاحات مثل المصالحة الوطنية الشاملة واتجاهات التسويات السياسية مع رموز الإسلاميين قبل تحقيق العدالة وحسم ملف شهداء نظام الثلاثين من يونيو، وضمان استرجاع الحقوق ومحاسبة رموز ثلاثين عاماً من الفساد والقهر والتغول على الحقوق الديمقراطية.
تجمع المهنيين
من جانبه اعتبر تجمع المهنيين السودانيين، أن الحكومة وحاضنتها السياسية لا تزال تستمر في فرض ترتيبات منافية لروح ثورة ديسمبر وأهداف الفترة الانتقالية، وأعلن عن رفضه القاطع تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية شكلًا وموضوعاً، ويقول بيان التجمع الذي اطلعت عليه (مدنية نيوز) أمس: “نرى فيه التفافاً جديداً على آليات مراقبة وتوجيه الفترة الانتقالية التي يمثلها المجلس التشريعي والذي يجب أن يتم تكوينه بمعايير تعكس وزن وتنوع القوى الثورية، كما ننظر بعين الريبة للهمّة والحرص وراء تكوين هذا المجلس المُفترى مقابل التقاعس والتسويف في تشكيل المجلس التشريعي، والتجاهل التام لتكوين المفوضيات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية”.
واعتبر التجمع أن المجلس تم الزج به في تعديل الوثيقة الدستورية بغير مرجعية، إذ لم ينص عليه في أي اتفاق بما في ذلك سلام جوبا، يضاف إلى ذلك الصلاحيات المبهمة الموكولة إليه وهلاميتها، وعلى رأسها “توجيه الفترة الانتقالية”، ونبه إلى أن تلك الفقرة هي تحوير لما تم النص عليه في التعديل المذكور، ما يفتح الباب لتداخل صلاحيات هذا المجلس ومؤسسات السلطة الانتقالية الأخرى وتضارب الاختصاصات.
وهاجم بيان التجمع التحالف السياسي -قوى الحرية- الذي أعلن في وقت سابق خروجه من هياكله، وذكر أن التحالفات تلاعبت بأهداف الثورة وجيرتها لخدمة مصالحها الشخصية والحزبية الضيقة بالتماهي مع العسكر، وأضر ذلك أشد الضرر بالتحالف السياسي، كما أضر بالحكومة الانتقالية نفسها بسبب ضعف وتهافت هذه القوى ومنسوبيها على المواقع الحكومية بلا رصيد من تأهيل أو تجربة، ليتجلى ذلك في الأزمات التي يعيشها الشعب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كنتيجة منطقية لأزمة النادي السياسي الذي صنعها -حسب البيان.
وفي ذات الاتجاه أصدرت هيئة محامي دارفور بياناً يقول إن قرار تشكيل مجلس الشركاء تضمن مصطلحات مبهمة وصلاحيات مريبة، مثل توجيه الفترة الانتقالية، معتبراً أن الديمقراطية لا تمارس من خلال التوجيه، بل من خلال المؤسسات والأجهزة، وسن القوانين، وكفالة الحقوق والحريات، والتزام الدولة باحترام سيادة أحكام القانون”.