حرب السودان.. النسيان الدولي
كتب: حسين سعد
مع شروق ومساء كل يوم جديد يترقب السودانيين في الداخل ودول اللجوء الشتات معجزة حقيقية لقضيتهم بسبب انشغال العالم بحرب غزة واوكرانيا واليمن مهاجمة الحوثيين للسفن و البواخر بالبحر الأحمر وتناسي أزمة السودان التي أدت لمقتل وتشريد ونزوح وتهجير وتدمير للمنازل والمؤسسات وانقطاع لمياه الشرب النقية وانقطاع التيار الكهربائي والاتصالات في مناطق سيطرة الدعم السريع وتكدس للفرارين من جحيم لعلعة الرصاص الي مناطق سيطرة القوات المسلحة.
وفوق ذلك يمثل انهيار نظام الرعاية الصحية تحديات أمام إمكانية الحصول على الرعاية الطبية بسبب النقص في إمدادات المستشفيات والموظفين. فالأمراض المزمنة مهملة، وسوء التغذية آخذ في الارتفاع، كما يشكل تفشي الأمراض مصدر قلق بالغ ــ وخصوصًا في ظل عدم توفر اللقاحات والأدوية والامصال كل هذه الفظائع مع استمرار الانتهاكات والتفلتات التي تطال المواطنين لاسيما بالفاشر وكردفان والجزيرة مع نذر المجاعة وفشل الزراعة وارتفاع تكاليفها جميع هذه الفظائع جعلت المواطنين والمراقبين للجهر بأن السودان تحول إلى أزمة منسية في ظل ضعف الاستجابة الإنسانية والقيود التي تفرض من طرفي الحرب على المنظمات الإنسانية تزيد من عزلة الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية.
جرائم حرب..
في وقت تحذر فيه الأمم المتحدة من أن طرفي الصراع يرتكبان انتهاكات “ترقى لجرائم حرب”، ورصد مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريرا الانتهاكات التي تشمل “هجمات عشوائية” على مواقع مدنية مثل المستشفيات والأسواق وحتى مخيمات النازحين وقالت الأمم المتحدة ان طرفا الصراع في السودان يرتكبان انتهاكات قد تصل إلى حد جرائم حرب. وفي وقت سابق دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك إلى ضرورة إجراء “تحقيقات سريعة وشاملة وفعالة وشفافة ومستقلة ومحايدة في جميع الادعاءات بشأن الانتهاكات والتجاوزات للقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، ويجب تقديم المسؤولين عنها للعدالة”.
وقال إن الروايات الواردة من السودان منذ ما يقرب من عام هي روايات “موت ومعاناة ويأس”، فيما تستمر الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان “دون نهاية تلوح في الأفق”.
وأضاف تورك أن التقرير “يقدم قراءة مؤلمة للغاية للمأساة التي لحقت بالشعب السوداني دون داع منذ أبريل من العام 2023، ويؤكد من جديد الحاجة الماسّة لإنهاء القتال وكسر دائرة الإفلات من العقاب التي أدت إلى نشوب هذا الصراع في المقام الأول. يجب إسكات البنادق في السودان وتوفير الحماية للمدنيين، كما أن هناك حاجة ماسة لاستئناف المحادثات الشاملة بجدية لاستعادة الحكومة المدنية من أجل فتح الطريق إلى الأمام”.
العنف الجنسي..
وفي نوفمبر الماضي حذر حوالي 12 خبيرا في الأمم المتحدة من انتشار العنف الجنسي على نطاق واسع، بدوافع عرقية في بعض الأحيان بينما يُستخدم “كأداة حرب” في السودان ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان من “الجوع الحاد” وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن 95 في المئة من السودانيين لا يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف السودانيين البالغ عددهم أكثر من 48 مليون نسمة، أي حوالي 25 مليون شخص، باتوا يحتاجون إلى المساعدة، بمن فيهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد. ورصدت منظمات حقوقية هجمات على المرافق الصحية، بما في ذلك إخلاء مستشفيات وتحذر منظمات حقوقية منذ أشهر من أن شبح المجاعة يلوح في الأفق في السودان نتيجة لعرقلة وصول المساعدات الإنسانية والنقص الحاد في التمويل. لكن العوائق نفسها التي تعترض توصيل المساعدات تعيق القدرة على تحديد حجم الكارثة.
وحتى من لجأ إلى دول مجاورة من السودانيين يمضون أشهرا في الانتظار في المخيمات آملين في أن يتمكنوا في وقت قريب من العودة إلى ديارهم. وحذرت المنظمة غير الحكومية من أن “الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد والذين لم يموتوا بعد، يواجهون خطر الموت في غضون ثلاثة إلى ستة أسابيع إذا لم يتم علاجهم. من جهتها، تحذر منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، من أنه من دون دعم دولي إضافي، “من المرجّح أن يموت عشرات الآلاف” من الأطفال في السودان.
وصف للفظائع..
وكانت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كليمنتين نكويتا سلامي، صرحت في نوفمبر بأنها “تعجز عن وصف الفظائع التي تحدث هناك”.
وقالت إن “ما يحدث هو بمثابة الشر المطلق”، مشيرة إلى أطفال “علقوا في مرمى النيران” أو فتيات صغيرات تعرضن للاغتصاب أمام أمهاتهن.
بدورها، تشير أليس فيرير المسؤولة عن السودان في منظمة “بريميير أورغانس انترناشيونال” إلى أنه “عندما نرى المبالغ التي تم تخصيصها لأوكرانيا، فإننا لسنا على المستوى ذاته من حيث الحجم على الإطلاق”، مضيفة أن “الأزمة السودانية منسية تماما”.
وفي فبراير الماضي وجهت الأمم المتحدة نداء لجمع 4.1 مليارات دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسودانيين هذه السنة، في بلادهم وفي البلدان المجاورة. وفي العام 2023، لم تتلق سوى نصف التمويل المطلوب. وأدى قطع شبكة الاتصالات في السودان مؤخرا إلى عرقلة توصيل المساعدات وترك السكان الذين تنهكهم الحرب غير قادرين على سداد المدفوعات أو الاتصال بالعالم الخارجي وتوقفت تحويلات المغتربين الي اسرهم بينما تبلغ قيمة الانترنت عبر مشغل استار لينك مبلغ ثلاثة الف جنيه للساعه الواحدة. قضية إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين ليست الأولى بالنسبة للسودانيين.
فقد استمرت عملية التحكم في امكانية الوصول او منعه من قبل الجهات الفاعلة في النزاع لتحقيق أجندتها السياسية والعسكرية والاقتصادية لأكثر من ٣٠ عامًا على الأقل، مع ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على الخسائر البشرية، فضلاً عن طبيعة النزاعات في السودان.
منع الغذاء..
لقد كان التحكم في وصول المساعدات الإنسانية، وكذلك تحركات الأشخاص والموارد بشكل عام، هدفًا عسكرياً مهماً في معظم حروب السودان الماضية، إن لم يكن كلها. وقد تم استخدامه في استراتيجيات مكافحة الحركات الحاملة للسلاح في مناطق النزاع بهدف إخلاء المناطق المعادية، أو كأداة لتوجيه الموارد التي يمكن بعد ذلك فرض ضرائب عليها أو نهبها، أو كعامل جذب لجلب النازحين داخليًا إلى المناطق التي يمكن السيطرة عليهم فيها بسهولة أكبر.
وشهدت جبال النوبة في فترة النظام البائد ذات القيود المفروضة على ايصال المساعدات الإنسانية. وكان الهدف منها العمل كاستراتيجية لمكافحة ما اسمته التمرد، مما يؤدي بشكل أساسي إلى تجويع السكان وإرغامهم على الاستسلام ومنعهم من إطعام أو إيواء الحركات المسلحة وكجزء من الاستراتيجية العسكرية.
اما وصول المساعدات الإنسانية إلى دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين يسلط الضوء على مجموعة مختلفة، ولكنها على نفس القدر من الأهمية من الآثار العسكرية المترتبة على الوصول. ونظراً لأنه كان مطلوباً من المنظمات غير الحكومية أو وكالات الأمم المتحدة العاملة في الخرطوم الحصول على أذونات وتصاريح لموظفيها المحليين من الاستخبارات العسكرية أو مفوضية العون الإنساني، فقد تم افتراض مفاده أن بعض العاملين في المجال الإنساني كانوا عملاء حكوميين سريين. لذلك استشعرت الحركات المسلحة أن جهود المساعدات لم تكن مستقلة أو محايدة، فمنعت العديد من المنظمات غير الحكومية من الوصول إليها، وطلبت أسماء جميع الجهات الفاعلة في مجال العون قبل منحها إذن الوصول.
تراجع الاهتمام..
دخلت حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣م عامها الثاني في السودان في ظل تراجع الاهتمام الدولي والإقليمي بالصراع أكثر فأكثر وابتعد عن دائرة الضوء، لكن مع اندلاع الحرب في غزة والاستحقاقات الانتخابية المقبلة في مختلف بلدان العالم، وصل الاهتمام الدولي بالسودان إلى مستوى منخفض جديد. وفى هذه المرحلة ينتظر السودانين معجزة ، لكنها لا تبدو وشيكة ولا مرجّحة. ففي الوقت الذي يترقب فيه ما لا يقل عن 3 مليارات ناخب في 77 بلداً حول العالم، الإدلاء بأصواتهم خلال العام 2024، فيما سمّي بـ”عام الانتخابات”، بدأ ملايين السودانين عامهم الجديد في ظل حرب وانتهاكات ونزوح ولجوء وفشل تحالفات السودانين في انهاء الحرب وتكوين جسم موحد يحقق تطلعات وامال ثورة ديسمبر مع غياب أي رغبة دولية وإقليمية في الدفع باتجاه إنهاء الحرب، والانتقال بهذه البلاد إلى نظام عادل وديمقراطي حقيقي يتسع للجميع يحقق شعارات الثورة حرية سلام وعدالة.
صحيح ان فشل السودانين في التحالفات السياسية رافقته في العام الجديد، تعقيدات إقليمية إضافية، كان على رأسها الحرب في غزة، التي شتت الأنظار تماماً عن القضية السودانية ، وأبعدت التوافق الدولي حول الحل الجذري لحروب السودان أبعد مما نتصور.
اصطفاف دولي..
واعتبرت تقارير الهجوم الإسرائيلي على غزة عقب هجمات 7 أكتوبر التي شنّتها “حماس”، بأنه ترتيب لخارطة الاصطفافات الدولية والإقليمية ، وبالأخص في الشرق الأوسط، فقد عززت تواجد بشار الأسد على الساحة، بعد سنوات طويلة من “العزلة” وجعلت من أذرع إيران العسكرية في المنطقة أكثر قبولاً وشعبية في بعض الدوائر، بعد سنوات من رفض شريحة غير قليلة من الشعوب العربية لهم، ليس فقط بسبب تدخلها العسكري المميت إلى جانب نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية، بل بسبب تدخلها السلبي في العديد من الدول العربية مثل العراق ولبنان واليمن، حيث ساعد غياب أي أفق لحل سياسي للصراع العربي-الإسرائيلي في ترويج إيران لفكرة “المقاومة الإسلامية”، وتزعمها المفترض لذلك المحور. كما فتحت الحرب في غزة الباب أمام جهات فاعلة أخرى لتحقيق نجاحات سياسية في الشرق الأوسط على حساب المصالح الأمريكية. وبالتوازي مع زيادة شعبية إيران وميليشياتها، وانتقاماً من المواقف الغربية السابقة وسياسات بكّين بحقّ تايوان، وبغية تسجيل مواقف سياسية والظهور كقوى دولية مقبولة وقريبة من قضايا شعوب المنطقة العربية بالأخصّ فلسطين، حاولت كل من روسيا والصين استغلال حرب غزة هي الأخرى، والعودة مجدداً إلى الواجهة كدول ذات تأثير في مجلس الأمن الدولي، وأقرب لتطلعات الشعوب العربية وقضيتهم المركزية فلسطين، من أي وقت مضى.
خطاب كراهية..
عقب مرور عام على حرب السودان، التي كرست للعنصرية والجهوية و القبلية وخطاب الكراهية والانقسام المجتمعي بالرغم من الميراث التليد للسودانيين في محاربة العنصرية لاسيما ثورة ٢٤ والبطل على عبد اللطيف وهتافات ثورة ديسمبر ياعنصري ومغرور كلنا دارفور و خطابات شهداء الثورة وقطار عطبرة الي ساحة اعتصام القيادة وموكب باصات دارفور اليوم وانا شاهد عيان على هذه الحرب العبثية وتداعياتها اللعينة تعززت هويات قبلية حادة على حساب الهوية الوطنية السودانية، وساهم فشل القوي السياسية في وضع عقد اجتماعي جديد ساهم في تعزيز الانقسام المجتمعي الحاد لكن دعاة طبول الحرب اججوا تلك النعرات القبلية وتجييشها إلى أداة للحرب.
المجتمع المدني..
القصور في حل المشكلة السودانية ترك اعباء إضافية على المجتمع المدني وقيامه بمهام واسعه في رصد الانتهاكات ومساعدة المحتاجين وتنفيذ حملات المناصرة في الديمقراطية وحقوق الإنسان و المفقودين والمعتقليين والرقابة والدفع لجهة الوصول إلى نظام ديمقراطي يسع الجميع،اما الصحفيين السودانيين الداعمين للسلام حالهم مع حال الشعب فقد صاروا مشردين ونازحين ولاجئين وكذلك الأطباء والمهندسين والمعلمين و المحاميين بينما تحمل ثوار لجان المقاومة مسؤولية لجان الطوارئ.
في ظل هذه الوضعية والسياقات الاليمة، ينتظر السودانين في داخل البلاد ودول اللجوء انفراج الحال حقيقية في ظل انشغال العالم بحرب غزة، والصراع في أوكرانيا، والهجمات الحوثية المتكررة على السفن التجارية وتأثيرها على خطوط الإمداد، والأهم، ترقّب وانشغال إدارة بايدن بالانتخابات القادمة نهاية العام الحالي لكن وبالرغم من ضعف الاهتمام الدولي بالسودان في الوقت الراهن، لا تزال هناك بعض الآمال والتفاؤل للعمل على تحسين حياة السودانين. وإلى حين نضوج توافق دولي حول السودان ، تستطيع أمريكا وكندا والدول الأوروبية ودول الجوار المشجعة للحلول السلمية والاتحاد الافريقي ومجلس الأمن والأمم المتحدة ووكالاتها منع تفاقم النزاع والأزمة الإنسانية، من خلال الضغط الحقيقي لوقف التصعيد الحربي، وتخفيف معاناة السودانين.