صديق عبد الهادي لـ(مدنية نيوز): لن نسمح بتعرض المزارعين لأي ابتزاز
رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة صديق عبد الهادي في حوار مع (مدنية نيوز):
– مشروع الجزيرة سينهض وسيعود أفضل مما كان عليه
– عثرنا على اتفاقيات سرية بين النظام البائد ودول أخرى
– أصحاب الملك الحر وقع عليهم ظلم كبير ويجب رفعه
حوار: زحل الطيب
يعد مشروع الجزيرة والمناقل في السودان من أكبر المشاريع المروية في العالم، حيث تبلغ مساحته مليونين و200 ألف فدان، وقد كان أكبر رافد للاقتصاد السوداني لأكثر من 80 عاماً، وظل مصدر رزق لآلاف الأسر من المزارعين والعمال والموظفين، لكنه تعرض للعديد من المشاكل خصوصاً خلال الثلاثين عاماً الأخيرة التي حكم فيها النظام السابق وأقدم على تدمير المشروع وبيع أصوله وأراضيه، وخلق داخله مشكلات خلفت آثاراً سيئة ألقت بظلالها على بنية المشروع الزراعية والصناعية من محالج، ومصانع وقطارات وغيرها، وارتفعت تكاليف الإنتاج وأصبحت مهنة الزراعة طاردة وهجرها المواطنون بسبب مشكلات التمويل الذي أدخل الكثير من المزارعين في السجون، وبعد سقوط النظام السابق عبر ثورة ديسمبر المجيدة؛ انفتح باب الأمل لعودة المشروع إلى سيرته الأولى، وخلال الأشهر الماضية صدر قرار من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بتعيين د. صديق عبد الهادي رئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة، وبعد القرار ارتفع التفاؤل عند الكثيرين حيث اعتبروا التعيين صادف أهله، فقد ظل عبد الهادي طيلة سنوات الإنقاذ الجائرة أحد المهمومين القابضين على جمر القضية، ويعتبر مرجعاً مهماً بسبب توثيقه لكتب ومنشورات ومساهمات تختص بالمشروع، وكذلك هو واحد من الذين ناضلوا لاسترداد مجد المشروع وعودته للدفع بقاطرة الاقتصاد إلى السوق العالمية. (مدنية نيوز) جلست إلى د.صديق عبد الهادي وأجرت معه الحوالي التالي:
هناك أحاديث أن مشروع الجزيرة يحتاج لــ قيادة أكثر منه إدارة، إلى أي مدى تنزل هذا القول على أرض الواقع؟
مفهوم الإدارة الحديث مطبق في كل أنحاء العالم لمؤسسات وشركات كبرى وهو مفهوم عصري، والتطبيق في مشروع الجزيرة الهدف منه تغيير الفلسفة التي تقوم عليها الإدارة، وحقيقة كل الأحداث التي لحقت بالمشروع خلال الـ 30 عاماً الماضية تؤكد الحاجة لإدارة قيادية تتحمل المسؤولية عوضاً عن تحميلها للآخرين، وكل الدمار الذي أصاب المشروع بهذا المستوى من الاتساع والعمق كانت بسبب عدم وجود إدارة قيادية.
ارتفاع تكاليف الانتاج ومآسي المزارعين بسبب المديونية جعلت الكثيرين يهجرون الزراعة، هل لديكم محفزات لاعادة الثقة للمزارع والعودة الطوعية للزراعة؟
ارتفاع تكاليف الإنتاج والمديونية وهجرة المزارعين أورثتها سياسات النظام البائد، والوضع الحالي مختلف بعد أن أحرز المزارعون تقدماً كبيراً في إطار الديون بسبب تغيُّر مفهوم المزارعين وعلاقتهم بالمؤسسات المالية، وهنالك زيادة في الإنتاج خلال المواسم السابقة، كما نمتلك طريقة جديدة للتعامل المالي بمفهوم تجاري بمعنى أن المزارع يفهم أن ما يفترض من مال يجب سداده، ونسعى أن يكون التمويل بواسطة مشروع الجزيرة نفسه، فكيف لمشروع ضخم بهذا الحجم ما زال يستدين لتوفير التمويل للمزارع، لا بد للرجوع لحقبة الخمسينيات والستينيات لعودة التمويل من المشروع، كذلك تزاوج بين الإنتاج والدور الاجتماعي والعودة للدور القديم الذي كان يقوم به للإسهام في الجانب الاجتماعي، ويجب أن ننفي المفهوم التقليدي أن المشروع جمعية غير ربحية، ولا يقع على عاتق المزارع عبء الدين وعليه مقدرة تسديد الديون من الأرباح.
هناك شكاوى من أن البنك الزراعي يشتري المحاصيل بثمن بخس من المزارعين بسبب مديونيته، هل هناك خطة لمعالجة هذا الأمر؟
فيما يخص المزارعين في العلاقة بين البنك التجاري وبقية المؤسسات المالية سوف تكون هناك مراجعات شاملة لكل العلاقات المبرمة واضعين في الحسبان كل تجارب العقود الماضية، ولا نسمح لإخضاع المزارعين لأي ابتزاز على الاطلاق، والعلاقات ستكون عادلة ولن نجعل التاريخ يتكرر لمآسي المزارعين والعلاقات المالية المختلفة بما فيها البنك الزراعي.
الدمار الذي حاق بوحدات المشروع من محالج ومصانع وهندسة زراعية وقاطرات وغيرها، هل هنالك خطة لعودتها لسيرتها الاولى وما هي الصعوبات الحالية التي تواجه المشروع؟
هنالك صعوبات يجب أن نعترف بها خُلّفت بسبب الدمار الذي لحق بالمشروع مما أثر على توفير المدخلات، والخطة هي أن يتم استيراد المدخلات من الخارج خاصة التي تؤثر على المواسم الزراعي، والبنك الزراعي هو المسؤول عن مدخلات الإنتاج وفي كثير من الأحيان تتأخر مسألة المدخلات، وتؤثر على الإنتاج، ونحن في إدارة المشروع نفكر في حل جذري بتبني قيام مصانع سماد يكون صديق للبيئة ويسهم في نقصان الأمراض المتفشية كالسرطانات في المنطقة وتوفير المدخلات، وهذه القضية اساسية بالنسبة لنا وستجد منا كل الاهتمام.
ذكرت في بعض كتاباتك أنك متحمس لتطبيق النموذج الهولندي بالتوسع في الإنتاج الحيواني ومزارع الأسماك، إلى جانب تشغيل المصانع المهملة وعدم تصدير المواد الخام، هل الوضع الحالي للمشروع يسمح بذلك؟
التصنيع الزراعي واحد من أعمدة السياسات العامة التي يتبناها مجلس إدارة المشروع، ولا بد أن تكون هناك صناعات مصاحبة للإنتاج الزراعي مثل الألبان ومشقاتها، والسماد لكي يتم تنفيذ سياسة القيمة المضافة، وهي سياسة الفترة الانتقالية لأننا نسعى لعدم تصدير الخام واستبداله ببضائع مصنعة، وتوجد إمكانية ضخمة للتنفيذ والنجاح باعتبار أن المشروع غني بتنوع المحاصيل وتجارب التصنيع الزراعي، لكن السياسات الجائرة والهجمة الشرسة للنظام المحلول أضاعت تجارة الصناعات الناجحة كالجمعية التعاونية (قوز كبرو) المالك لأكبر مطحن غلال، وكان يسد حاجة الدقيق كل البلاد، وكذلك صناعات الزيوت والنسيج التي ارتبطت بالإنتاج وبالتأكيد سنعيدها كلها ونركز عليها بشكل أساسي.
قضية ملاك الأراضي الذين تعرضوا لظلم كبير من النظام البائد لعدم تسليمهم عوائد استخدام الأراضي، كيف ستحقق حكومة الثورة العدالة لهؤلاء الملاك؟
قضية ملاك الأراضي من القضايا الضاغطة في مشروع الجزيرة والجميع يعرف كل ملابسات الملك الحر، وهناك ظلم كبير وقع على ملاك الأراضي يجب أن يتم رفعه، ولا بد من وجود صيغة مقنعة يتم فيها التراضي بين ملاك الأرض وإدارة المشروع، والدولة تملك 59% والملاك 41%، وهي من أول القضايا المدرجة في جدول أعمال مجلس الإدارة وسوف نعمل بكل ما أوتينا من حرص وفهم للحل الفوري في هذه الدورة، كذلك هناك تفهم واضح من جانب أصحاب الأرض للوضع الاقتصادي العام، وتفهم من الإدارة لرفع المظالم التي استمرت لوقت طويل ويعاني منها ملاك الأرض وهي تحتاج من الإدارة الجهد اللازم من الانتباه والحرص والعدالة، وفي هذه السانحة نترحم على احد قادة ملاك الاراضي الذي افتقدناه كثيرا في مجلس الإدارة الذي رحل مؤخرا المرحوم أحمد حمد النعيم الذي افتقدناه في زمن نحتاج أليه كثيراً بحكمته ودرايته الواسعة.
دعنا نعرج لقضية انتزاع أراضي المواطنين بالجزيرة وتمليكها لمستثمرين أجانب (أراضي العريباب نموذجاً)، كيف حسمت هذه الملفات الشائكة؟
فيما يخص أراضي المستثمرين على المستوى الخاص لديّ موقف هو أن الأرض قضية سيادة وطنية، وأنا لا أشجع تمليك الأرض، وهناك اتفاقيات كثيرة للتعاون والتعاقد الاستثمار المشترك وليس بينها التمليك، وحقيقة حتى هذه اللحظة لم نبحث في مسألة تمليك المستثمرين أراضيَ خاصة، ولكن بالطبع سنبحث وهو احد الملفات التي ستخضع للنظر من قبل مجلس الإدارة.
هل نتوقع نهضة مشروع الجزيرة وعودته لقاطرة الاقتصاد الوطني بعد الدمار الممنهج الذي تعرض له طيلة السنوات السابقة؟
بالطبع نتوقع عودة مشروع الجزيرة لمستوى أحسن مما كان بعد هذا التدمير الذي طاله، وقولي هذا مسنود بوقائع وحقائق أن المشروع غني بموارده وإنسانه وقواه العاملة، وسيعود وينهض للأفضل، وبالنسبة لي هذا واضح وأكاد أراه رؤية العين ونطمئن الجميع أنه سيعود.
الذين تسببوا في تدهور المشروع وبيع أصوله، هل تم تقديمهم للمحاكمة والمحاسبة؟
الذين أجرموا بحق ممتلكات المشروع هناك لجنة لاسترداد مشروع الجزيرة برئاسة قاض للنظر في القضية، والحقيقة أن هذه اللجنة استردت قدراً معقولاً من ممتلكات المشروع التي تم السطو عليها، ونؤكد أن ساحات القانون هي الفيصل بين المشروع وبين من امتدت يده لممتلكاته، وسنمضي حتى النهاية ويأخذ القانون مجراه.
حدثنا عن الاتفاقيات السرية بين الدول الأخرى والنظام السابق، وإلى أي مدى يؤثر ذلك في خلق اشتباكات جديدة؟
هنالك اتفاقيات حول الأرض وتمليكها تمت بين النظام البائد والدول الأخرى، وعلى وجه الدقة هناك اتفاقية بينهم والحكومة السورية في منطقة أبو قوتة في الجزيرة، واتفاقية أخرى مع الأتراك، وهناك عدد من الاتفاقيات ما زالت في طي الكتمان، ولكن نستقصي في هذه المسألة، وتكلمت بالتحديد في ملكية الأرض في كتابي الأخير فيما يخص المشروع، وسننشر أي معلومات عن الاتفاقيات التي أبرمت مع الحكومة البائدة، وأي جهة أجنبية لأي أرض بشكل عام وفيما يخص مشروع الجزيرة.
الشركات الوهمية والشركات التي لها الضلع الأكبر في دمار المشروع كيف تم التعامل معها؟
شركات الخدمات المتكاملة وهي عددها يربو عن 30 شركة أطلقت يدها في مشروع الجزيرة واستغلت بشكل كبير عدم وجود الدولة في المشروع بعد أن عزم النظام البائد على رفع يده منه، عبر تبرير قانوني هو قانون 2005 الجائر الذي كان ينوي تحويل المشروع لقطاع خاص لأفراد محددين، وبالتأكيد ستراجع تلك العلاقة بين الشركات الوهمية وشركات الأشخاص وبين المشروع، وكل العقود التي تمت بينها.
ملف أرباح أسهم المزارعين في شركة الأقطان وبنك المزارع المؤجلة، كيف ستحسم حتى يحس المزارع بعدالة الثورة؟
نعم لهم أرباح أسهم في شركة الأقطان وبنك المزارع وجهات أخرى، وقد تعرض لها مجلس الإدارة في اجتماعه الأخير، وقرر عودة نصيب مشروع الجزيرة من أرباح الأسهم، وسيتم النظر فيها والتأكد منها ووضع سياسة خاصة بالمساهمات.
ما هي فرص نجاح الموسم الزراعي الحالي وهل سيسهم في فك الضائقة المعيشية؟
الموسم الزراعي الحالي تواجهه صعوبات تتمثل في مسالة الري والمدخلات، ولا توجد آليات تطهر القنوات، هذه من الأشياء المعيقة، لكن رغم ذلك نجد وزارة الري تبذل مجهود كبير لتوفير الآليات وفك الضائقات، وكذلك إدارة المشروع متعاونة لمحاولة انقاذ الموسم الشتوي الحالي لان القمح سلعة استراتيجية متعلقة بالأمن القومي، كما أن الوضع الحالي حرج وهناك أمل لتجاوز الأزمة بواسطة الإدارة ووزارة الري والمزارع بالتعاون المشترك، لأن الوقت يتطلب العمل سويا وبعد الحصاد يجلسون للمعالجات، وهذا الوضع المشوه إرث من 30 عاماً من العمل التخريبي، ويتوقع حدوث هذه الضائقة، ونحن في الإدارة سنعمل بقلب مفتوح مع الجميع، وهناك تجربة جيدة في قسم الهدى تم التعاون بين ثلاثتنا للعمل المشترك وخرجنا من المشكلة وهذا مثال حقيقي يقتضي أن يطبق في بقية الاقسام لإنقاذ الموسم الحالي.