عوائق ومطبات (تغريدة) رئيس الوزراء
بقلم: لمياء الجيلي
عبرت (تغريدة) الدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، على حسابه في تويتر، عن واقع الفترة الانتقالية وما يواجه الحكومة التنفيذية من تحديات و (ملاواة) و(دس المحافير) من جهات عدة سواءً كانت مدنية سياسية أو عسكرية أو من مجموعات مسلحة عادت لحضن الوطن بعد اتفاقية سلام لن تكتمل إلا بتوقيع بقية أطراف حركات الكفاح المسلح والجهات الفاعلة والمؤثرة على الأرض عليها، أو توقيع اتفاقية مكملة لاتفاق سلام جوبا. جاء في التغريدة “تواجه مسيرة بلادنا نحو السلام الشامل والديمقراطية والتي تتحقق معها المطالب كاملة، الكثير من المطبات والعوائق، ولكن بتوحُّد أهدافنا ووضوح الرؤية سنجتاز كل الموانع ونصل لما ننشده.”).. وإشارة رئيس الوزراء الي المطبات والعوائق التي تواجه مسيرة السلام والتحول الديمقراطي، والتي توضح بجلاء الوضع الصعب أو (الهش) كما وصفته مسئولة أممية (سنأتي لحديثها لاحقاً).
(تغريدات) الدكتور حمدوك بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان بها مؤشرات واضحة لمطبات وعوائق لا نعرف كنها وتفاصيلها في ظل القبضة على المعلومات وصعوبة الحصول عليها، على الرغم من أن حرية الحصول على المعلومات واحدة من دعائم الديمقراطية ومن الحقوق الأساسية التي لا يحق لأي جهة حرمان أي مواطن من الحصول عليها.. وهذه العوائق والمطبات لابد أن تزال وأن تسوى الأرض لمسيرة ثابتة لسلام شامل ودائم وعادل.
هذه المطبات والعقبات لم تكن هم وهاجس الحكومة بالداخل فقط، بل نالت اهتمام ونقاش كبير على المستوى المحافل الدولية. فعدم الاستقرار في السودان أو هشاشة حاله لا يهدد السودان وحده بل يهدد الإقليم الذي لازال يشهد انفلات أمنى وكوارث إنسانية في ليبيا وحرب أهلية في أثيوبيا وتذمر وسخط شعبي على الأوضاع في عدد من دول المنطقة كالجزائر وتونس ومصر. من الواضح جداً أن استقرار السودان بتحقيق السلام الشامل والعادل والنجاح في الوصول الى الديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان لم يعد هماً داخليا فقط.. ولا هدفاً للحكومة أو جماهير الشعب السوداني وثورته العظيمة لوحدهم. فالمراقب والمتابع للنقاشات التي دارت حول السودان في الأمم المتحدة والقرارات التي صدرت من الولايات المتحدة الأمريكية والمتعلقة بالسودان يرى أنها كلها تسير في مجرى واحد وهو الانتقال الديمقراطي السلس وإزالة كل العوائق والعقبات التي تحول دون الوصل الي هذا الهدف السامي والنبيل.
تابع كل العالم وبإعجاب شديد ثورة ديسمبر المجيدة، ولازال العالم يتابع مسيرتها وما يصادفها من المطبات والعوائق.. ومنهم من حول الإعجاب الى عمل دؤوب لمساعدة الشعب السوداني لتحقيق أهداف ثورته وجنى ثمارها بالوصول الى الحرية والسلام والعادلة. فلازالت صحائفنا في سجل حقوق الإنسان يشوبها ما يشوبها ولازالت الضائقة المعيشية ومشقة العيش تحيط بالمواطن إحاطة السوار بالمعصم.. ولازال المشهد السياسي مرتبك وبه ما به من المطبات والعوائق ولازال الوصول الى العدالة تواجهه أكبر المطبات والعوائق.. فالي الآن لم يتم تقديم من ارتكبوا جرائم ومجازر يندى لها الجبين الى المحاكم.. بل أغلبهم لازالوا طلقاء بعيدين عن أيدي العدالة ولازالت ملفات ضحايا الانتهاكات الجسيمة التي حدثت في دارفور وتمت احالتها للمحكمة الجنائية الدولية، لم تتحرك قيد أنملة بعد الثورة.. ولم يتم تسليم من صدرت في حقهم أوامر قبض من المحكمة الجنائية الدولية بل تمت حمايتهم بتقديمهم للمحاكم السودانية في جرائم لا تمثل 1% من حجم الجرائم التي ارتكبوها.. الهدف من معظم هذه التصريحات في الغالب امتصاص غضب الشارع وتجنباً للعنة الضحايا وسخط أسرهم. كما تم تخدير المجتمع الدولي والحقوقي بالوعود المعسولة المغلفة بالخطابات الدبلوماسية التي توضح رغبة الحكومة في التعاون مع المجتمع الدولي والآليات الدولية لحقوق الإنسان ومنها المحكمة الجنائية الدولية ، ولكن (البيان بالعمل) و (المية تكضب الغطاس) فقد شكت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة الأسبوع المنصرم من عدم تعاون الحكومة مع المحكمة وعدم السماح لفريق المحققين من الحضور للسودان وقالت في تقريرها الدوري لمجلس الأمن أن فريقا فنيا كان يفترض توجهه الى السودان خلال نوفمبر الماضي للتحضير لوصول فرق التحقيق، وقالت “لسوء الحظ، تم تأجيل هذه المهمة بناء على طلب السلطات السودانية. ولم يتم تقديم مواعيد جديدة لإجراء التحقيقات قبل جلسة تأكيد التهم الخاصة بالسيد عبد الرحمن”.
المطبات والعوائق التي وردت في تغريدة رئيس الوزراء، والتي تسببت في الهشاشة التي تحدثت عنها وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو في حديثها لمجلس الأمن الدولي والذي نبهت فيه الى أهمية دعم المجتمع الدولي التحول الديمقراطي الهش في السودان قائلاً إنه يمكن أن يخرج عن مساره بسبب التحديات الضخمة التي تواجهها البلاد. كما أكد علي أهمية هذا الدعم اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية لإنفاذ قوانين تحمى التحول الديمقراطي بالبلاد، ولضمان أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب سيعود بالفائدة علي الشعب السوداني عبر الأسس المالية والمحاسبية السليمة وبشفافية تامة دون أن تكون هنالك ثغرات للفساد، فأجاز الكونغرس الأمريكي “قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية لعام 2020″ وحال أنفاذ هذا القانون وما يطالب به المسئولين الأمميين من دعم للسودان نأمل أن يساعد في دعم المجهودات المحلية لتخطى المطبات والعوائق، ولتحقيق الانتقال الى الديمقراطية في السودان بقيادة المدنيين .. وتشديد القانون الأمريكي في تفاصيله على أهمية القيادة المدنية وتحجيم دور العساكر والجهات الأمنية لم يأت من فراغ بل جاء بعد مراقبة ومتابعة لصيقة لتجربة عام ونيف من الفترة الانتقالية وما شابها من مطبات وعوائق وسيطرة الشركات العسكرية والأمنية علي الاقتصاد وعدم سيطرة وزارة المالية علي المال العام وهذا خلل كبير رأت أنه لابد من أت تتم معالجته قبل إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وقبل المساعدة في إعفاء الديون وإلا سنظل ندور في الحلقة الشريرة من العوائق والمطبات التي اشارت إليها تغريدة الدكتور حمدوك.