النساء.. من عزلة همشكوريب إلى ضرب تونس
بقلم: خالد فضل
شهقت زوجتي كالملدوغ، عشة دي جادة!! أجبتها، نعم ولسببين، أولاً عائشة السماني صحفية مُحترفة ومميزة، ثانياً، مجلة المرأة في الإسلام مجلة محترمة ومُحكمة، وهي تصدر عن منظمة محل ثقة هي مبادرة (صيحة)، لذلك فإنّ عشة جادة فيما نقلته من صورة قلمية عميقة لتجربة النساء في عزلة همشكوريب، العدد الثالث 2017م، أمّا سبب شهقة زوجتي؛ فهو تلك الأوضاع الغريبة التي تعيش فيها النساء في منطقة همشكوريب السودانية، والتي تبعد عن مدينة كسلا بأكثر من 300 كيلو إلى الشرق، قريباً من الحدود الأريترية.
حكت الزميلة عائشة قصتها منذ لحظة ركوبها الحافلة من كسلا، حيث يُحرم على النساء السفر لوحدهن (دون محرم)، ثم وضعهن في المقاعد الخلفية، إذ لا يجوز للمرأة أن تركب في المقاعد الأمامية أو في وسط الحافلة، وإمعاناً في الفصل النوعي يُوضع الصبيان بعدهن مباشرة حتى يكون هناك ستار حاجز بين النساء وبقية الرجال!! الذين يتمتعون بكافة حقوقهم، من السفر إلى التعليم، واختيار الزوجات والعمل، بل يتولى الرجال مسؤولية أطفالهم الذكور من سن العاشرة، فهناك نظام فصل تام بناءً على النوع، يصل حد تأسيس (حِلّة) للنساء وأخرى للرجال -حِلّة بكسر الحاء- أي قرية، يُؤخذ منها الأولاد من سن العاشرة، ينتزعون من حجر أمهاتهم ليعيشوا في حِلّة الرجال مع آبائهم، ولا يعودون أبداً لأمهاتهم إلاّ عند بلوغهم سن الزواج، ساعتئذٍ يجوز للرجل العودة إلى بيته في قرية النساء بعد صلاة العشاء، ويخرج منها متستراً بغبش الفجر قبيل موعد الفجر . الفتيات لا يملكن الحق في اختيار الأزواج، بل يتم ذلك بوساطة الآباء والأعمام والأخوان، إنّهم يحددون الزوج، ولا يتم الزواج إلا بعد مباركة (الشيخ) المنتمي لعائلة علي بيتاي، ومن يُخالف ذلك التقليد يكون زواجه عرضة للفشل وفقدان الذرية!!.
النساء في عزلتهن تلك غير المجيدة؛ لا يتعلمن شيئاً سوى حفظ القرآن، والكتاب الوحيد المسموح به هو كتاب الشيخ (الذي قابل الرسول في عرفات وأوصاه)، ومن لا يعرف ذلك فهو جاهل في تقديرهن!! والحروف العربية المكتوبة على الحائط هي (حروف أم الفقرا) أي زوجة الشيخ، والعمل الذي تؤديه هؤلاء النسوة هو إعداد الطعام بكميات كبيرة لينقل إلى حِلّة الرجال، أو يشتغلن ببعض الحرف اليدوية الصغيرة، بجانب حفظ القرآن، لم يشاهدن بالطبع التلفاز، ولم تطرق آذانهن دعوات اللتحاد النسائي، وسيكون لديهن رأي سالب تجاه المناداة بحقوق المرأة، وقطعاً سيولولن ويشحن بوجوههن خجلاً واشمئزازًا إذا سمعن باتفاقية سيداو!!، كل هذا يحدث في سودان الألفية الثالثة، ونحن من غباوتنا فيما يبدو ننشد التغيير والديمقراطية والتنمية البشرية، وندعو للمساواة بين الرجال والنساء!.
كل هذا يهون، فعلى الأقل لا تتعرض النساء والفتيات في أقبية العزلة تلك للضرب، وتحت ستار غليظ من العادات والتقاليد مخلوطة بشوية فتاوى دينية؛ يتم هذا الغمط لإنسانية النساء، ولكن في تونس؛ بلد الاستنارة والوعي والمجتمع المدني النشط، بلد التعليم ومنارته السامقة، في تونس الخضراء يتم ضرب السيدة عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري المعارض، وعضوة البرلمان عنه، يضربها زميلان لها في البرلمان -من نواب الشعب- ولا أدري إن كانت حملتهما الإنتخابية كانت قد حملت الوعود لناخبيهم بـ(ضرب النساء) تحت قبة البرلمان!! فما حدث فعل مُؤلم ومُخجل، وتناقلته الفضائيات في بث مباشر، أسلوب الضرب والاشتباك بالأيادي مرفوض حتى في الشارع العام، فما بالك بممثلين ونواب عن الشعب التونسي؟ وبالغاً ما بلغت جرأة واستفزاز السيدة عبير لهؤلاء النواب، فإن الضرب والركل بهذه الصورة الوحشية ينم عن عقلية صدئة، ويؤكد فعلاً القول السوداني المشهور (القلم ما بزيل بلم)، يبدو أنّ سيادة العقل الذكوري، وارتباطه الأزلي بالحق المطلق في التصرف، بينما على المرأة في أي مكان وزمان أن تخضع لفرضية النقص كونها ولدت بنتاً، إنّ الأمر مزعج بحق، فرغم كل ما حققته النساء وما يحققنه من ذواتهن، وتفوقهن، وإثبات قدراتهن في مختلف مجالات الحياة، من المؤسف أنّه وفي كل مرة يتم ردهن مباشرة إلى أصلهن (الناقص) في العقليات المهترئة، والتي يُسيجها ويحصنها فهمٌ قاصرٌ للنصوص الدينية والأحكام الفقهية العتيدة كما في حالة المجتمعات الإسلامية.
إنّ ردة الفعل من إدارة البرلمان التونسي تجاه واقعة الاعتداء المتكرر على السيدة عبير؛ تنم عن ذات السلوك العدواني تجاه الآخر، خاصة المرأة، فقد عُوقب السيدان النائبان اللذان ضربا السيدة موسى بالحرمان من أخذ فرصة الحديث لثلاث جلسات متتالية!! نعم هذه عقوبة من تعدى بالضرب على زميلته فتأمل!! ولا أدري إن كان قد حدث العكس، وكانت السيدة عبير هي المعتدية، أتصور والحال كذلك أن تنصب لها المشانق الدعائية والإعلامية والفقهية، وربما تم فصلها من البرلمان بتهمة (قلة الأدب) مع الرجال!!.
يبدو أنّ المشوار لا يزال طويلاً ووعراً وشاقاً أمام البشرية، وبصورة خاصة أمام مجتمعاتنا الإفريقية والعربية والإسلامية، لبلوغ أولى عتبات احترام حقوق الإنسان، وضربة البداية في تلك الحقوق احترام أصل الإنسان كونه ذكراً أو أنثى، هذه مشيئة الخالق التي قررها منذ النطفة الأولى في رحم الأم!!.