تداعيات حماية المدنيين في دارفور بعد خروج بعثة يوناميد (UNAMID)
| مساهمات حرة |
* بقلم: زهير عبد الله إمام – المحامي
بتاريخ 22 ديسمبر 2020 أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يقضي بانتهاء تفويض البعثة الأممية المختلطة في دارفور (يوناميد) وتصفيتها تماما بنهاية شهر ديسمبر الماضي، وكانت خطة الخروج المتدرج للبعثة الأممية من الإقليم بمكوناتها العسكرية والشرطية والمدنية، قد اعتمدت من قبل مجلس الأمن الدولي في العام 2014 بناءا على طلب تقدمت به الحكومة السودانية في ذلك الوقت.
في شهر مايو من العام المنصرم وبناءا على طلب رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بالرقم (2524)، تم بموجبه تعديل ولاية الأمم المتحدة في السودان من الفصل السابع إلى السادس وذلك بإنشاء بعثة سياسية تحت مسمى بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال (يونيتامس). الجدير بالذكر أن البعثة السياسية المزمع نشرها في يناير الحالي، سينحصر دورها في تقديم المساعدات والعون الفني وذلك خلافًا لتفويض بعثة اليوناميد الذي كان تحت البند السابع الذي يتيح استخدام القوة لحماية المدنيين.
لا شك أن الخطوة التي أقدم عليها رئيس الوزراء السوداني بتعديل ولاية الأمم المتحدة في البلاد من الفصل السابع إلى الفصل السادس هى خطوة ايجابية ,الا أن السؤال الذي نحن بصدده في هذا المقال هو توقيت خروج البعثة الأممية، وهل الحكومة السودانية أصبحت لديها المقدرة في توفير الحماية اللازمة للمدنيين في دارفور,وفقا للمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني؟
في الواقع، أعدت حكومة الفترة الانتقالية خطة وطنية بغرض أيلولة أمر حماية المدنيين في إقليم دارفور إلى الحكومة بدلا عن البعثة الأممية المختلطة في دارفور (يوناميد) وذلك بتشكيل ونشر قوات مشتركة لبسط الأمن، تتألف من الجيش والدعم السريع وقوات الشرطة ومقاتلي الحركات المسلحة بعد إعادة دمجهم في القوات النظامية السودانية.
بالرغم من أن الأوضاع الأمنية في الإقليم قد تحسنت إلى حد ما خلال السنتين الأخيرتين، حيث تقلصت الاشتباكات القبلية والعمليات العسكرية بين الحركات المسلحة والحكومة، فضلا عن توقيع بعض حركات الكفاح المسلح على اتفاق السلام في جوبا، إلا أن انتهاكات القانون الدولي الإنساني وانتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين في دارفور مازال مستمرا مع إفلات الجناة من العقاب.
في تقديرنا جاهزية القوات الحكومية المشتركة وفعاليتها في حماية المدنيين يجب النظر إليها في سياقها المؤسسي، من ناحية التأهيل و الإصلاح الشامل للأجهزة الأمنية والشرطية والعسكرية التي عبثت بها يد النظام البائد فأفقدتها مهنيتها وقوميتها، إذ لا يستقيم الظل والعود أعوج. إن المخاوف التي أثارها النازحون في دارفور بشأن خروج اليوناميد، تعكس بوضوح عدم ثقتهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية في توفير الحماية المادية لهم، حيث عبروا عن قلقهم قائلين “إن خروج بعثة اليوناميد وتسليم مقراتها للقوات الحكومية سيخلق فراغا أمنيا كبيراً مما يشجع المليشيات المسلحة على ارتكاب مزيد من الجرائم” ( المصدر: راديو دبنقا). مسألة إصلاح الأجهزة الأمنية العسكرية تعتبر من أهم مطالب ثورة ديسمبر المجيدة، والتي نصت عليها الوثيقة الدستورية في (المادة 7 الفقرة 12)، بيد أن المكون العسكري الذي أسندت إليه هذه المهمة لم يحرك فيها ساكنا حتى الآن، الأمر الذي يثير تساؤلا مشروعا حول رغبة المكون العسكري في إنجاز هذا الاستحقاق الثوري. من نافلة القول، إن مبدأ سيادة حكم القانون الذي نصت عليه المادة (5) من الوثيقة الدستورية، لا يتأتى بدون عملية إصلاح شامل للمؤسسات المذكورة.
هنالك اختبار حقيقي آخر سيواجه الحكومة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وذلك في ما يتعلق بمقدرتها المالية في القيام بمهام الدعم اللوجستي الذي كانت تقوم به اليوناميد، والمتمثل في نشر القوات، دوريات الحماية المنتظمة، تأمين وصول العاملين في الحقل الإنساني، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين.
بصورة عامة، قرار سحب قوات اليوناميد لم يأتِ في التوقيت المناسب للأسباب التي ذكرناها، ونتوقع أن يتفاقم الوضع الأمني في الإقليم. لذا نرى أنه كان من الأجدر تمديد تفويض اليوناميد لفترة ستة أشهر على الأقل، يتم خلالها البدء في عملية الإصلاح المؤسسي الشامل، إدماج قوات الحركات في القوات المشتركة، تدريب القوات المشتركة على مباديء القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وتمكينهم من العمل ميدانيا مع قوات اليوناميد للاستفادة من الخبرات التراكمية (learning by doing) وبناء الثقة مع النازحين، فضلا عن اعطاء فرصة للبعثة السياسية الجديدة في حشد الموارد الاقتصادية.
أخيرا وليس آخرا، الحديث عن مبدأ السيادة أمر جيد ولكن مفهوم السيادة(Sovereignty) كما عرفه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق لقضايا النازحين د. فرانسيس دينق “السيادة تعني المسؤولية”, والمسؤولية في الفقه الدولي تقاس برغبة الدولة ومقدرتها في حماية مواطنيها.
* باحث ومتخصص في مجال الحماية الدولية و حقوق الانسان
استاذنا الفاضل زهير إمام أهنئك علي المقال الشيق والذي قد أشحت فيه عن متطلبات بل الواجب الذي تقتضيه الضرورة ويستحقه المدنيين العزل فيما بعد خروج اليوناميد فمن المؤكد علي الحكومة السودانية ان تتخلي عن القرارات الإستباقية والرؤية الضيقة في معالجة القضايا الوطنية المطروحة على طاولة مجلس الوزراء مابعد السلام ولو أنه لم يزل منقوص وهي من القضايا المفصلية الملحة التي لا يختلف عليها القاصي والداني وهي قضية المؤتمر الدستوري الذي يعيد هيكلة المؤسسات الدستورية والمواعين الحكومية ومن ضمنها المؤسسة العسكرية وبالاخص مسألة الاصلاح الاداري وأعادة تأهيل المتفلتين وفلول الحركات المسلحة التي تفتقد للتدريب والمهارة والرؤية الوطنية مع انعدام العقيدة القتالية الوطنية والتأهيل النفسي ومسألة التصالح الذاتي من خلال تقبل الاخر في مجتمع متنوع لجغرافية إثنية مترامية الاطراف أضف الي ذالك مسألة معالجة قضية الحدود المكشوفة بلاضوابط والهجرات العشوائية من دول الجوار مع التجارة السوداء ففي إعتقادي ان مسألة معالجةالإشكالات مابعد خروج اليونايتد مرتبطة إرتباط كلي بإنعقاد المؤتمر الدستوري الذي يأسس الدولة المدنية ويصيغ ويهيكل المؤسسات العامة في الدولة وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية والعدلية ويحدد مدي إرتباطها بمؤسسات الإصلاح المدني في أعادة التأهيل الذاتي للمليشيات وأعادة دمجها في المؤسسة العسكرية الوطنية دون فرز.فمسألة الإحلال والابدال للعقيدة القتالية والتأهيل النفسي ليس بالامر البسيط كما يعتقده البعض ( عقيدة قتالية قبلية جهوية مقابل عقيدة قتالية وطنية يؤمن بالتنوع . فالتحدي الحقيقي أتي لامحال ليضع حكومة حمدوك علي المحك فكمايبدو ان عملية السلام لم تكن كلية بل اتي بصورة جزئية منقوصة مما أفرز كثير من المعوقات الانية وتتمثل في وضع المحاصصات والمستقبلية في الترميم الهيكلي لكليات إفراغ المحتوي وتدشينه علي الواقع اي جدلية ترميم الماضي بكل تشوهاته في المستقبل الأتي لإستشراف المستقبل.
أستاذ صديق ابراهيم, الشكر أجزله على القراءة والتعليق.. خالص الود والتقدير!
اعتقد ان كاتب المقال نبه الي قضيه هامه للغايه وهي مدى قدره الحكومه الانتقاليه على حمايه المدنيين بعد قرار مجلس الأمن بسحب القوات الدوليه الهجين من إقليم ظل مضطربا أمنيا لعقود من الزمان ولا زالت ثوره ديسمبر المجيده تتعرض للموامرات من الداخل والخارج وهذا امر لا يخفى على احد لذلك في تقديري ان كاتب المقال وفق في توقيت اثاره الموضوع حتى تاخذ القضيه حجمها الطبيعي في ظل مجهودات السلام الجاريه والنظر في اعاده هيكله المنظومات العسكريه التي أصبحت في حد ذاتها مهددا أمنيا قد يقود الي مزيد من الانتهاكات ضد المدنيين في إقليم دارفور اذا لم توحد تحت قياده واحده على الاقل في فتره الانتقال حتى تستكمل عمليه السلام ببنا مؤسسات الدوله. اعتقد ان المخاوف التي آثارها كاتب المقال حول انسحاب قوات يوناميد في هذا التوقيت لها ما يبررها وتستند الي اسباب موضوعيه يجب النظر إليها بجديه خاصه وان ملف السلام قد قطعت الدوله عهدا ان يكون من أولوياته. الأمر الاخر والذي لا يقل اهميه على ما سبق هو التطور في مفهوم السياده في القانون الدولي الذي ادخله الدكتور فرانسيس دينق في المبادي التوجيهيه لحمايه النازحين وهي وثيقه دوليه تحتوي على مضامين القانون الدولي لحقوق الإنسان لحمايه حقوق النازحين حتى لا يستخدم مفهوم السياده بما يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان فقد ذكر ان السياده هي المسووليهsoverignty is responsibilityاي يريد أن يوصل رساله بأن الدوله ذات السياده الحقيقيه عليها مسؤوليه حمايه حقوق مواطنيها وفقا للمواثيق الدوليه لحقوق الانسان وقد أشار كاتب المقال الي ذلك مما يحتم على الدوله النظر الى مقدرتها
في حفظ الأمن وحقوق مواطني دارفور قبل أن تقدم على الاستغناء من قوه حفظ السلام اما وقد حدث بالفعل انسحاب تلك القوات فعلي الدوله الاطلاع بمسوليتها والا سيصبح ما لا يحمد عقباه لا سمح الله
أستاذ عبدالسلام, شكرا جميلا على القراءة والتعليق.. أتفق معك تماما في ضرورة العمل على بناء مؤسسات عسكرية وطنية. خالص الود والاحترام!