الخبير المصرفي عمر عمرابي لـ (مدنية نيوز): لا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية دون إصلاح النظام المالي (1-2):
حوار: حسين سعد – عازة أبوعوف
قطع الخبير المصرفي عمر حسن عمرابي، بعدم جدية حكومة الثورة في إصلاح النظام المصرفي، ووصف في حوار مع (مدنية نيوز) التغيير الذي حدث بالبنك المركزي والبنوك الحكومية بعد الثورة بالمحدود، وكشف عن وجود إشكاليات كثيرة بالنظام المصرفي لم تتم معالجتها حتى الوقت الراهن وأن الإصلاح الحقيقي لا ينتهي بتعيين المحافظ ونائبه فقط، بل تجب مراجعة وإصلاح كل المنظومة المصرفية ويجب تطبيق الضوابط ووضع سياسات ومعايير صارمة تضمن حوكمة المصارف ومعالجة الفساد وزيادة الكفاءة وجودة الخدمات وتطبيق السياسات النقدية بصرامة.
واعتبر العمرابي، أن استمرار عجز الموازنة والاستدانة من البنك المركزي وعدم كبح التضخم نتيجة للسياسسات الخاطئة، وأضاف أن زيادة سعر الصرف تعبر عن فشل السياسات الاقتصادية للدولة، وأبان أن أكبر مشكلة تواجه حكومة الثورة هي عدم إصلاح الخدمة المدنية ونقص الكفاءات التي يمكن أن تقود تغييراً حقيقياً.
وأجاب الخبير المصرفي العمرابي، على كثير من التساؤلات المتعلقة بالنظام المصرفي والسياسة الاقتصادية تطالعون إفاداته في الحوار التالي:
ما تقيميك لوضع القطاع المصرفي في السودان؟
لا شك أن الحكومة السابقة أفسدت كل أشكال الحياة في السودان وكان القطاع المصرفي رأس الحربة في الفساد ونتيجة لتلك الممارسات ارتفعت الأسعار وأصبح هناك عدم تنمية وزيادة في معدلات الفقر، وبذلك كانت سبباً من أسباب قيام الثورة في السودان.
وبعد الثورة تمت عدد من المحاولات لمعالجة إشكاليات الحكومة البائدة، إلا أن القطاع المصرفي لم يلق حقه من هذه المحاولات وإلى الآن لم يلق اهتماماً خاصة أنه من أهم العناصر في إصلاح الاقتصاد لذلك نحن مستمرون في المعاناة الاقتصادية وعدم توفر الخدمات الأساسية، وأعتقد أن أحد الأسباب هو عدم الاهتمام من قبل حكومة الثورة بإصلاح النظام المصرفي أو الانتباه للقطاع، ولم ترد أية إشارة للقطاع في المفاوضات التي سبقت تكوين حكومة الثورة والوثيقة الدستورية.
وإذا نظرنا اليوم للقطاع المصرفي لا نرى تغييراً يذكر، بل الاستمرار على نفس نهج نظام (الإنقاذ) الذي مارست من خلاله الفساد في كل أشكاله، وإذا نظرنا لما حدث من تغيير فهو محدود في المحافظ والقيادات العليا لعدد من المرات، وهذا في ذاته إشكال يشير إلى أننا ليست لدينا رؤية واضحة وحتى التغيير الذي حدث في المصارف التجارية والتغيير الذي تم في مجالس إداراتها والمدراء العامين لم تستطع حكومة الثورة لمدة 9 أشهر أن تعين بدلاء لمجالس الإدارات والمدراء بطريقة شفافة، في وقت أنها بنوك تنمية (الزراعي والصناعي وبنك الادخار) وهناك (جرجرة) من الحكومة في تعيين مجالس إدارات فاعلة، رغم أن اللجنة الفرعية التابعة للجنة الاقتصادية رفعت توصياتها منذ فترة في هذا الخصوص.
وفيما يتعلق ببعض البنوك التجارية الأخرى وعلى الرغم من أنها تمت فيها تجاوزات لمعايير الحوكمة التي وضعها البنك المركزي وقد تجد شخصاً واحداً في مجالس إدارات عدد من البنوك، وغير هذا فالبنوك الحكومية في عهد (الإنقاذ) كان يتم تجييرها لصالح فئات محددة ومنظمات تتبع لـ (الإنقاذ)، وهذا كله لم تتم معالجته بجدية وسرعة فالنظام المصرفي لديه إشكاليات كثيرة لا تتم معالجتها بتعيين المحافظ ونائبه فقط، بل يجب تطبيق الضوابط ووضع سياسات ومعايير صارمة تضمن حوكمة المصارف للقيام بدورها الحقيقي، ويجب التأكد من تنفيذ هذه الضوابط بصرامة.
في رأيك لماذا إصلاح النظام المصرفي؟
تأتي أهمية إصلاح النظام المصرفي من أنه لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية وإصلاح اقتصادي دون إصلاح النظام المصرفي فهو من يضع السياسات النقدية ويدير حركة المال وتمويل التنمية (الزراعي والصناعات التحويلية) والسيطرة على التضخم أي التحكم في الأسعار والبطالة، إضافة إلى ضبط سعر الصرف ولذلك يجب أن يكون لدينا نظام مصرفي فاعل وكان يجب على حكومة الثورة الاهتمام بذلك كأولوية قصوى.
من هو المسؤول عن إصلاح النظام المصرفي؟
البنك المركزي هو الذي يقود القطاع المصرفي وهو مسؤول عن إنفاذ السياسات النقدية وطباعة النقود والإشراف على المصارف، لذلك المسؤول من إصلاح النظام المصرفي عادة هو البنك المركزي ولذلك يجب أن يقود عملية الإصلاح وأن تقوم الدولة بمراقبة أدائه ومحاسبته من خلال المجلس التشريعي حتى نضمن استقلالية البنك المركزي وعدم تغول الحكومة والسياسة المالية عليه.
في رأيك ما هي التغييرات التي يجب أن تحدث في البنك المركزي؟
يجب أن نؤكد أولاً أن النظام المصرفي في فترة (الإنقاذ) وصل حافة الانهيار، والسودان كان في المرتبة الثالثة من ناحية الفساد وبالتأكيد هذا لا يتم إلا إذا كان هناك فساد كبير في النظام المصرفي، فالإنقاذ حولت البنك المركزي لواحدة من آليات خدمتها، لذلك الإصلاح يبدأ بإصلاح البنك المركزي نفسه ويبدأ بقيام قيادة البنك المركزي بتنفيذ أهداف الثورة وضمان استقلالية البنك وأن تتم مراجعة البنك بواسطة جهة مؤهلة، ومن ثم تتم إعادة هيكلته وضمان كفاءة من يعملون به، فنحن الآن مركزون على السياسات أكثر من تنفيذ هذه السياسات بشكل جيد وكفاءة عالية.
ومن الواضح أن البنك المركزي لم يحدث فيه تغيير يذكر على كل مستوياته خلاف القيادات، وهذا غير كافٍ ويجب إجراء إصلاح هيكلي كامل يقود إلى أن يعمل البنك بكفاءة عالية ويقود التغيير وتحقيق أهداف الثورة في القطاع المصرفي.
ما هي الأخطاء التي وقعت فيها حكومة الثورة في التعامل مع ملف القطاع المصرفي؟
أولاً ليس لدينا وضوح متكامل حول إصلاح النظام المصرفي بما في ذلك إصلاح البنك المركزي، على سبيل المثال ما يزال هناك تغول من السياسة المالية على استقلالية البنك المركزي مما يؤثر على السياسات النقدية وكبح التضخم الذي أصبح أسوأ من التضخم في عهد (الإنقاذ)، وهذا يشير إلى أن هناك سياسات مالية ونقدية إما خاطئة أو غير متكاملة ومنسجمة مع بعضها، وهناك مشكلة أخرى تتمثل في زيادة سعر الصرف وهذا يعبر عن فشل السياسات الاقتصادية سواء مالية أو نقدية للدولة، فالتحكم في سعر الصرف مسؤولية البنك المركزي أولاً وأخيراً طالما منح استقلالية كاملة، وما يحدث فشل حقيقي في التحكم نتيجة لتضارب القرارات وخاصة قرارات كثير من الجهات الأخرى مثل إدارة الصادر وآليات استيراد الوقود وغيرها، وهذا يؤكد عدم وجود خطة متكاملة على مستوى الدولة لإصلاح النظام المالي والمصرفي ومحاربة الفساد والتحكم وإدارة السياسات النقدية والمالية بشكل فاعل، والحكومة الآن تعمل برد الفعل بدلاً من اتباع خطة محكمة تلتزم بها كل وحدات الدولة، لذلك من المتوقع أن يستمر التضخم وارتفاع الأسعار وارتفاع سعر صرف الجنيه السوداني لعدم وجود طرق معالجة متكاملة، وليس هناك جهد فعلي لتحقيق الشمول المالي، فلا يزال (٨٨%) من المواطنين خارج مظلة النظام المصرفي ومعظم (الكاش) خارج النظام المصرفي ويقدره البعض بما يزيد عن (٩٥%) من الأموال خارج النظام المصرفي، وبالتالي هذا يضعف دور البنك المركزي في تنفيذ سياساته النقدية مثل التحكم في التضخم وسعر الصرف، كما يضعف موارد البنوك ومقدرتها على تمويل مشاريع التنمية والبنيات التحتية، ونحن في القطاع المصرفي فشلنا في إقناع المواطن على إيداع أمواله في البنوك لعدم وجود سياسة متكاملة لتحقيق الشمول المالي تشرف على تنفيذها الدولة بقيادة البنك المركزي.
أيضاً نجد أن العجز في تمويل الموازنة يقود إلى الاستعانة من البنك المركزي فوق النسب المقررة، مما يقود البنك المركزي للطباعة لتغطية الاستدانة لتغطية عجز الموازنة، لذلك يبقى تمويل الموازنة حقيقة من (جيب المواطن) وهذا يتنافى مع طرق كبح جماح التضخم التي تتمثل في التحكم في عرض النقود واستقلالية البنك واتباع سياسة تزيد الإنتاج وتجلب مدخرات المغتربين والاستثمارات الخارجية وتقلل الصرف، والتحكم في عوائد الصادر مثلاً نجد جزءاً من الفساد في تصدير الذهب فتجد حجم صادر الذهب وفي أحد الأعوام السابقة عبر مطار الخرطوم كان حوالي (19) طناً رسمياً، فيما تجد في مطار دبي الذهب الوارد من السودان مسجل (90) طناً، وهذا يعني أن هناك كمية كبيرة خرجت بصورة غير شرعية وبالتالي فقد السودان حصائل صادر كبيرة كان يمكن استخدامها في ضبط سعر الصرف وتمويل مشاريع التنمية، لكنها تذهب لشراء شقق واستثمار في الخارج، ولذلك هناك عجز كبير في الإيرادات وفي المعروض من النقد الأجنبي لذلك الحكومة بشكل غير مباشر تمول العجز من (جيب المواطن) من خلال الاستدانة المفرطة من النظام المصرفي.