النقابات.. الثورة المغدورة
| مساهمات حرة |
بقلم: غسان عبد العزيز عمر
بعد سقوط النظام البائد انتظمت الساحة النقابية ثورة عارمة، تمثلت في معارك سحب الثقة التي تم قطع الطريق أمامها بواسطة قرار تجميد النقابات واعتماد اللجان التسييرية بواسطة لجنة التفكيك، ومن ذلك الحين والفراغ النقابي هو سيد المشهد. ورغم وجود مشروع قانون تنظيم النقابات الموحد 2020، والذي توافقت عليه كل القوى السياسية والنقابية، إلا أن وزاره العمل ممثلة في الوزيرة، أصرّت على الدفع بنسختها الخاصة، والتي لا تعدو كونها نسخة لقانون غير ديمقراطي يُعطي المسجل صلاحيات واسعة وينص على معاقبة من يخالفه بالسجن ستة أشهر، ويقنن ويعتمد لجان التسيير التي كونتها لجنة إزالة التمكين كممثل للقواعد. والمعروف أن هذه اللجان يسيطر على معظمها الانتهازيون و”الكيزان”. هناك مادة في قانون الوزيرة تتحدث عن توفيق أوضاع هذه اللجان واعتمادها كقيادة للنقابات. أما أخطر ما فيه هو أن قانون السيدة لينا يعمل على تفتيت الحركة النقابية ويضرب وحدتها عبر المزاوجة بين نقابات المنشأة والفئة، ويقيد حق الإضراب ويرهب النقابيين.
مع تصاعد الحراك الرافض لقانون وزارة العمل برزت لجنة الوكلاء، وهي لجنه لا يمكن أن تكون محايدة في هكذا صراع، لكونها تمثل الحكومة (أكبر مخدم) والاختلافات بين قانون الوزيرة وقانون لجنة الوكلاء ليست جوهرية والتعديلات التي أُدخلت ليس لها مردود إيجابي على الحرية والديمقراطية، وهي تعتبر شكلية عملت على تجميل قانون الوزيرة، وأسست لتفتيت وحدة الحركة النقابية، وأوجدت المسوغات والوسائل لقمعها وسلبتها الحق في انتخاب قياداتها بشفافية فقد شملت:
● تغير اسم القانون ليصبح في نسخة لجنة الوكلاء ”مشروع قانون تنظيم نقابات العاملين لسنة 2021″ بدل ”مشروع قانون نقابات العاملين لسنة 2020″. .
● استبدل الفصل الثالث “الهيكل النقابي” ليصبح “البنيان النقابي” في نسخة لجنة الوكلاء.
● استبدال المادة 11 ”أنواع النقابات والحد الأدني للتسجيل” في قانون الوزيرة لتصبح ”أنواع التنظيمات النقابية والحد الأدني للتسجيل”.
● المادة 17 في قانون الوزيرة ”التفرغ النقابي الكلي والجزئي” لتصبح ”التفرغ النقابي والإجازة النقابية”.
● استبدال عناوين المادتين 18 و19 بمادة واحدة في قانون لجنة الوكلاء “حماية أعضاء التنظيمات النقابية ضد التمييز”.
● تم إضافة مادتين جديدتين للفصل السادس في نسخة لجنة الوكلاء: المادة 20 “إجراءات إنشاء الوحدة النقابية”، والمادة 22 ”إجراءات إنشاء الهيئة النقابية”، وتم تعديل المادة 21 “إجراءات إنشاء النقابة”، لتصبح “إجراءات إنشاء الهيئة الفرعية”.
● تغير ترقيم المواد 23، 24، 25، 26، 27 و28 لتصبح 24، 25، 26، 27، 28 و29، وتمَّت إضافة كلمة إقليم للمادة 25 وعبارة “إلغاء التسجيل” للمادة 29.
● باستثناء اختلاف الترقيم ظلت مواد الفصل السابع والثامن كما هي.
حافظ قانون لجنة الوكلاء على كل مواد قانون وزيرة العمل التي تهدف إلى إرهاب الحركة النقابية “المادة 39 التي تعاقب كل من يخالف القانون بالسجن ستة أشهر” وتفتيت وحدة الحركة النقابية وذلك بالسماح بالانتماء لأكثر من نقابة، ووجود أكثر من نقابة (المادة 12) وحرمان قواعد النقابات من انتخاب ممثليها، وذلك باعتماد لجان التسيير التي كونتها الحكومة كممثل للعاملين (المادة 5)، وذلك لضمان استمرارية بعض قيادة المهنيين في قيادة الثورة. إن لكل فئة أو مجموعة من العمال، الموظفين، المهنيين مطالبها الخاصة ومشكلاتها ورؤيتها للحلول، لكونها توجد في نفس المكان أو المنشأة، ولا يعنى ذلك وحدة المطالب والطموحات؛ فنقابة الثروة الحيوانية تضم الأطباء البيطريين واختصاصيي الإنتاج الحيواني رغم الصراع المعروف بينهم ونقابة القطاع الصحي تضم الأطباء وضباط الصحة والممرضين والدايات وعمال النظافة رغم خصوصية كل مهنة وتفرد احتياجات منسوبيها، لذلك لا تناسب نقابة المنشأة العاملين لكن تخدم الأجندة السياسية للجهات التي تريد أن تكبح جماح الحركة النقابية، وتمكن أصحاب العمل من السيطرة على النقابة. وواقع الحال والتاريخ القريب يكشف أهمية وجود نقابة للفئة، فمثلا نواب الاختصائيين عملوا على تكوين اللجنة المركزية للأطباء رغم وجود النقابة الشرعية للأطباء وذلك لطبيعة القضايا والأهداف التي يسعون لتحقيقها.
ملاحظات عامة
● لم يعرف قانون لجنة الوكلاء الاتحاد المهني وما المقصود به رغم أنه قد ورد ضمن مسمى المادة 12 “الجمع بين عضوية التنظيمات النقابية والاتحادات المهنية”. ضمن مسمى هذه المادة يتسق تماماً مع مفهوم نقابة المنشأة وقانون النقابة للعام 2010 الذي يعرف النقابة بأنها التنظيم النقابي الذى يجمع العاملين في منشأة أو مكان عمل واحد بينما يعرف الاتحاد المهني (أنه التنظيم الذي يجمع العاملين في مهنة واحدة ويتكون وفق قانون الاتحادات المهنية)، لكن لأن لجنة الوكلاء لا تريد أن تفصح عن مراميها لم تعرف الاتحاد المهني.
● كذلك أغفل قانون لجنة الوكلاء تعريف لجان التسيير رغم أنه أصر على توفيق أوضاعها، واعترف بها كممثل للعاملين ولم يضع أي اشتراطات لاعتمادها بواسطة مسجل تنظيمات العمل كما فعل في حالة اللجان التمهيدية فأي ديمقراطية هذه؟ ترى كم هو عدد لجان تسيير التي كونتها حكومة حمدوك ولجنة إزالة التمكين؟ لا أحد يعرف لكنها غطت معظم أماكن العمل.
● رغم أن وزيرة العمل ولجنة الوكلاء تدَّعي أنها لا تقف مع نقابة المنشأة إلا محتوى القانون ينفى ذلك ففي تعريف قانون لجنة الوكلاء لـ”اتحاد عام نقابات السودان” كأنما يصف اتحاد غندور أو اقتبس من قانون المنشأة 2010 “يقصد به التنظيم النقابي الذي تكونه الاتحادات واتحادات الولايات / الأقاليم”؛ بينما يعرف القانون تنظيم النقابات الموحد الاتحاد العام بأنه “يقصد به التنظيم الذي يضم نقابات العمال، أو الموظفين، أوالتقنيين، والمهنيين، أو الفنيين، على مستوى القطر”.
● كل التعريفات الواردة تشير إلى أن قانون لجنة الوكلاء يسمح بتكوين نقابات على أساس الفئة أو أساس مكان العمل وهذا تكتيك قديم استخدمته الدوائر الغربية لتفتيت وحدة الحركة النقابية وشراء ولاءات القيادة الانتهازيين وروج له الليبراليين الجدد، فكان أحد الأسلحة التي استخدمتها مارغريت تاتشر في تفتيت وحدة عمال المناجم في الثمانينيات من القرن الماضي.
● يصر قانون لجنة الوكلاء على توفيق أوضاع لجان التسيير حسب البند 1 المادة، رغم أنها كُوِّنَتْ لغرض محدد يفترض أن ينتهي بتكوين نقابات منتخبة، كما أن المواد المطلوب استيفاءها لتوفيق الأوضاع لم تشر قط إلى لجان التسيير فهي تتحدث عن اللجان التمهيدية. ورغم أن ذلك يناقض منطوق البند 2 في المادة 6 من نفس القانون ”حق التنظيمات النقابية في انتخاب ممثليها بحرية”.
● ورغم أن لجنة الوكلاء اقرت بحق العاملين استخدام الوسائل السلمية إلا أنه ربط تحديد سير المسيرات والتظاهرات بالتنسيق مع السلطات المختصة ”بما في ذلك الوقفات السلمية والعصيان المدني والإضراب عن العمل والتظاهر السلمي وتنظيم المسيرات العامة مع السلطات التي يتم تحديد خط سيرها بالتنسيق مسبقاً المختصة لإحكام هذا القانون”، بمعنى أن العاملين سيعاقَبون بالسجن 6 أشهر لأنهم خالفوا هذا القانون وخرجوا في تظاهرة دون التنسيق مع الجهات المختصة. وكلمة “تنسيق” فضفاضة ولا تعتبر لغة قانونية، لذلك لا يمكن استخدامها في قانون، لكن المقصد من ذلك أن تكون غير محددة فاللغة القانونية تكون “إذناً وليس تنسيق”.
● المادة 12 البند (1) بمثابة دعوة لتفتيت وحدة الحركة النقابية فهو يسمح للعاملين بأن يجمعوا بين عضوية اكثر من نقابة “يجوز لأي من العاملين أن يجمع بين عضوية أكثر من تنظيم نقابي شريطة أن تكون التنظيمات في فئات مختلفة أو أماكن عمل مختلفة”. وهي كذلك بمثابة ثغرة لتزوير إرادة العاملين وكانت أحد أساليب الكيزان في السيطرة على نقابة المحامين، فمثلاً وكلاء النيابة وكل من يملك شهادة في القانون واجتاز امتحان المعادلة يمكنه أن يصوت غض النظر عن مكان عمله (صاحب بقالة، محاسب، سمسار…).
● المادة 12 البند (2) تتحدث عن “الجمع بين عضوية أي تنظيم واتحاد مهني”، يجوز لأي من العاملين أن يجمع بين عضوية أي تنظيم نقابي مُنشأ بموجب أحكام هذا القانون وعضوية أي اتحاد مهني، علماً بأن القانون لم يعرف الاتحاد المهني، وحالياً لا توجد اتحادات مهنية، لكنه يوضح النية المبيتة ومحاولة تجميل الواقع النقابي الذي أحدثه الكيزان دون إدخال تعديلات جوهرية عليه، فوجهة حكومة حمدوك بما فيها الوكلاء هي الحفاظ على إرث الكيزان والعمل على تكبيل الحركة النقابية.
● المادة 14 البند (7) تعيد إلى الأذهان اتحاد غندور الذي يضم كل الاتحادات واتحادات الولاية ويمثل نفسه ناطق باسم الجميع بغض النظر.
في ظل النظام الدكتاتوري للكيزان كان واجهة لحشد الدعم السياسي للسلطة والتواطؤ معها ضد العاملين. ترى ما هو الدور المنظور لهذا الجسم الذى يضم مجموعات متباينة؟
● المادة 15 حددت الدورة النقابية بأربع سنوات رغم أن القانون الموحد اقترح 3 سنوات وأعطت الحق في تحديد بداية الدورة لاتحاد عام نقابات السودان.
● أعطت المادة 29 البند (د) المحكمة المختصة الحق في حل التنظيم النقابي “إذا عجز التنظيم النقابي عن تنفيذ الأغراض التي أنشئ أو تكون من أجلها ذلك التنظيم، أن الجمعية العمومية للتنظيم النقابي هي التي تستطيع أن تحدد ما إذا كان التنظيم قد عجز عن تحقيق أهدافه أم لا، وليس المحكمة المختصة، وهي ثغرة يمكن من خلالها حل النقابة والسيطرة عليها وإرهاب النقابيين”.
● المادة 33 حصرت الحق في اتخاذ الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بأموال التنظيمات النقابية على الجمعيات العمومية دون الأفراد من أعضاء النقابات لماذا؟ “تتخذ الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بأموال التنظيمات النقابية بواسطة الجمعية العمومية وفقا للنظام الأساسي”.
● المادة 39 تعاقب أيَّ شخص يخالف أحكام هذا القانون بالسجن مدة لا تتجاوز الستة أشهر أو الغرامة أو العقوبتين معاً. الهدف من هذه المادة واضح وهو استخدامها متي ما دعت الضرورة لإرهاب النقابيين وكبت حرية العمل النقابي.
ختاماً يبدو جليّاً أن لجنة الوكلاء أجرت تعديلات شكلية فقط وحافظت على المواد الأساسية التي تضمن للحكومة وأصحاب الأعمال السيطرة على النقابات وتزوير إرادة العاملين وتفتيت وحدة الحركة النقابية. لقد ضربت حكومة حمدوك سياجاً من السرية، فبينما نفى الناطق الرسمي باسم الحكومة في السابع من يناير من هذا الشهر أنه تم تأجيل البت في موضوع قانون النقابات تواترت تسريبات أن هذا القانون قد أجيز، وبحضور ممثل للجنة الوكلاء، في نفس الوقت نفى ممثل لجنة الوكلاء إجازة القانون، والنسخة التي أُعِدَّتْ بواسطة لجنة الوكلاء استندت بشكل أساسي على القانون الموحد. وعليه يتضح بجلاء أن أكبر خطر يتهدَّد الثورة السودانية هو الحكومة الحالية، وخير شاهد على ذلك فصول المؤامرة التي تُحاك ضد الحراك النقابي. ويحق لنا أن نسأل: لماذا حكومة حمدوك ووزرائها ووكلائها يتجاهلون القانون الموحد الذي توافقت عليه كل القوى النقابية والسياسية؟ ولمصلحة من؟.
* مهندس زراعي