تهديدات تواجه العام الدراسي بولاية الخرطوم
تحقيق: هانم آدم
أربعة أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين السابعة والثانية عشرة، استقلوا إحدى المركبات المتوجهة إلى الكدرو، واختاروا المقعد الخلفي، تحمل وجوههم براءة طفولية، غير أن الزمن وضع بصماته الواضحة، لتبدو عليهم علامات مقدرتهم على تحمل كثيرٍ من الصعاب، وقد بدا ذلك واضحاً في ثيابهم الرثة بعض الشيء. إحدى السيدات ظلَّت توبخهم بشدة موجهة حديثها لأحدهم، وهي تشير إلى أنه حاول إدخال يده الصغيرة في حقيبتها.
وقتها سألتهم مشرفة تربوية كانت تجلس في أحد المقاعد إن كانوا يدرسون أم لا، فأكدوا لها أنهم يدرسون بإحدى المدارس، وذكر أحدهم أنه يدرس في الفترة الثانية، والآخر قال إنه ليس لديه زي مدرسي؛ فما كان من المشرفة إلا أن أخذت المعلومات الكاملة وتواصلت مع الجهة المختصة.
هذا السلوك جعل كثيرين يصبّون جام غضبهم على استئناف المدارس بنظام الدوامَيْن؛ وقالوا إن الرقابى تنعدم فيه، وأضافوا أنه قد يتسبب في التسرب من المدارس. فبعد أكثر من أحد عشر شهراً استؤنف العام الدراسي مطلع فبراير الجاري بولاية الخرطوم. وبعد إجراء جميع الاستعدادات الصحية واتخاذ التدابير الاحترازية لجائحة كورونا بجانب الاستعدادات التعليمية الأخرى وتوفير متطلباتها.
(مدنية نيوز) قامت بجولة على عدد من المدارس ووقفت على الاستعدادات والإشكاليات التي واجهت الطلاب في اليوم الأول والثاني؛ كما وقفت على التحوطات الأخرى التي تم الإعلان عنها. في المساحة التالية تطالعون أهم ما خرجت به:
صعوبات
لاحظت (مدنية نيوز) أن هناك ارتباكاً شديداً في اليوم الأول، ولم يخلُ اليوم الثاني من بعض الارتباك وسط الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور أنفسهم. بسبب التوقيت من جانب والتراحيل من جانب آخر، ومدى استعداد المدارس من ناحية كتاب، ومعلمين ومنهج.
وكانت نائب رئيس لجنة المعلمين قمرية عمر قد أعلنت في وقت سابق جاهزية وزارة التربية والتعليم لاستئناف العام الدراسي لمرحلتي الأساس والثانوي، بعد إجراء عمليات مسح شامل لكل المدارس بالولاية بواسطة لجان من الموجهين أكدت سلامتها.
وكَشفت قمرية في تصريح لصحيفة (الوفاق) الصادرة في الخرطوم، تَكَفُّل الوزارة وعدد من الجهات بتوفير الاشتراطات الصحية للمُعلِّمين والطُلاّب، وأكَّدت عدم تغيير المُقرَّرات لكل الفصول، مُشيرة إلى تغيّير مُقرَّرات فصلي الأول والسادس فقط، وتنقيح بقيتها عبر توزيع نشرات من الوزارة للمدارس تفيد بحذف بعض الأبواب والصفحات من المقررات.
وطالبت والي الخُرطوم بتوفير الخبز والوقود المدعومين للطلاب والطالبات الذين يبلغ عددهم (6.000) طالب لمرحلتي الأساس والثانوي لضمان استمرار واستقرار العام الدراسي.
اكتظاظ طلابي
في البدء التقت (مدنية نيوز) بإحدى معلمات الأساسي بمنطقة الإنقاذ بالخرطوم والتي بدورها أكدت أن مدارس جنوب الحزام جميعها تعاني من الاكتظاظ الطلابي بالفصول وتساءلت: كيف يمكن أن يتم تقسيم فصل يصل عدد طلابه الثمانون؟ وقالت: إذا أردنا ذلك فسيكون هناك ثلاثة فصول للفصل الواحد، إذن هذا إرهاق للمعلم ولولي الأمر خاصة وإن كان لديه أطفال يدرسون بالحلقة الأولى، وآخرون بالحلقة الثانية، علما بأن الصيف على الأبواب وسوف تزداد قطوعات الكهرباء، كما إن هناك نقصاً كبيراً في المعلمين وعجزا في توفير الكتاب، فضلاً عن ضعف المرتب مقابل ارتفاع السوق.
نظام مرهِق
فيما تشير أخرى بمدرسة خالد بن الوليد إلى وجود فارق زمني كبير ما بين فصول ثوامن والفصول الدنيا، الأمر الذي يشكل عبئاً على المعلمين، بجانب أن هناك حصصاً زمنها يصل إلى (٤٠) دقيقة بواقع ست حصص للطالب بالفصول العليا، أما الدنيا فبواقع خمس حصص، وتضيف: “بهذه الطريقة لا يوجد أي تنسيق في الحصص وستكون المدارس عبارة عن طلاب داخلين وآخرين خارجين، وسوف يكون زمن الحصة (٣٠) دقيقة”.
وترى أن الواقع الحالي ونظام الدوامَين مُرهِق وبه صعوبة للأستاذ نفسه، بجانب حدوث ربكة، حتى للأمهات خاصة في اليوم الأول حيث تضطر الأم للذهاب والعودة مرتين إذا كان لديها طالب بالفصل الأول والآخر في الفصل الرابع.
وتنفي استلام المدرسة لأي كتاب جديد، وتقول: “سمعنا بأن الكتب ستصل ولكن لم نستلمها حتى الآن”. أما فيما يتعلق بجائحة كورونا والاحترازات الصحية التي وضعت لمجابهتها فتنفي استلامهم لأي شيء سوى صندوق كمامات واحد تم توزيعهه في السابق لفصل ثامن، ووصفتها بالرديئة وعشوائية الصناعة”؛ وتابعت: “حتى إن الطلاب قالوا إنها لا تكفي لإغلاق الفم والأنف معاً”. وتوقعت أن يحدث استقرار للطلاب خلال الأسبوع القادم، واقترحت أن تكون الدراسة يوماً بعد يوم.
انعدام العطاء
وترى إحدى المعلمات أن الفصول لا تسع الطلاب حتى يكون هناك تباعد اجتماعي، وتقول: “توجد فصول إذا أردنا تقسمها، فسيوزع طلابها إلى ثلاثة أقسام”، وتتفق مع سابقتها بأن هذا الأمر مرهق بالنسبة للمعلم، ولا يمكنه تقديم أي عطاء، واستدلت بقولها بأن هناك معلمة لديها حوالي (١٧) حصة في الأسبوع فإذا تم قسم الطلاب فسيكون لديها (٣٤) حصة في الأسبوع وهذا ورقم كبير، واقترحت أن تكون الدراسة يوماً بعد يوم لطلاب الحلقة الأولى والثانية، ونفت وجود الكمامات إلا للطلاب في فصول ثامن. وتضيف: “هذه الإشكالية في المدن فما بال القرى والأرياف”، وتقول: “كان ينبغي على الوزارة أن توفر الكمامات والمعقمات قبل وقت كافٍ من فتح المدارس”.
معاناة يومية
وضمن جولة (مدنية نيوز) بالمدارس توقفت بمدرسة اللواء حسن بشير بالحلفايا وتلمست الصعوبات التي تواجهها مديرة المدرسة الأستاذة زليخة رحمة كشفت عن معاناة الأهالي لهذا العام في جانب الزي وشددت على أهمية وجود مخيمات للزي المدرسي، هذا بجانب مشكلات تفاوت أسعار الكراسات والإجلاس بسبب رجوع عدد كبير من الطلاب الذين كانوا يدرسون بالمدارس الخاصة للمدارس الحكومية، نسبة لارتفاع التكلفة؛ فالترحيل يصل في بعض المدارس لمبلغ (١٠٥) جنيهات والقبول بمبلغ (٤٠) ألف جنيه وأخرى (٦٥) ألف جنيه، وهناك مدارس طالبت بدفع نصف هذه المبالغ مباشرة. وتشير إلى معاناة البعض للوصول للمدرسة، وارتفاع قيمة سعر (الركشة) وتصل إلى مبلغ (١٥٠) جنيهاً ذهاباً ومثلها إياباً ناهيك عن بقية ناهيك عن بقية المصروف.
وكشفت زليخة عن ظهور مشكلات أسرية وانفصالات ودخولَ للمحاكم، هذا بجانب إشكالية توفير الخبز لفطور الطلاب، مع العلم أنه الأقل تكلفة، وأقرت بصعوبة بداية العام إلا أنها عادت وقالت: “المشاكل ألفي مقدورنا بنحلها”.
تسرب الطلاب
وشكت المعلمة والمرشدة النفسية بقطاع الحلفايا وصال أحمد من عدم معرفتهم بكيفية تدريس الطلاب، هل بالمنهج القديم، أم الجديد. وشكت من عدم توفر الإجلاس بالمدرسة، بجانب عدم توفر معلمة إنجليزي وتقول إن الموجودة واحدة فقط، أما الكتب فإن الجديدة لم تصل، وحتى التي وصلت فهي كتاب القرآن الكريم للصف السادس، بجانب بعض كتب الصف السادس. وتقول حتى الآن لا يوجد شيء واضح بالنسبة للمناهج.. وفي جانب الاحترازات الصحية فهي غير مطبقة فلا توجد كمامات أو مطهرات، كما يصعب تقسيم الطلاب بسبب عدم توفر الإجلاس والمعلمين.
وترى أن نظام الدوامَيْن مرهق جدا للمعلمين، واقترحت تغيير الدوام إلى ليكون يوماً بعد يوم أو لمدة أسبوع للفصول الصغرى، والأسبوع الآخر للفصول الأخرى، وتشير إلى أن نظام الدوامين أحدث ربكة.
وتقول إن الدوام الثاني غير مفيد للطلاب، ويسبب التكاسل، وتوقعت أن يحدث نظام الدوام الثاني تسرب وسط الطلاب.
تعثر العام
الاختصاصية النفسية مها مبارك ترى ضرورة تغيير نظام الدوامَيْن، وتقول إن هناك مواد لا ينفع أن تدرس في الفترة المسائية، على سبيل المثال مادة الرياضيات ترى أن الطلاب كانوا لأحد عشر شهراً ليس لديهم عمل سوى متابعة التلفاز، لذلك فإن الأمر يحتاج إلى تعامل خاص، ولم تستبعد وجود تعثر في بداية العام الجديد.
هجرة عكسية
ومن داخل مدرسة عوض دكام لاحظنا أمهات بصحبة أطفالهن وأخريات يحملن أوراق نقل لأطفالهن من المدارس الخاصة للحكومية فاستفسرنا إحداهن فقالت إن الرسوم العالية هي أبرز الأسباب بجانب تكلفة الترحيل. وأضافت: “نحاول إلحاقهم بالمدرسة حاليا. ولكن قيل لنا أن المدرسة اكتملت”.
نقص المعلمين
وكيلة مدرسة عوض دكام الأستاذة ميمونة عبد الله أيضاً شكت من عدم وصول الكتاب المدرسي سواء كان من المنهج القديم أو الجديد، وقالت إن القديم لا يكفي الطلاب، بجانب إشكالية الإجلاس، والنقص الحاد في المعلمين، مشيرة إلى فقدانهم (8) معلمين بسبب نقل بعضهم، وإحالة بعضهم للمعاش، بجانب تعيين أحدهم موجهاً تربوياً. وقالت: “على الرغم من أننا رفعنا مطالبة لوزارة التربية للمعالجة ولكن دون أية استجابة”، ولفتت لحاجة المكاتب للصيانة.
وقالت إن نظام الدوامَين يخلق فوضى بالشوارع ويجعل الأطفال يذهبون لـ(الدكاكين) أثناء اليوم دون وجود رقابة خاصة من الأهل.
وأشارت إلى وجود حالات تحويل كثيرة من المدارس الخاصة للحكومية، مضيفة أنهم قبلوا الحد الأدنى من الطلاب التي تتيح لهم توفير الإجلاس. وأضافت: “أما بخصوص المنهج فعبر الواتساب وضحنا أن هناك أشياء حذفت حتى الفصل الخامس اما سادس فلا أعلم ما هي رؤيتهم لها”. وتابعت: “أما الاحتياجات الأساسية للمعلمين من طباشير وكهرباء ومياه فنحلها عبر مساهمات من بعض أولياء الأمور”.
ولاولياء الأمور كلمة
وفي السياق ارتفعت أصوات أولياء الأمور التقتهم (مدنية نيوز) احتجاجاً على أمر الترحيل مشيرين إلى وجود إشكاليات عدة في هذا الجانب، قاطعين بصعوبة أن يتم ترحيل أبنائهم في المراحل الأولية ومن ثم ترحيل الآخرين وحدهم، بجانب الشكاوى من ترك بعض الأطفال الذين يدرسون في الحلقة الثانية بالمنزل، أو ترك ذوي الحلقة الأولى بالمنزل عندما يأتي الأكبر سنا منه للمدرسة.
إشكاليات الترحيل
وبما أن الترحيل يعتبر أحد مهددات العملية التعليمية، فقد استمعت (مدنية نيوز) لصاحب عربة يعمل ترحيل في إحدى المدارس الخاصة وقد أوضح بدوره أن تراحيلهم تتفاوت أسعارها سنويا مابين الـ(90) و(80) و(100 (ألف جنيه، فكلما زادت المسافة زاد سعر الترحيل، مشيرا إلى أن هناك تراحيل يفوق سعرها الـ(100) ألف جنيه، وقال: “حتى الآن لم نجلس مع إدارة المدرسة، لتحديد سعر”، وأضاف أن “معظم المدارس تعمل بدوام عادي، وأخرى تعمل أسبوعاً كاملاً، أو يوماً بعد يوم، إذا عملنا بنظام الحكومة (الدوامين) فإن المبالغ ستزيد”.
وفي الجانب الآخر فقد ساهمت بصات ولاية الخرطوم من قبل ترحيل طلاب الشهادة السودانية مجاناً مساهمة منها في حل ضائقة المواصلات إبان الأزمة المستفحلة للوقود، وما زالت تعمل خاصة في المسافات الطويلة وفق تعرفة ثابتة غير أن مديرها العام كان قد أعلن خلال الأيام الماضية عن خروج عدد كبير عن الخدمة.
تطمينات
الجولة التي قامت بها (مدنية نيوز) بعدد من المدارس وضعت العديد من الاستفاهمات خاصة بعد الوقوف على الإشكاليات التي واجهت المدارس في يوميها الأولين، فكان لا بد من الاستماع إلى إحدى الجهات المختصة. جلسنا مع المدير الإداري بالإدارة العامة للشؤون التعليمية بمحلية بحري الأستاذة إقبال نور الجليل والتي أقرت بوجود إشكالية مجتمعية بالنسبة للطلاب الذين يصلون المدارس عبر الترحيل، خاصة وأن أغلب الطلاب يدرسون في مدارس ليست في نفس الحي الذي يقطنون فيه، واعتبرت أن نظام الدوامَيْن يمثل عبئاً على الأسر.
وأرجعت إقبال حدوث ربكة في بعض المدارس لعدم التزام إدارتها بتجهيز الفصول قبل استئناف العام الدراسي، مشيرة إلى أن المدارس بها عدد قليل من الطلاب واستطاعت أن تطبق التباعد الاجتماعي، مشيرة إلى أن الكمامات التي وصلت حالياً للفصول الصغرى غير كافية، غير أنها طمأنت بأنها ستأتي بالتدريج، مشيرة إلى وجود مدارس أكدت حاجتها للكمامات.
وأكدت أن كتب منهج الصف الأول والسادس تم توزيعه بنسبة (١٠٠٪) لكل القطاعات وخلال اليوم يفترض أن تستلم المدارس. وأضافت: “أما بقية الفصول فسوف تعمل وفق المقرر القديم وسوف تصلنا نشرة بالحذف لبعض المقررات غير أنها لم تصل بعد”.
واعتبرت نظام الدوامَيْن عبئاً على المعلم، وسيضاعف له عدد الحصص، مقرة في ذات الوقت بوجود نقص حاد في معلمين الانجليزيي والرياضيات، ولا توجد أي تعيينات جديدة.
مشيرة إلى مساعي إدارتها لتعيين معلمين خاصة للغة الإنجليزية والعربية. وقالت إن هناك نزوحاً كبيراً من المدارس الخاصة للحكومية بسبب ارتفاع الرسوم، وكشفت عن وضع احتياطي لهؤلاء الطلاب بنسبة (20%) في جانب الإجلاس والكتب.
وفضلت إقبال أن تؤول إدارة مرحلة الأساس للوزارة مباشرة حتى تستطيع أن تفي بمطلباتها، مشيرة لضعف خدمات المحليات وتماطلها.