السلام السوداني.. فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة
تقرير: هانم آدم
قال عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد حسن التعايشي، إنه لأول مرة وبعد ستين عاماً يتم تشكيل حكومة تشمل التيار الوطني المدني والمسلح، مبينا أنه على الرغم من أن المسلح لا يمثل الكل وكذلك المدني ولكنها أكثر حكومة بها تمثيل عريض وعادل، من ناحية سياسية واجتماعية، عكس حكومات الديمقراطيات السابقة، واعتبر ذلك ميزة وفرتها اتفاقية السلام والتي عالجت واحدة من أهم مضاعفات النظام الديمقراطي في السودان. وقال: (تننا أقرب لمعالجة الدولة السياسية في السودان غير أننا نحتاج لإستكمال عملية السلام، والمضي في بناء الإستراتيجيات بوجود حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور. وأضاف: (إذا اكملنا ذلك نكون قد وفرنا فرصة تاريخية للأجيال التي صنعت ثورة ديسمبر المجيدة، ومنها نستمر في بناء دولة مدنية ديمقراطية تمارس الحقوق على أساس الحكم المدني).
وقطع التعايشي لدى مخاطبته تدشين منظمة ريناس للسلام والتنمية، مشروع التعريف باتفاق جوبا للسلام بين حكومة الفترة الإنتقالية وأطراف السلام، بعدم المقدرة على تحقيق السلام الا اذا توفرت الشجاعة الكافية لسداد استحقاقاته. واعتبر المحاصصة فكرة استعلائية وفيها تخوين وتجريم، وتابع: (لو لم نتخذ القرارات الصعبة ما كان سيكون هناك حكومة عريضة).
الحكم الفيدرالي
واعلن التعايشي عن إصدار مرسوم سيادي خلال اربع عشر يوما بعودة السودان لنظام الحكم الفيدرالي عبر مؤتمر سيحدد مستويات الحكم في البلاد قبل نهاية أبريل القادم، ويتم تنفيذ مقررته فى شهر مايو القادم، وقال ان نظام الحكم سيمنح سلطات فعلية للمجتمعات المحلية، مشيرا إلى أن اتفاقية جوبا وفرت فرصة لنظام عادل، وكشف عن إصلاح المؤسسة العسكرية واعتبرها جزء من عدم الاستقرار السياسي في السودان، مبينا استعانة الأحزاب السياسية التي لم تكن تؤمن بالديمقراطية بالمؤسسة العسكرية لتنفيذ الانقلابات العسكرية في السودان، واعتبرها سببا في عدم الإستقرار السياسي، وقطع بعدم مقدرة اي مجتمعات لبناء نظام ديمقراطي مستدام الا اذا تم بناء مؤسسة عسكرية تخدم القرار المدني في الدولة.
ونبه لوجود اختلالات جوهرية في المنظومات العسكرية في السودان، لافتا لوجود أكثر من مؤسسة عسكرية، منبها إلى أن تطاول أمد الصراع المسلح والحرب الأهلية الطويلة خلقت واقع أمني عسكري مشوه، وامتدح اتفاقية جوبا لإقرارها دمج جميع الجيوش في قوى عسكرية واحدة تخدم قضايا الدستور وتحمي الدولة والشعب، كما أنها وضعت أسس قوية تصلح لسياسات توقف التدهور البيئي، وتخلق فرص للتنمية المستدامة. غير انه أكد بأنه دون أن تحظى الإتفاقية بتايد من أصحاب المصلحة تصبح مجرد اتفاقية على ورق. وشدد على ضرورة إنشاء قوة عسكرية مدربة، وقانون صارم لأجل تنمية الحياة البرية. ونبه للحوجة لتبني مشروع تدريب مدربين يمثلون كل المستفيدين من اتفاقية السلام، لشرح بنودها للمجتمعات المحلية.
وقال التعايشي ان ٨٠٪ من النقد الموجه لاتفاقية سلام جوبا ناتج عن عدم الإلمام بها، ولفت لوجود مستفيدين يسعون لتشويه الاتفاقية. ودعا لبناء شراكات منتجة تسهم في تغيير المجتمعات المحلية، وتبني حوار مباشر معاهم حتى تكون شريك أساسي في الاتفاقية، وأضاف ان الاتفاقية وفرت فرص غير مسبوقة في تاريخ السودان لإعادة تعريف الدولة السودانية.
سوء الاوضاع
فيما اشار ممثل الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال محمد صالح في اضاءات حول اتفاق المنطقتين، الى سوء الاوضاع بمناطق غرب وجنوب كردفان والتدهور الكبير للبنى التحتية، داعيا لبذل مزيد من الجهود والعمل بإخلاص لإزالة الفوارق التنموية، لافتاً إلى نسبة 80% من سكان جنوب كردفان فقراء و20% يعيشون فوق حد الفقر، وأكد أن السلام فرصة ذهبية لمعالجة التهميش والفوارق التنموية بالبلاد.
وشدد صالح على ضرورة وضع حد لتوجيه الدولة في الاتجاه الصحيح من خلال اتباع العدالة الإنتقالية والمساواة، وأضاف انه في ظرف أربعين شهرا من توقيع اتفاق جوبا سيتم توحيد الجيش السوداني ليكون جيشاً قومياً بعد عمليات إعادة ودمج الجيش الشعبى.
المنهجية المطلوبة
وفي ذات المنحى أكد كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة أحمد تقد لسان، خلو اتفاق السلام من اي منهجية محددة لمعالجة المشاكل والتحديات التي تعرقل العملية، مشيرا الى ان العامل النفسي هو العامل الاساسي في رسم المنهجية المطلوبة، ومن شأنه ازالة الجليد بين الأطراف الموقعة.
وقال تقد ان المنهجية التفاوضية والمسارات التي اتبعتها المفاوضات اتخذت عدة مسارات حول القضايا محل الخلاف، وأردف: (رأينا أن لا نراهن كثيرا على المنظومة الدولية)، معتبرا ان الحضور الكثيف للمنظمات الدولية في الاتفاقيات السابقة أدى الى اجهاضها، وأضاف: (قررنا تحييد الحضور الإقليمي في مفاوضات جوبا للسلام)، منوها الى انهم لم يكونوا مؤثرين وفاعلين الا في الايام الاخيرة، وتابع: (انتهجنا في مفاوضات جوبا الخروج من الغرف المغلقة الى البيوت).
اللحظة الفارغة
فيما وصف د. شمس الدين ضو البيت اتفاق جوبا باللحظة الفارقة في تاريخ السودان، وأفضل اتفاق وقع في السودان، لافتا إلى أن الاتفاق لم يتح للمنتقدين اضافة انتقادات ذات طابع سياسي، وأن المفاوضين كانوا يهدفون لتحقيق السلام الشامل في السودان، واعتبر الوثيقة حققت كيفية التوصل إلى هذه الغاية، وقال ان المنتقدين للاتفاق قرأوه بعين السخط لأسباب تخصهم، لافتا إلى أن الاتفاق حقق انتقالات غير مسبوقة من الدكتاتورية إلى الديمقراطية وكرس للانتقال من الحرب إلى السلام، بجانب الشمول في مناقشة القضايا والانتقال من الهوية الاحادية إلى الشمولية، فضلا عن أنه حوى على إنشاء مفوضية قومية لقطاع الرعاة والمزارعين، والتنمية في الريف، وحقق الاتتقال من السلفية إلى الحداثة، واشتمل على الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة.
إشراك الجميع
وفي ذات المنحى قطع رئيس مفوضية السلام سليمان الدبيلو بصعوبة تحقيق سلام مالم يشرك فيه جميع أهل السودان، وأقر بوجود تأخير غير أنه أشار لوجود ظروف لهذا التأخير وبشر بأن الأسبوع القادم سيشهد انطلاقة الورش الخاصة باتفاقية السلام، وقال ان هناك مساع لاستكمال هيكلة المفوضية وعقب ذلك سيتم وضع استراتيجية ينتج عنها مشروعات وخطط، ويمكن أن تقدم للمجتمع الدولي لاستقطاب الدعم، وتابع: (لا يمكن بناء تنفيذ السلام على توقعات الأصدقاء بل يجب أن يؤسس على قدرات البلد نفسها).
القضايا القومية
وأقر وكيل وزارة الحكم المحلي د. حسان نصر الله بوجود تحديات تواجه الاتفاق ابرزها انضمام عبد العزيزالحلو وعبد الواحد محمد نور لطاولة التفاوض، وغياب آليات التنفيذ، وقضية فصل الدين عن الدولة في القضايا القومية، بجانب تحدي التمويل، وقال ان من الاستراتيجيات في عملية السلام تقسيم القضايا إلى مسارات، وهناك قضايا قومية لكنها كانت جزء من قضايا المسارات، مشيرا لمحاولتهم معالجتها دون انتقاصها في أي مسار، وكشف أن الايام القادمة ستشهد الإعلان عن إنشاء الآليات الخاصة بمراقبة اتفاق الشرق ودارفور والمنطقتين.
واعترف حسان بوجود خلل في الخدمة المدنية، وقال: (ناقشنا هذه القضية في الاتفاق فالتمثيل والمحاصصة ضرورة لإدارة التنوع)، مبينا أن الاتفاقية حرصت على تمثيل أطراف العملية السلمية في كل مؤسسات الدولة، مشيرا إلى أن عملية سياسيات التعليم كانت سبب في ضعف التوظيف، وزاد: (راعينا هذه القضايا الأساسية). واكد حسان عزمهم للرجوع لنظام الأقاليم وإعلان السودان دولة فيدرالية تحكم بواسطة الأقاليم.
سوء إدارة التنوع
وفي ذات المنحى قدم عضو وفد التفاوض إبراهيم زريبة تلخيصا لمسار دارفور في الاتفاق، وأشار إلى أن قضية دارفور سياسية نابعة من سوء إدارة التنوع، ولها أبعاد اجتماعية، وأدت لنشوء الحرب، واستعرض ملف النازحين، وقال انه معني بالعودة الطوعية وليس قسرية ومن لم يرغب، لابد من اعاة توطينه، ويتم تعويضه بشكل عادل. وأكد أن العودة الطوعية لها اشتراطات، منها تهئية مناطق العودة بالخدمات، الحماية وسلامة العائدين وقال: (اتفقنا على إنشاء قوة مشتركة لمل الفراغ الذي تركته اليونميد قوامها (١٢) الف جندي)، وتابع: (نرى أنه بسيط يمكن أن يرتفع ل٢٠ او٢٥ الف جندي) مؤكدا أن التفاوض مازال مستمرا مع الحكومة.