السبت, أغسطس 2, 2025
تقاريرسياسة

الطفولة تحت النار.. وجع الصغار في ظل الصراع المنسي

تقرير: حسين سعد

لم تعد الطفولة مرادفًا للبراءة واللعب، في السودان بل صارت عنوانًا للحزن والخذلان، أطفال بوجوه شاحبة وعيون تسبق أعمارهم، يكبرون في الظل وتحت أصوات القصف، يلهون بين الأنقاض، ويبحثون عن الماء والدواء بدلًا من الحلوى والدفاتر، في ظل حرب لا ترحم، تدفع أجساد الصغار الثمن الأكبر، تتفشى الأمراض وسط غياب اللقاحات والرعاية، وتنهار المنظومة الصحية كما تنهار منازلهم على رؤوسهم. الحمى، وسوء التغذية، والإسهالات الحادة، والملاريا، والكوليرا، تحاصرهم من كل جانب، بينما المستشفيات مغلقة أو مدمرة، والأدوية نادرة، والمساعدات تُعاق أمام البنادق، هذا التقرير ينقل صورًا موجعة من عمق المأساة، حيث يصارع الأطفال المرض وحدهم، وتكتفي الأمهات بالدعاء وقطع القماش المبللة لتخفيض الحرارة، واللجوء للاعشاب والقرض للعلاج ، نرصد الحكايات الصغيرة المؤلمة، ووجع العائلات التي تخسر أبناءها بصمت، وواقعًا إنسانيًا متصدعًا يحتاج إلى ضمير العالم قبل أي دعم، في قلب السودان المنكوب، لا تكبر الأحلام، بل يتسابق المرض والموت على الأجساد النحيلة… فهل من يسمع أنين الطفولة المذبوحة؟

أجساد صغيرة في مهبّ الحرب

في القرى النائية وأحياء وأحياء الخرطوم التي نزح منها الآلاف، تغيب الرعاية الصحية وتغيب الدولة، ويبقى الطفل السوداني وحيدًا في معركة غير متكافئة مع المرض والجوع والخوف، بعضهم لم يتجاوز عامه الأول، ووجنتاه الغائرتان تقولان كل شيء: لا حليب، لا دواء، لا أمل، أطباء قليلون يعملون في ظروف قاسية، ومراكز صحية متهالكة تحولت إلى ملاذ للأنين. لا مولدات كهرباء، لا ثلاجات لحفظ اللقاحات، والمحاليل الوريدية نادرة، بينما يستشري الجفاف في أجساد الرضع مثل لهيب الصحراء، الكوليرا تنهش القرى بلا تدخل، والملاريا تحصد الأرواح في الخيام، وسوء التغذية يُحوِّل الأطفال إلى أشباحٍ تتنفس بالكاد، الحرب لم تقتلهم بالقذائف فقط، بل قتلت كل ما يُبقيهم أحياء، فصلت الأمهات عن مستشفيات الولادة، قطعت سبل الوصول إلى الطعام، أغلقت المدارس، وحولت اللعب إلى لهاثٍ تحت وطأة النزوح والخوف، بعض الأطفال فقدوا ذويهم، وبعضهم فقدوا أسماءهم، وتحولوا إلى أرقام في دفاتر المنظمات. ليسوا مجرد ضحايا، بل شهود صامتون على جريمة جماعية في حق الطفولة، فهل سيبقى العالم يتفرج؟ متى تتحول دموع الأمهات إلى صرخة ضمير؟ ومتى يُسمح لأطفال السودان أن يمرضوا دون أن يُتركوا للموت وحدهم؟

أطفال بين المرض والجوع

في معسكرات النزوح المكتظة، حيث تُقاس الحياة بالقليل من التنفس والماء، يتكدس الأطفال على الأرض بلا أغطية، يحاصرهم الذباب وتنهشهم الحمى، بينما الأمهات يراقبنهم بقلوب منكسرة، عاجزات عن تقديم شيء سوى الحنان، هناك، لا توجد ألعاب، بل حُقن فارغة، لا توجد قصص قبل النوم، بل نوبات بكاء من الألم والجوع، المنظمات الإنسانية، رغم محاولاتها، لا تستطيع سد فجوة الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب. فالمعابر مغلقة، والمساعدات تُنهب أو تُمنع من الدخول، والمرافق الطبية القليلة التي ما زالت تعمل تُغلق أبوابها في وجوه المرضى بسبب انعدام الوقود أو انقطاع الإمدادات، الأطباء، أولئك الجنود المجهولون، يواجهون خيارًا مريرًا كل يوم: أي طفل سينقذونه، وأيهم سيُترك للموت؟! هذا العبء الأخلاقي الثقيل يحمله طاقم طبي شجاع، يعمل أحيانًا دون رواتب، ويفترش الأرض بجانب مرضاه، يُجري العمليات في العتمة، ويخيط الجروح بخيوط مهترئة.

مرضى صغار يبحثون عن دواء في وطن محترق

وتجسد حكاية المواطنة ميساء علي أم لاربعة أطفال التي تحدثت لمدنية نيوز من الخرطوم إنها أسرعت بطفلتها ذات السبعة أعوام لتلقي العلاج في مستشفي بشائر لاصابتها بالحمي والصداع الحاد لكنها، وأنفساها مكتومة ونَفَس متقطع، بينما تحاول هي أن تبدو قوية، تكتم ذعرها وتهمس له بكلمات طمأنينة لا تسمعها سوى القلوب وتقول أنها وصلت للمستشفي وبعد طول إنتظار تمت الفحوصات لكنها لم تجد العلاج. في قلب الوجع السوداني الممتد، كانت هناك أمٌ أخرى وهي المواطنة فاطمة جابر من ولاية الجزيرة في حديثها مع مدنية نيوز أنها ظلت تطوف بطفلها لتلقي العلاج في مستشفيات الكاملين والحصاحيصا ومدني ، وعقب الفحوصات وجدت العلاج من بورتسودان وعطبرة حيث تم إرساله لها بعد أكثر من إسبوع.

الطفولة تحترق ببطء:

وفي جهتها أكدت الدكتورة أديبة إبراهيم السيد أخصائية الباطنيه والأوبئيه، وعضو اللجنه التمهيديه لنقابة أطباء السودان تعرض (150) طفل بالبلاد لحالة إغتصاب وتحرش جنسي لاطفال أعمارهم مابين (5 إلي 16) سنة ، غالبيتهم فتيات في أعمار مختلفة ولفتت الي وجود حالات ولادة لطفلات مغتسبات بمستشفيات النو وشندي والقضارف تم التخلي عنهم وأصبحوا مجهولي الهوية، ونبهت السيد الي إنتشار حالات واسعة للنزيف الحاد ادي لوفاة غالبية الاطفال وتمزق أغشية المهبل وجروح غايرة في عنق الرحم والتبول غير الارادي بسبب الإغتصاب ، ووجود حالات إغماء بسبب الجروح المصاحبة لعملية الاغتصاب وتورم الخصي والنزيف للذكور، وقالت إن علاج حالات الاغتصاب يحتاج الي لبرتكول علاجي للحماية من الامراض المنقولة جنسياً وكذلك الحمل، وناشدت المنظمات الانسانية العالمية بتقديم المساعدات لهذه الوضع الذي وصفته بالكارثي ، مؤكدة إنتشار لامراض الملاريا والسل والكوليرا التي حصدت أكثر من (250) ألف وحمي الضنك الي راح ضحيتها أكثر من (166) ألف.

أطفال بلا دواء

وقالت أديبة في حديثها مع مدنية نيوز يعاني أكثر من (523) ألف طفل من سوء التغذية منهم (117) ألف طفل رضيع حديثي الولادة مات بسبب سوء التغذية والأمراض المعدية جراء التكدس وقلة الغذاء، وعدم وجود الرعاية الصحية الجيدة وقلة الأدوية وعدم وجود ممرات أمنة وقلة الكوادر الصحية ، وأوضحت السيد أنه لعدم وجود تطعيم للأطفال إنتشرت كل الأمراض التي تصيب الاطفال مثل الحصبة التي أصابت (457) الف طفل والبرجم (262) ألف طفل وشلل الأطفال (64) ألف طفل مات وكذلك مرض السعال الديكي (89) ألف طفل وأشارت الي موت طفل او أثنين كل ساعة في معسكرات النزوح وبعض مراكز الايواء البعيدة عن المشافي ، وقالت أديبة هنالك أكثر من (680) الف إمراة حامل بينما تسبب الحصار علي جنوب كردفان في معاناة (15) ألف طفل أعمارهم ما بين (10الي 16) سنة يعانون من مرض السل بسبب ضعف المناعة وسوء التغذية وعدم وجود رعاية صحية أولية وعدم وجود تحصين.

أطفال السودان يُتركون فريسة للمرض والنسيان

وكان شيلدون ييت، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، قد قال إن الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023 في السودان، أجبرت أطفالا على النزوح مع أسرهم 3 مرات بسبب التوسع المستمر في رقعة القتال، وحرمت أكثر من 17 مليون طفل من الالتحاق بالمدارس ، بينما حذرت اليونيسف من أن أكثر من 3.7 ملايين طفل يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد، قالت منظمة (أطباء بلا حدود) إن واحدا من كل 6 أشخاص تلقوا علاجا في إحدى مستشفياتها بالعاصمة الخرطوم من إصابات بنيران القتال، كانوا من الأطفال، وبحسب فرجينيا جامبا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة، فإن العنف الممارس ضد الأطفال في السودان وصل إلى مستويات مرعبة، وأوضحت: أنا مرعوبة من مستوى العنف الذي يؤثر على الأطفال، والتدمير الواسع النطاق للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المدارس والمرافق الطبية، والافتقار إلى الجهود الفعالة من جانب أطراف الصراع لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المعانين، بما في ذلك الأطفال.

الخاتمة:

في السودان اليوم، لم تعد الأمومة حكاية حنان، بل درب شاق من الصبر والمقاومة في وجه الغياب الكامل للدولة، والطب، والرحمة، وفي ظل هذا الألم العظيم، لا نملك ترف الصمت ولا عذر التخاذل، فهؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقام في تقارير إغاثية، بل وجوه حقيقية، وأسماء تنتظر أن تُنادى، وقلوب صغيرة تستحق أن تنبض في أمان، إن إنقاذ الطفولة في السودان لا يبدأ فقط بإرسال الغذاء والدواء، بل بالاعتراف العميق بأن الحرب تقتل ما هو أعمق من الجسد: تقتل البراءة، وتغتال الأحلام، وتسرق من الأمهات فلذات أكبادهن، فلنرفع الصوت عاليًا من أجل من لا يملكون صوتًا، ولنحمل معًا هذا الوجع الإنساني في ضمائرنا، لا كخبر عابر، بل كقضية حياة أو موت، لعلّ ضوءًا صغيرًا يخرج من هذا الظلام، ولعلّ طفلًا واحدًا يُشفى، يبتسم، ويخبرنا ذات يوم أن العالم لم ينسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *