(مدنية نيوز) تحاور (ماما راشيل).. امرأة تبعث آمال السلام في عز مآسي الحروب
النيل الأزرق – حوار: هويدا من الله
تزخر ولاية النيل الأزرق بالعديد من الشخصيات التي أسهمت ووضعت بصمتهما في الحياة العامة من خلال مبادراتها الخلاقة في خدمة المجتمع، ومن ضمن هذه الشخصيات التي قدمت الكثير (ماما راشيل)، صاحبة الجهود المقدرة في تعزيز السلام الاجتماعي وتقوية النسيج للمجتمعات المحلية، حيث استقبلتنا في مكتبها المتواضع بكل بشاشة لتحكي لنا قصص الكفاح والنجاح ولتؤكد أن النساء قادرات على العطاء أينما وكيفما كنّ، فالعطاء لا ينحصر على حملة الشهادات الأكاديمية العليا وحدهم.
وحكت (ماما راشيل) لـ (مدنية نيوز) عن التعدد والتنوع في منطقة (شالي الفيل) وآلام الحرب وآثارها القاسية ومواجهة تقلبات الحياة والتكاتف من أجل الحفاظ على أمل العيش الكريم، في هذه المساحة غصنا مع (ماما راشيل) في تفاصيل تلك الذكريات فإلى مجريات الحوار:
بدءاً دعينا نتعرف عليك فمن أنت؟
راشيل بول راشا أنقو، ابنة القسيس (بول راشا) من منطقة (شالي الفيل) التي تتبع لمحلية الكرمك، اسم الشهرة (ماما راشيل).
حدثينا عن شالي الفيل، ومن أين جاء هذا الاسم؟
قرية (شالي) توجد بها العديد من القبائل أشهرها قبيلة (الأدوك) وهي ذات تقاليد وعادات، وأغلبية منسوبيها يدينون بالمسيحية، وبالقرية عدد (6) كنائس و( 6) (مشايخ) وعمدة واحد وهو العمدة الطالب الفيل، وسميت قرية (شالي) رئاسة القبيلة باسمه (شالي الفيل).
من أين جاء اسم (ماما راشيل)؟
بعد حرب عام 1986م التي نزح فيها مواطنو الكرمك وقيسان، سكنّا بمعسكر للجيش في أطراف (شالي الفيل) وفي الحرب يذهب كل شخص لاتجاه فيضيع الأطفال وسط أصوات الرصاص، والتقيت بالمعسكر بعدد من الأطفال الذين فقدوا ذويهم أثناء الحرب، فما كان عليّ إلا أن قمت برعايتهم، وعندما قررنا الذهاب إلى الدمازين لم أستطع تركهم لوحدهم هناك، خاصة وأنني أعرف أسرهم ولكنني لم أستطع معرفة وجهة الأسر، فأحضرت الأطفال معي إلى الدمازين فأصبحوا ينادونني جميعاً بـ (ماما راشيل).
كم كان عدد الأطفال الذين فقدوا ذويهم، إضافة إلى اطفالك؟
عددهم (6)، (3) بنات و(3) أولاد، وأطفالي (8).
أين سكنت بالدمازين؟، وماذا كنت تفعلين؟، ومن كان يساعدك في تلبية احتياجات الأطفال؟
سكنت في حي اسمه (الشاطئ- فرنجقوقة)، فكنت أقوم بزراعة الفول السوداني وقطع الحطب وبيعه، ولديّ خبرة في المشغولات اليدوية (السعف أو السكسك)، فكنت أقوم بعمل (الأساور والسلاسل والطواقي والشرابات) وبيعها لتلبية احتياجات الأطفال بمساعدة والدي الذي كان يعمل في الخرطوم وكان يرسل مبلغاً شهرياً للأطفال دون فرز، أيضاً نساء الحي لم يقصرن في إحضار ما يفيض عن حاجتهن من وجبات للأطفال، وعندما أصبح الأطفال في سن المدارس قمت بتسجيلهم بمدارس حي الشاطئ، فكان أخي الأكبر يقوم بتجهيز مستلزمات جميع الأطفال المدرسية بعد وفاة والدي.
هل عاد الأطفال إلى ذويهم أم أنهم يعيشون معك حتى الوقت الراهن؟
بعد اتفاقية السلام الموقعة في العام (2005م) لم يكن من السهل فتح الطرق لعودة النازحين إلى (شالي الفيل)، خاصة للذين كانوا بمدينة الدمازين، لذلك عادوا إلى أسرهم في العام 2010م بعد أن قمت بتزويج الفتيات الثلاث، أما الشباب فجميعهم التحقوا بالجيش وهم يعملون حالياً في الخرطوم.
وماذا فعلتِ بعد عودة الفتيات وانشغال الأولاد؟
عندما استقررتُ بحي الشاطئ كان بيتي وجهة معظم النساء إما لتقديم المساعدة للأطفال في الحي أو طلب المساعدة لأطفالهن، لذلك بعد أن تزوجت بناتي الثلاث وعقب عودتهن إلى (شالي) فكرت في عمل جمعية خيرية لمساعدة النساء باسم (شالي الفيل) لأن معظم النازحات من (شالي) وهن استقررن معي في حي (فرنجقوقة) ولأنهن أيضاً فقدون أزواجهن بسبب الحرب.
ما نوع النشاط الذي كانت تقوم به الجمعية لمساعدة النساء؟
كنا نقوم بجمع اشتراك شهري بقيمة (2000) جنيه وصرفه في حالة المرض أو الموت وأحياناً الأعراس (حسب الحوجة)، وتطورت الجمعية وتوسعت جداً في فترة عام وسمع بها الكثيرون وقدموا لي مقترحاً بأن أقوم بتسجيلها حتى تحصل على الدعم من المنظمات.
متى قمتِ بتسجيل الجمعية؟
سجلتها في العام 2015م في الرعاية الاجتماعية بمساعدة الكثيرين الذين كانوا وما زالوا يقدمون الدعم لجمعية (شالي الفيل)، وكذلك قمت باستئجار مكتب بحي الربيع لتباشر الجمعية عملها بصورة رسمية.
كيف تطور عمل الجمعية بعد التسجيل؟
قبل التسجيل كنتُ أقوم بتعليم النساء على المصنوعات اليدوية حسب خبرتي داخل الحي، لذلك فكرت في تطوير العمل وتدريب أكبر عدد من النساء على هذه الحرفة لأنها كانت وما زالت ذات عائد مادي وتستطيع من تملك مهارة هذا العمل أن تحسن من وضعها وبذلك يتحسن وضع النساء اقتصادياً.
هل كان عمل الجمعية مقتصراً على المصنوعات اليدوية فقط؟
لا، بل تطورت الفكرة في التدريب على الخياطة وصناعة العطور وصابون السائل والشنط والمطابق.
ولكن ماذا عن التسويق تلك المنتجات؟
نحن نقوم بعمل المعارض لتسويق منتجاتنا، حتى أننا شاركنا في معرض الخرطوم الدولي عدة مرات، والحمدلله لدينا مركز تنمية المجتمع بحي الشاطئ الذي أنشأته منظمة اليونسيف ونحن نستخدمه حالياً كمعرض دائم وقاعة لعمل الدورات التدريبية، وكذلك فيه فصل لمحو الأمية ولكل الأعمال التي تخص النساء بالحي.
هل التدريب يتم فقط لنساء حي الشاطئ؟
البداية كانت من حي الشاطئ فقط، ولكن في الوقت الحالي أصبحت الجمعية تقوم بتدريب النساء في مختلف مناطق وأحياء ولاية النيل الأزرق.
ماذا عن جمع الاشتراكات الشهرية، هل توقف بعد التطور الذي حدث للجمعية؟
بالعكس، توسعت الجمعية أكثر فأكثر، حيث قمنا بتقسيمها إلى (3) مجموعات لكبر حجمها، وهي (المساعدة الذاتية، المحبة، والسلام) وأصبح الاشتراك أسبوعياً بقيمة (200) جنيه للمستطيعات.
هل لديك اهتمات أخرى؟
نعم، لديّ فرقة شعبية مكونة من (10) نساء و(3) رجال نغني غناء التراث (الأودك والبرتا).
متى تم إنشاء هذه الفرقة؟
في العام 2010م.
هل لدى الفرقة أعمالً خاصة؟
نعم، لدينا أعمال كثيرة قمتُ أنا بتأليفها أشهرها أغنية بلغة (الأدوك) عن المشورة الشعبية تقول فيما معناها (نحن دايرين المشورة الشعبية عشان بلدنا فيهو خير كتير وعايزين التنمية لي بلدنا).
أيضاً قدمنا أغنية للسلام بلغة البرتا (نحن دايرين سلام عشان ما نشتري عيش بالكيلة دايرين نزرع أراضينا وأولادنا يتعلموا ويبقوا دكاترة)، ولقد سجلنا العديد من الأغنيات في إذاعة وتلفزيون الولاية.
وبالإضافة إلى ذلك لدينا شراكات واسعة مع راديو المجتمع في بث الرسائل باللغات المحلية.
كلمة أخيرة، ماذا تريدي أن تقولي فيها؟
أغنيات التراث تساعد كثيراً في نشر السلام بين المجتمعات، لذلك أدعو أن تكثر الفرق الشعبية وتقدم أعمالها باللغات المحلية لتساعد في نشر المحبة بين الناس.
وأقول كذلك إن العمل الطوعي عمل إنساني خالص يجسد معاني التكافل والشعور بالآخرين، لذلك أتمنى وأدعو كل من يستطيع تقديم المساعدة لغيره أن يفعل ذلك دون تردد.
وختاماً أقول: (المجد لله في الأعالي وبالناس المسرة وعلى الأرض السلام).