الإثنين, أبريل 29, 2024
مقالات

ضبط الأسواق..بما مضى أم لأمر فيه تجديد

بقلم: حيدر المكاشفي

من المتوقع وفقا لما هو معلن رسميا بواسطة وزارة التجارة، أن تكون حملة ضبط ومراقبة الأسواق ووضع أسعار تأشيرية للسلع والزام التجار بوضع ديباجة توضح سعر كل سلعة، قد بدأت فعليا يوم الاثنين الماضي، ونقول من (المتوقع) وليس المؤكد، لأننا لم نلمس حتى بعد مرور أكثر من أربعة وعشرين ساعة على البداية المفترضة للحملة، أي أثر لهذه الحملة ولم نعثر على أي رقيب، ولكن حتى بافتراض أن الحملة بدأت فعليا في الوقت المقرر لبدايتها (والعتب علينا نحن)، فهل هنالك ضمان لاستمراريتها واستدامتها حتى تستقر الأوضاع الاقتصادية التي لا يعلم الا الله متى تستقر، وقبل ذلك ما هي ضمانات نجاحها في بلوغ الهدف الذي أنشئت من أجله لضبط الأسعار ومكافحة الجشع، بل وعلى أي مقياس يتم ضبط الأسعار واستقرارها في ظل التدهور المستمر لقيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية وخاصة الدولار.

صحيح أن الاسواق كما يصفها كثيرون من أبغض الأمكنة الى الله لأنها مظنة العصيان، وموئل الحلف الكاذب، والنجش والتطفيف، ومكان الغش والتدليس، ومظنة الغرر والخداع، فلا غرو وحالها هذا أن تكون الموضع الذي ينصب الشيطان فيه رايته ،ومع كل هذا فلا غنى عن الأسواق ولكنها تحتاج بالفعل الى المراقبة والاصلاح الدائمين، وهذا هو للأسف واقع أسواقنا اليوم، تحتشد بكل ماهو بغيض ومؤذ وتخلو تماما من الضبط والرقابة والاصلاح، بل انها ازدادت سؤا بأن صارت تنفث خبثها وخبائثها بمعدلات مزعجة ومقلقة جدا، حيث لم يعد بمقدور المستهلك أن يدبر حتى ثمن وجبة وحيدة وفقيرة، كما اختلط الخبيث بالطيب من السلع والمواد الغذائية واللحوم الحمراء والبيضاء والأدوية، من كثرة انتشار الفاسد منها في الأسواق التي أضحت مثل الناشز (تسير على حل شعرها) بلا ضابط ولا رقيب، ليس في الغلاء الفاحش للأسعار فحسب، وانما للخطورة البالغة حتى في نوعية السلع والمواد وصلاحيتها للاستهلاك الادمي، لدرجة أصبحت فيها أية سلعة أو مادة غذائية مشكوك فيها الى أن تثبت صلاحيتها، والحكومة هي من يتحمل بالدرجة الأساس كل هذا العبث الحادث في الأسواق، فمنذ أن رفعت يدها من الخدمات الأساسية وغيرها من الضروريات الحياتية الأخرى وانسحبت تماما من هذه المجالات، فانها تركت المواطن نهبا لها، يكابد لهيبها وسعيرها لوحده وظهره مكشوف بلا نصير أو معين، وذلك هو حصاد سياسات التحرير الاقتصادي التي تبذل الحكومة في انفاذها جهدا واضحا، بينما (تلكنها) وتتلكأ في حماية الضعفاء والفقراء من آثارها الكارثية، فقد تركت الحكومة الحبل على جرار الأسواق لتعمل في الناس دهسا وتعيث فسادا، وتغض الطرف ممن يسعون للثراء الحرام باكتناز أقوات الناس وتخزينها والمضاربة فيها.

ليس من أغراضي هنا التخذيل عن ما تنتويه هذه الحملة أو إحباطها، ولكن الأمانة تقتضينا أن نذكرها بالمقولة الحكيمة (كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها)، فقد سبقتها الى هذا السبيل عشرات المحاولات واللجان السابقة دون جدوى، وما تنتويه هذه الحملة ليست هي المحاولة الأولى لضبط الأسعار ومراقبة الأسواق، فقد ظل الناس يسمعون عن مثل هذه الترتيبات والحملات بطريقة راتبة لعشرات المرات من لدن العهد البائد وما قبله والى يوم ثورة ديسمبر هذا، دون أن تترك تلك الترتيبات والحملات الماضية أي أثر يذكر يلمسه المواطنون في الأسعار التي يكتوون بنارها يوميا، بل تظل تتصاعد وكأنما تمد لسانها ساخرة من هذه الترتيبات والحملات، وهذا ما يجعلنا نتساءل بغير براءة، بماذا ستعود هذه الحملة الجديدة بما مضى من أمر الحملات السابقة أم لأمر فيه تجديد.وهذا هو السؤال الذي تحتاج الجهات القائمة بأمر هذه الحملة أن تجيب عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *