حماية الشهود.. خطوة في طريق تحقيق العدالة ومطالب برفع الحصانات وردع الجناة
الخرطوم: أم سلمة العشا
تهديدات يتعرض لها الشهود والناجين عقب الإدلاء بإفاداتهم في الدعاوى الجنائية وأثناء سير إجراءات المحاكمات في قضايا قتلى الحراك في ثورة ديسمبر. ومؤخراً تقدمت السلطات المختصة بخطوة وصفت بالمهمة في تبديد القلق والمخاوف التي تحدث نتيجة تلقي عدد من الشهود للتهديد، وتمثلت تلك الخطوة في إصدار النيابة العامة منشوراً خاصاً بحماية الشهود.
وخلص اجتماع النائب العام مع تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم عند تسلمه المذكرة المطلبية يوم الثلاثاء الماضي، التأكيد التام على توفير كل المعينات اللازمة لحماية الشهود والضحايا والمبلغين والخبراء أثناء الإجراءات التي تنظرها النيابة في الدعاوى الجنائية، كما أن الشهود والناجين من أهم وسائل تضييق الخناق على الفساد وكل الجرائم والانتهاكات، وأن مطلب الحماية يأتي كخطوة في إطار إصلاح المؤسسات العدلية بغرض تحقيق العدالة ونيل القصاص للشهداء.
حملة لحماية الشهود
وقادت لجان المقاومة في السودان حملة لحماية الشهود في المحاكم الجارية بعدد من مدن السودان عقب ثورة ديسمبر بعد تلقي العديد من الشهود تهديدات من عناصر أمنية ونظامية، الأمر الذي أصدرت على إثره رئيسة القضاء نعمات عبد الله منشوراً يحمي الشهود في قضايا القتل التي طالت العشرات برصاص القوات النظامية أثناء الاحتجاجات ضد الرئيس المخلوع عمر البشير.
واستندت لجان المقاومة في حملتها لإصدار تشريع لحماية الشهود على تأكيدها بأن البعض تعرضوا لاستفزاز داخل قاعة المحكمة، مما يؤثر سلباً على الإدلاء بشهاداتهم، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع أهم مبادئ الثورة المتمثلة في العدالة، بجانب أن إثبات الجرائم التي لها صلة بشهداء الثورة تعتمد أساساً على شهادة الشهود الذين أغلبهم من صغار السن ولا يملكون خبرة في الإجراءات القانونية.
تدابير احترازية
وكانت رئيسة القضاء السابقة قد أصدرت منشوراً لحماية الشهود داخل المحكمة، وألزم المنشور المحاكم باتخاذ تدابير احترازية لحماية الشهود والمجني عليهم والمبلغين والخبراء الذين يدلون بشهاداتهم. وحسب تعريف أحد القانونيين، فإن مسألة حماية الشهود في المقام الأول، هي حماية الشاهد وعدم تعرضه لأي نوع من الابتزاز، والتعنيف، ومواجهة إجراءات قانونية، طالما أنه أدى الشهادة أمام القضاء أو بطلب من القضاء، وعلى الشاهد أن يدلي بكل ما لديه دون خوف أو توجس وملاحقات، وما يقوله للمحكمة لن يكون له أية تبعات أخرى، خاصة في الجرائم الخطيرة، بجانب أن الشاهد يجب ألا توجه إليه أسئلة تجريمية وألا يُفتَح أو يُدوَّن ضده بلاغ نتيجة الشهادة، إلا في حالة شهادة الزور.
وذكر ذات القانوني أن الجهات التي تطبق حق حماية الشاهد، هي المحاكم السودانية ذاتها، وأن يكون الشاهد في مأمن بما شهد به، أو ما سوف يشهد به، إضافة إلى ذلك أن القانون يحمي الشهود من أي نوع من المضايقات لأهمية الموضوع، ولفت إلى أن المنشور الجديد من النائب العام أعطى حق الحماية في مرحلة الإجراءات الجنائية بالنيابة.
يذكر أن المحاكم السودانية لا تسمح لأية جهة أن تهين الشاهد أو تبتز الشاهد.
توفير معينات
وأكد النائب العام المكلف مبارك محمود، توفير كل المعينات اللازمة لحماية الشهود والضحايا والمبلغين والخبراء أثناء الإجراءات التي تنظرها النيابة في الدعاوى الجنائية، وأصدر منشوراً الثلاثاء الماضي عقب لقائه تنسيقيات لجان المقاومة بالخرطوم لكل وكلاء النيابة، وحدد آليات لحماية الشهود تشمل إخفاء المعلومات المتعلقة بهويات الشهود وأماكن إقامتهم وترميز هوياتهم بأسماء مستعارة والانتقال لغير مباني النيابة لأخذ إفاداتهم، مع توفير مركبات آمنة وحراسة شخصية إن دعت الضرورة لنقلهم وتوفير الحماية لهم بأماكن عملهم، وتوفير مقار مهيأة وآمنة للشهود متى ما دعت الضرورة لذلك، بالإضافة لعدم السماح مطلقاً بتصويرهم بأي آلة تصوير، واتخاذ الإجراءات الجنائية في مواجهة كل من يتعرض للشهود.
مذكرة مطلبية
وكان النائب العام المكلف قد تسلم في ذات اليوم مذكرة مطلبية من تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم تطالب بإصدار منشور لحماية الشهود والمبلغين. ووعد النائب العام بإصدار منشور بناءً على طلب التنسيقيات يتعلق بحماية الشهود، وأكد أهمية الشهادة من أجل تحقيق العدالة، وقال إن النيابة تتبنى موقفاً منحازاً للشاهد، خاصة في الفترة الحساسة التي تكثر فيها الانتهاكات ومحاكمات رموز النظام السابق وقضايا الفساد التي يتطلع فيها الجميع إلى محاكمات عادلة.
دعم نفسي
وأصدرت تنسيقيات ولجان المقاومة بولاية الخرطوم بياناً يوم الثلاثاء المنصرم بشأن إصدار منشور بحماية الشهود في النيابة، وتوفير الدعم النفسي لهم، وأشارت إلى عرض النائب العام رؤيته لحماية الشهود ودار نقاش عميق أفضى للوصول لرؤية مشتركة خرجت في شكل المنشور رقم (١) للعام ٢٠٢١م المتعلق بحماية الشهود والمبلغين والضحايا والخبراء في النيابة.
وعقب صدور المنشور من النائب العام، قال بيان للجان المقاومة الموقعة التي التقت بالنائب العام إنها تثمن الجهود المبذولة والتي دعمت حملة (حماية الشهود) في النيابة حتى تكللت بالنجاح، وأضاف البيان: (نهنئ شعبنا بالتقدم خطوة نحو العدالة التي ما زالت تتطلب الكثير من الجهد والعمل).
وشدد البيان على أن الموقعين سيعملون مجتمعين على الدراسة التفصيلية لمعيقات تحقيق العدالة وسيعلنون عن خطوات أخرى مجتمعين لضمان الوصول لتحقيق العدالة.
وشملت الأجسام الموقعة على المذكرة المطلبية والتي التقت بالنائب العام: تنسيقية لجان مقاومة أحياء الخرطوم شرق، تنسيقية لجان مقاومة كرري، تنسيقية لجان مقاومة جنوب الحزام، تنسيقية لجان مقاومة الخرطوم غرب، تنسيقية لجان مقاومة أمدرمان القديمة، تنسيقية لجان مقاومة جبل أولياء، تنسيقية لجان مقاومة الصحافة، تجمع لجان أحياء الحاج يوسف، تجمع أحياء أمبدة السبيل، لجان مقاومة أبو آدم، لجان مقاومة الجريف شرق، لجان مقاومة حي الهدى، لجان المقاومة والتغيير دار السلام أمبدة، ولجان أحياء بحري.
حصانة ونفوذ
وفي السياق، قال الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن، لـ (مدنية نيوز): “ليس في المنشور ما هو جديد، وفي تقديري الشخصي بعض التدابير المتعلقة بحماية الشهود الواردة بالمنشور قد تكون مضرة، وتعوّد السودانيون في القضايا الجنائية الجسيمة وغيرها على تقديم شهاداتهم، فقط ما يحتاجونه أن تفصل المحاكم في الدعاوى الجنائية وتردع الجناة، ولكن في الواقع القضاء بطيء جداً والنيابة كذلك، كما شابت أعمالهما عيوب أثرت في أدائهما”.
ورأى الأمين العام لهيئة محامي دارفور أن أهم ضمانات حماية الشهود في مواجهة مرتكبي الجرائم بواسطة منسوبي السلطة ممن لديهم حصانات، تتمثل في رفع الحصانات وتقديمهم للمحاكمات، وقال: “ذلك ما قد لا يحدث، حتى ولو تم إسباغ الحماية المقررة للشاهد المعني بموجب المنشور المذكور، ومن المؤكد أن صاحب الحصانة والنفوذ سيعلم بذلك ويمكنه الوصول إلى الشاهد والانتقام”.
ولفت الصادق، إلى أنه حسب إفادة والي ولاية غرب دارفور السابق محمد عبد الله الدومة، فقد تم قتل (٢١) شاهداً من شهود أحداث (كريندق) الأولى في أحداث الهجوم على (كريندق) الثانية، وأضاف: (طالما ظلت الأجهزة العدلية عاجزة عن الوصول للجناة وقبضهم ومحاكمتهم وردعهم، تظل منشورات الأجهزة العدلية والنيابة العامة وحدها غير كافية).