الفساد بـ (اللفة)
بقلم: حيدر المكاشفي
لا أقول إن مطالبة مبارك أردول مدير شركة الموارد المعدنية للشركات العاملة في التعدين، باستخراج الأموال التي طلب منهم التبرع بها لفعالية تنصيب مناوي حاكما لدارفور عبر شيكات باسم موظف يعمل معه، كانت بهدف (لهف) هذا المبلغ ومقاسمته مع موظفه، فقد يكون تصرف أردول على سوئه تم بحسن نية بقصد دعم حفل التنصيب، وأن تلك الأموال ستذهب بالفعل الى الجهة المعنية بالحفل وليس الى الجيوب والحسابات البنكية الخاصة، ولكني أقول بالفم المليان لابد من الايقاف الفوري والحاسم لمثل هذا التصرف الذي أتى به أردول أينما وجد، بأن تخضع أي أموال عامة للاجراءات المالية والمحاسبية المعمول بها، وكفى البلاد ما عانته من مثل هذا النوع من الفساد الذي يمارس ب(اللفة)، سواء عبر ما عرف ب(التجنيب)، أو استخراج أموال عامة باسم أفراد من الحركة الاسلامية أو حزب المؤتمر الوطني المحلول أو يستخرج برسم مؤسسات خاصة وغير رسمية تابعة لهم، فقد كانت مثل هذه الممارسات احدى الحيل والتكتيكات التي ينهبون عن طريقها المال العام.
إن ما فعله أردول يُعيد للأذهان تلك الممارسات الفاسدة التي ولغ فيها النظام البائد الفاسد، وتفنن و(ابدع) في ابتداع طرق شيطانية للغف المال العام، وكانت فترة البترول هي أخصب سنوات النهب التي غرفوا فيها من المال العام وعبوا حتى اتخموا، اغتنوا هم وأفقروا العباد وبنوا الشاهقات وامتطوا الفارهات وتزوجوا الحسناوات وأورثوا البلاد الأزمات التي ما تزال ترزح تحتها، عشرات الحكاوي والقصص التي تداولها الناس سرا وأعلنتها جهرا الدنانير التي أبت الا أن تطل برأسها وكشفتها لاحقا الوثائق والمستندات، وحسبنا في هذه العجالة من هذه السيرة الفاسدة مثالين كافيين للتدليل على أن فساد العهد البائد كان فسادا مؤسسيا وممنهجا، وهل هناك دليل أبلغ من أن رأس الدولة على قمة الفاسدين، وهل هناك دليل أقوى من أن يصبح الرئيس المخلوع من كبار تجار العملة بالسوق الموازي ويضبط بعد الثورة متلبسا بممارسة جريمة الاتجار في العملة.
لقد عمدت الحكومة البائدة لاستخدام حسابات لافراد من جماعتها في السودان وفي عدد من دول العالم الاخرى، وتحويل أموال طائلة لتلك الحسابات البنكية الشخصية، بحجة أنها محاصرة ومضيق عليها بسبب العقوبات الاقتصادية ووضعها في قائمة الدول الراعية للارهاب، ولم تكن تلك الحجة الابليسية سوى مدخل للهبر من المال العام، بل هذا ما حدث بالفعل، فمن ذلك على سبيل المثال ما انكشف بعد وفاة أحد أبناء واحد من القيادات التاريخية للحركة الاسلامية ومن كبار المتنفذين خلال حكم (الانقاذ) وتنقل بين عدة مناصب عليا حزبية وسيادية وبرلمانية، كان ابن هذا القيادي يقيم في بريطانيا وبعد وفاته تكشف أن النظام الفاسد أودع مبلغ 200 مليون دولار في حساب باسم المرحوم بأحد البنوك البريطانية، وطالما أن الحساب باسمه يكون شرعا من نصيب ورثته (الزوجة والأبناء)، ولكن كانت المفاجأة عندما أعلن والده القيادي الاسلامي المخضرم أن هذا الحساب لا يخص ابنه، وانما يخص حزب المؤتمر الوطني المحلول وتم ايداعه باسمه ليسهل التصرف فيه (فتعجب)، ولكن أسرة الزوجة أصرت على ان المال هو مال المرحوم زوج ابنتهم وبالتالي يحق لورثته وهم زوجته واطفاله حق التصرف فيه بموجب القانون البريطاني، ولا يدري الكاتب كيف تم حسم هذا النزاع، ولكنه يرجح أن حسمه تم على طريقة (خلوها مستورة)، وعبارة خلوها مستورة التي جرت مثلاً كان أطلقها الدكتور علي الحاج محمد السياسي الاسلامي المعروف والأمين العام الحالي لحزب المؤتمر الشعبي منذ المفاصلة الشهيرة التي قسمت إسلاميي السودان إلى شطرين، قسم التزم جانب السلطة وحزبها المؤتمر الوطني، وقسم آخر يمم وجهه شطر ضاحية المنشية الراقية حيث كان يرابط عرّاب الحركة الاسلامية وقائدها التاريخي المرحوم الدكتور حسن الترابي وتمايزوا بحزب جديد أطلقوا عليه المؤتمر الشعبي، ولا أذكر على وجة الدقة متى أطلق علي الحاج هذه العبارة، ولكن يغلب على ظني أنه قالها بين أواخر عام الفين وبدايات عام الفين وواحد في ندوة عامة بمدينة ام روابة (عروس النيم)، أما المؤكد أنه قالها عندما تكاثرت عليه الاتهامات من بعض جماعته و(اخوانه في الله) بالتلاعب بنصف كوتة السكر المخصصة لولايات الغرب الكبير (كردفان ودارفور) على مدى عامين والتي كانت تقتطع من سكان الولايتين لصالح مشروع طريق الانقاذ الغربي، وكانت هذه التهمة قد طالت بشكل مباشر الدكتور علي الحاج بوصفه رئيساً للجنة الشعبية التي كانت معنية باستقطاب الدعم الشعبي والرسمي للطريق، فرد على جماعته لاسكاتهم بمؤدى المثل الشعبي الدارفوري (أبو القدح بعرف محل بعضي أخيو) أو قل على طريقة (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) أي (أحسن تسكتوا وخلوها مستورة).
والمثال الثاني يخص رأس الحية الرئيس المخلوع، اذ أورد موقع ويكيليكس في وقت سابق، أن مصادره الخاصة بالعاصمة السويسرية جنيف، أفادت أن للرئيس السوداني (المخلوع لاحقا) عمر حسن أحمد البشير حساب في (بنك لويدز الخاص) بفرعه بمدينة جنيف وليس بمقر البنك الرئيسي في لندن كما ذكر ، وكما هو معروف أن العاصمة السويسرية جنيف هي الأكثر شهرة في العالم احتضاناً لأموال وثروات رؤساء الدول وزعماء الشعوب، وأكدت ويكيليكس أن حساب الرئيس السوداني تم فتحه في شهر مايو 1991م بواسطة سفير السودان بسويسرا وقتها، وحينها كان الحساب رقمي بمعنى أن حساب الرئيس عمر البشير لم يكن مسجلاً باسم بل مسجلاً بـ (رقم)..فحذاري يا حكومة الثورة من هذه الممارسات ويجب بترها وقطع دابرها ان وجدت، وخاصة تلك التي تتم عن طريق (لفة الكلاكلة) كما يقول الحبيب دكتور مرتضى الغالي.