الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (18)

بقلم: حسين سعد

ضبابية المشهد السياسي في البلاد وصعوبة الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار، وتأجيل قيام المجلس التشريعي، وولاة الولايات وتباين المواقف ما بين قوى الحرية والتغيير ورفاق الكفاح المسلح؛ هذه الخلافات أصبحت علامات مُميّزة لمسار الثورة في عامها الأول والجهاز التنفيذي يدخل شهره العاشر من عمر الفترة الانتقالية التي حدد أولوياتها لقضيتي السلام والاقتصاد، واليوم انقضت الفترة المحددة، ولم نحقق السلام الشامل الدائم بل حصدنا ثمار سلام المسارات المرفوض للكثيرين، بينما تأزمت الآوضاع الاقتصادية، وتعكس هذه القضية بشقيها (السلام والاقتصاد) الصعوبات التي تواجه الانتقال الديمقراطي، في ذات الوقت تواجه مكونات الحرية والتغيير خلافات كبيرة، وتتصاعد يوماً بعد يوم وتتزايد معها نقاط الخلاف، إلا أن تلك الخلافات الأخيرة باتت خطيرة للغاية لأسباب عديدة، لخصها الأستاذ الجامعي الدكتور جمعة كندة في ورقة قدمها في ورشة عقدها مركز الآيام للدراسات الثقافية والتنمية:

(أ) إستمرار الدورة الخبيثة لأزمة الحكم، وعدم الأستقرار السياسى، وغياب ثقافة التداول السلمى للسلطة في السودان.

(ب) إحتكار شخصيات سياسية محددة داخل كل حزب لفرص الإستوزار، وتتحرك مثل هذه الشخصيات المحظوظة، من وزارة إلى أخرى.

(ج) ظهور إنشطارات أميبية داخل الاحزاب، تلك الأنقسامات ليس لخلافات جوهرية فى المبادئ والفكر أو المنهج،ولكن بسبب الضيق من الرأى والرأى الأخر.

(د) الفجوة بين النظرية والتطبيق وبين القيم والشعارات والسلوك والممارسة السياسية للأحزاب وقياداتها.

(ح) عدم قومية الأحزاب والحركات المسلحة (جغرافيا – جهويا- إقاليميا – دينيا – طبقيا – فئوياً – إجيالاً).

(خ) ضعف الأحزاب إقتصاديا ما لم تكن مشاركة في السلطة حيث يتم إستغلال المال العام ومؤسسات الدولة في تمويل وتنفيذ برامج الحزب.

التباين داخل مكونات الحرية والتغيير والحركات المسلحة

(أ) رغبة البعض في إعادة هيكلة الدولة السودانية قبل إجراء الانتخابات ورغبة الأخر في إجراء إنتخابات في فترة قصيرة.

(ب) مدى قدرة مكونات قوى الحرية والتغيير في مواصلة العمل المشترك لتفكيك نظام الحكم البائد وبين ترويج كل حزب لبرنامجه السياسية وبمرجعياته الحزبية تمهيدا للإنتخابات.

(ج)كيفية ضمان عدم التأثير السياسي الحزبي فيما ترشحه أي من مكونات قوي إعلان الحرية (محاصصة غير مباشرة).

(د) دور تجمع المهنيين في مرحلة الإنتقال كقوي مدنية غير حزبية هدفها التأثير الإيجابي في الممارسة السياسية والتداول السلمي والديقراطي للسلطة وليس السعي نحو المشاركة في السلطة نفسها ليس فقط في الفترة الإنتقالية بل ما بعدها. وفي بناء نقابات ومنظمات مجتمع مدني قوية ومستقلة وواعية بدورها في السلام والتنمية والحكم الراشد.

الحرية والتغيير وصياغة مشروع سياسي ثوري لإحداث ثورة حقيقية؟

(أ) التعامل مع الثورة المضادة دون الانجرار تجاه أساليبها القائمة علي العنف

(ب) تقديم ممارسة وسلوك سياسي جديد تحول الشعارات إلى واقع معاش (عدم الإقصاء – الديمقراطية – إدارة التنوع – النزاهة والامانة – الشفاهية – المحاسبة – سيادة حكم القانون – تحمل النقد ونكران الذات – أدب الأستقالة لتحمل مسؤلية ما تجاه فعل سياسي يستحق المحاسبة.

(ج) تحول شامل لبنية الدولة والمجتمع سياسيا وإقتصاديا وأجتماعيا وثقافيا

(د) قدرة أحزاب قوي التغيير والحرية علي الصمود موحدة لقيادة التغيير وتحقيق التحول الديمقراطي.

(ح) كيفية ضمان عدم التأثير السياسي الحزبي  من مكونات  قوى إعلان الحرية وغيرها من القوى السياسية على الذين يرشحونهم من شخصيات مستقلة لتولي المناصب الوزارية أثناء تأدية واجباتهم التنفيذية؟

(خ) مقدرة الحرية والتغيير في التعامل مع المؤثرات الخارجية الإقليمية والدولية  مثل (محور-السعودية-الامارات) مقابل محور(قطر-ايران-تركيا) المحور الافريقي (الإتحاد الإفريقي والإيقاد والمؤيدة للتغيير وإقامة حكومة مدنية) مقابل المحور العربي (جامعة الدول العربية وموقفها البين بين) –المحور الأفريقي-العربي والأفريقي-الأفريقي)

مطلوبات الإنتقال الناجح:

(أ) البحث عن القاسم المشترك الاعظم الذي  يسمح بمواصلة قوى إعلان الحرية والتغيير متماسكة بالرغم من تباين مرجعياتها الفكرية الحزبية طيلة الفترة الإنتقالية

(ب) توحيد الممارسة والسلوك والخطاب السياسي من مختلف الاحزاب وتنظيمات المجتمع المدني، وقوى الحراك الثوري في بعض القضايا المحورية أهمها إصلاح المؤسسة العسكرية – قضية السلام – الديموقراطية – العدالة – الحرية – والسياسة الخارجية لإعادة السودان إلي وضعه الطبيعي بعيدا من سياسة المحاور والمحاور المضادة.

(ج) تعظيم دور الشباب وخلق ظروف سياسية ومدنية لإستغلال طاقات الشباب الثورية من أجل تثبيت الثورة وأهدافها المعبر عنها في قوى إعلان الحرية والتغيير وما ينتج عنها من وثائق ومؤسسات.

(د) إستمرار تجمع المهنيين في لعب دور المحرك للشارع ضد أى محاولات الثورة المضادة (لكننا نري ان تجمع المهنيين يعاني من مصاعب عديدة ونرجح تزايدها مستقبلا).

(ح) تعزيز أليات بناء الثقة من خلال العمل المشترك وبناء تحالفات إستراتيجية أو مرحلية بين مكونات قوي إعلان الحرية  والتغيير تفاديا للإستقطابات لضمان فترة إنتقالية سلسلة تضع السودان في منصة الإنطلاق بلا عودة لفترة إنتقالية أخرى.

أوجه القصور:

الشعور العام بعدم الرضا عن آداء مؤسسات الجهاز التنفيذي والحاضنة السياسية(الحرية والتغيير) لا يحتاج الى التأكيد، بل هي حقيقة أثبتها أداء الحكومة خلال الفترة الماضية . ومن المؤكد أنّ للخطاب السياسي والإعلامي المتداول(خاصة للنظام البائد) دورا هاما في تغذية هذا الشعور الذي يعكس في الحقيقة واقع معاش ،وملموس،وتكفي نظرة واحدة لتتبع مسار الحكومة الانتقالية في تنفيذ مهام الفترة الانتقالية وإستكمال هياكل السلطة الانتقالية التي تستند علي الوثيقة الدستورية.

مواقف متناقضة:

وفي مقال له كتب المحلل السياسي والقيادي بقوي الحرية والتغيير مجدي عبد القيوم (كنب) كتب مقال بعنوان (خطوات تنظيم أم خروج من الملعب) قال فيه: فى تقديرى أن قوى إعلان الحرية والتغيير مثلت دور الحاضنة السياسية فقط ،وذلك في المرحلة التى تلت الثورة وتحديدا حتى مرحلة اختيار الوزراء ومجلس السيادة ولكنها عقب ذلك تجاذبتها مواقف متناقضة كيف؟

ومضي بالقول الشاهد أنه ما ان أعلنت الحكومة عن برنامجها أو بالأدق سياساتها لتنفيذ برنامجها والذى هو برنامج قوى إعلان الحرية والتغيير المستمد من أهداف الثورة حتى بدأ جليا الاختلاف فى وجهات النظر،فعلي سبيل المثال قضية السلام كقضية مركزية تحدثت الوثيقة عن مفوضية للسلام، ولكن تم تشكيل المجلس الاعلى للسلام، وأعلن منبر جوبا بمساراته الخمس وهناك خلافات عميقة في قضايا مفصلية كالخلاف المتعلق بالسياسة المالية فهذا ليس اختلاف فى وجهات نظر بل خلاف بين رؤيتين لمدرستين اقتصاديتين من العسير أن لم يكن من المستحيل أن يلتقيا أو يتواضعا علي قواسم مشتركة علي الرغم أنه كان من الممكن أن تبحث قوى إعلان الحرية والتغيير عن طريق ثالث وذلك ليس عصيا بالنظر إلى احتشادها بخبراء فى الاقتصاد، ثم لننظر في قضية أساسية أخرى وهى التى تتعلق بالعلاقات الخارجية والتي أشار إليها ميثاق قوى إعلان الحرية نفسه بضرورة أن تكون العلاقات الخارجية متوازنة، فبمجرد الإعلان عن لقاء البرهان ناتنياهو أثارت جدلا كثيفا وعواصف ترابية سياسية وتبارت في إصدار البيانات الرافضة للخطوةومضي كنب بالقول فى ظل ما تقدم السؤال هل من الممكن أن تلعب الحاضنة السياسية دور الحكومة والمعارضة فى أن معا ؟ بالقطع هذا موقف ملتبس، وقال مجدي كنب  ان أداء قوى إعلان الحرية والتغيير الآن ليس فقط دون المستوى بل أن هذا الجسم لم يعد قادرا علي لعب دور الحاضنة السياسية ومن الضروري أن تعيد هذه القوى حساباتها فهى بحاجة إلي إعادة خطوات.

وتساءل مجدي هل ستنجح هذه القوى فى ظل الخلافات العميقة بين مكوناته في إكمال عملية إعادة الهيكلة؟ لا أعتقد ذلك، وأن مضت اى محاولة جادة فى هذا الاتجاه فإنها حتما ستحدث عملية فرز جديدة لا محالة،وهذا ما يخشاه كل الفرقاء ويتجنبونه رغم إتفاقها علي أهمية وضرورة إعادة الهيكلة وأضاف فى تقديرى أن الفرز حادث لا محالة بالنظر إلى تطابق المواقف بين قوى داخل الكتل المختلفة المشكلة لقوى إعلان الحرية واختلاف تلك المواقف مع مكونات الكتلة نفسها وتحديدا بين الكتلتين السياسيتين قوى الإجماع ونداء السودان وختم مجدي تحليله بقوله: الشاهد أن المرحلة الحالية تستلزم إعادة تفكير خارج الصندوق وجرأة فى الطرح للوصول لمشروع وطنى متفق عليه يخرج البلاد من هذا المأزق وهذا لن يتأتى فى ظل الماثل.. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *