الجيوسياسي لأمن القرن الإفريقي (13)
بقلم: حسين سعد
مازلنا نخصص في المحور الثاني والعشرون من سلسلة حلقاتنا التي نحاول من خلالها متابعة الازمة السودانية والتطورات الاقليمية والعالمية والمحلية، مازلنا في متابعة التفاعلات الجيوسياسى لأمن القرن الأفريقي الذي يعتبر موقعا إستراتيجيا مهما، ويقول الخبير الاستراتيجي الدكتور اللواء ربيع عبد الله في ورقة له عن صراع الموارد، ان النصف الثاني من القرن العشرين كان غارقاً في وحل الحرب الباردة، إلا أنها كانت فترة ارتفعت فيها مستويات المعيشة عبر الكوكب بشكل كبير. اعتمدت الكثير من التطورات التقنية والصناعية، خلال هذه الفترة، على قدرتنا على الحصول على الموارد الطبيعية غير المحدودة وترويضها واستثمارها، وبينما يبدو أن هذه الموارد قد حفزّت النمو في الكثير من أنحاء العالم إلا أنها توجد في بعض أكثر المناطق هشاشة على المستوى الاجتماعي والسياسي والبيئي. بل إنه كثيرًا ما تجد الدول الغنية بالموارد نفسها في قاع مؤشر الدول الفاشلة. وكي تزداد الأمور تعقيدًاً حدثت أكثر من 90 بالمئة من الصراعات المسلحة الكبرى في دول لديها مناطق تنوع حيوي مشتعلة – مناطق تنوع حيوي بها مخزون كبير من التنوع الحيوي يقع تحت تهديد البشر – تقع في غرب وشرق أفريقيا وعبر البحر المتوسط والقوقاز وجنوب شرق أسيا وفي مناطق كبيرة من أمريكا اللاتينية.
ويقول الاستاذ الجامعي والخبير الاستراتيجي الدكتور داؤود بابكر هارون في كتابه (الجغرافيا السياسية و الجيوبلوتكس) تتنافس ثلاثة جهات منذ نهايه الحرب الباردة علي كسب ود افريقيا هي اوربا والولايات المتحده والصين وقد كان هذا التنافس امريكيا اوربيا فقط اي بين المستعمر القديم (الدول الاوربية) والطامع الجديد اي الولايات المتحدة وتتسم بمزيج من التعاون والتحالف ومن التنافس في أن واحد. هذه العلاقات تحكهما المصالح الحيوية لكلا الطرفين في المنطقة اذ تعتبر اوروبا افريقيا بأنها مجالها الحيوي بحكم القرب الجغرافي. والروابط التاريخيه الاستعمارية (الشراكة الاورو_ متوسطية لمنطقة المغرب العربي).
الدب الروسي
أما الضلع الثالث في هذه المعارك على ثروات ومقدرات إفريقيا،بحسب ورقة سابقة لكاتب المقال بعنوان (القرن الافريقي.. صراع الموانئ) فيطرحه الدُّبّ الروسي والذي يسعى إلى استعادة نفوذه القديم زمن الحرب الباردة لقد ذهَب الروس إلى إريتريا، وقاموا ببناء منطقة حُرَّة، وفي جمهورية أفريقيا الوسطي التي أنهكها قتال الإخوة الأعداء- تم التاكيد على المصالح الأمنية والعسكرية الروسية،ولم يغفل الدُّبّ الروسي نصيبه من السباق على الفوز بموارد إفريقيا الطبيعية، ولا سيما في منطقة الجنوب الإفريقي،حيث وقعت روسيا في أبريل 2018م، مع غينيا بيساو أول اتفاقية حكومية للتعاون العسكري بين البلدين منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وخلال السنوات الخمس الماضية، ضاعفت روسيا جهودها لتعزيز العلاقات العسكرية والاقتصادية مع إفريقيا.صحيح أن إفريقيا لم تُمَثِّل بعدُ أولويَّة بالنسبة لموسكو، إلا أنَّ الزيادة في النشاط تشير إلى تغيير في النهج والمقاربة الروسية تجاه إفريقيا. هذا واضح أيضًا في نطاق الزيارات الرسمية المتبادلة،حيث زار الرئيس الغيني ألفا كوندي موسكو في عام 2017م، وكذلك فعل المدحور البشير. بينما قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة العاصمة الرواندية (كيغالي)في يونيو 2018م،حيث ناقش إمكانية توفير أنظمة دفاع جوي روسي لرواندا،وقد شملت جولة لافروف ستة بلدان إفريقية أخرى هي رواندا وأنغولا، وإثيوبيا وموزامبيق، وناميبيا وزيمبابوي في محاولة لإحياء النفوذ الروسي مرة أخرى، واستعادة التحالفات السابقة مع القارَّة. وفي ظل معارك التكالب الثلاثي على إفريقيا تحاول قوى إقليميَّة مثل تركيا وإيران وإسرائيل أو قوى دولية صاعدة، مثل الهند طرح نفسها كبديل لنهج واشنطن بمشروطيته التي تنال من سيادة الدول، ونهج بكين بما ينطوي عليه من فخّ للديون.
أفريقيا المرتبة التاسعة
واحتلت أفریقیا المرتبة التاسعة بین قائمة المناطق العشرة الأکثر أهمية بالنسبة للمصالح الروسیة، وفي العام 2016م كثفت روسيا من توسيع علاقاتها مع بعض الدول الافريقية شملت مختلف المجالات إقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية ،ولاحقا تحولت القارة السمراء والقرن الافريقي تحديدا هدف إستراتيجي لروسيا ،بالرغم من وجود صراعات وتحديات أمنية بأفريقيا مثل بوكو حرام والارهاب والقرصنة البحرية وغسيل الاموال والجريمة العابرة للحدود ،نخلص الي ان التنافس الروسي الامريكي الصيني الفرنسي والبريطاني في القارة السمراء تدفعه متغيرات سياسية حيث تسعى روسیا إلى تجدید العلاقات مع دول القرن الأفريقي، وتعزیز تأثيرها السياسي، حتى تتمکن من مواکبة أمریکا والصین والقوى الأخرى،حيث يأتي ذلک بالتزامن مع التراجع الأمريکي بعض الشيء في المنطقة، وفى ظل الانتشار السریع للصین في المنطقة؛ فضلاً عن حرصها على تقدیم الدعم للاتحاد الأفريقي من أجل إیجاد تمویل مستدام لعملیات السلم والأمن في المنطقة کما أن المخاوف الروسية من حدوث عزله دولية ودبلوماسية من الدول الغربية نتيجة لموقفها في سوريا وأوکرانيا وبعض الدول الأخرى دفعها إلى البحث عن حلفاء جدد، ومناطق نفوذ لها بخلاف الشرق الأوسط کمنطقة القرن الأفريقي لمواجهة هذه العزله وعلى وجه الخصوص مع الدول التي تخضع للعقوبات من الولايات المتحدة والدول الغربية. ومن ناحية أمنية فقد نشطت روسيا في تامين وحماية مصالحهها في البحر الاحمر كما يلاح وجود روسيا بالعديد من الازمات بالقرن الافريقي والشرق الاوسط ،أما إقتصاديا فقد حرض النمو الاقتصادي المتزايد للصين بأفريقيا الغنية بالموارد الطبيعية والثروات ،فمنذ بداية القرن الجديد، تم إجراء عدة زيارات رسمية لروسيا من قبل قادة ووزراء خارجية الدول الأفريقية بما في ذلک کينيا، إريتريا وإثيوبيا، وفى المقابل قام وزراء روس، ومسئولون آخرون بزيارة بلدان أفريقية.
وعقدت البلدان الأفريقية أکثر من 30 لقاء سياسي مع الدوائر الدبلوماسية في 2005-2006م، سعت من خلالها القيادة الروسية التعاون مع المؤسسات الإقليمية الأفريقية، وجاء منها الاتحاد الأفريقي في عام 2005 ، وفى هذا الإطار تم أيضاً اعتماد سفير الاتحاد الروسي لدى أثيوبيا في مفوضية الاتحاد الأفريقي، وفى نوفمبر 2006، استضافت روسيا قمة مجموعة الثمانى، وتمت الموافقة على وثيقة القمة حول (حديث أفريقيا)، هذا بالإضافة إلى الإشارة إلى المشاکل الأفريقية أيضًا في الوثائق الأساسية والنهائية للقمة؛ حيث تم تنمیة العلاقات التجاریة والاقتصادیة، وتعزیز التجارة الثنائیة مع دول المنطقة في مختلف القطاعات. وفتح منافذ جدیدة، یمکن من خلالها تصريف المنتجات والخدمات والتقنیات الروسية، والاستفادة من ثروات المنطقة من الموارد الطبیعیة، وفى سبیل ذلک أطلقت روسیا في عام 2015 م المنتدى الروسي الأفريقي.وعلي مستوي الدول الافريقية فقد طورت روسيا علاقاتها مع بعض الدول الافريقية وتنوعت هذه العلاقات التي نجد من بينها في مجالات الطاقة والذهب والتعدين والغاز واليورانيوم والمؤانئ والتدريب الامني والعسكري. (يتبع)