الثلاثاء, أبريل 30, 2024
مقالات

الحكم المدني: ترطيب الظل الإداري..!!

بقلم: مرتضى الغالي
الحكم المدني يعني أن يكون المجتمع هو الذي يقود الدولة لا أن تقود الدولة ..وبمعنى من المعاني أن لا تتنزّل القرارات من أعلى على رءوس الناس.. وهذا لا يتعارض مع عمل الادارة التنفيذية (الحكومة) ولا يناقض عمل المؤسسة التشريعية أو القضاء كما لا يتناطح مع مبدأ فصل السلطات..! وبهذا فإن كل قضية من القضايا الرئيسية التي تواجه المجتمعات الديمقراطية الحيّة تتحوّل الى قضية رأي عام أو نقاش عام (Public Debate) فلا تقضي فيها الحكومة او السلطة الأعلى بمعزل عن الجمهور.. بكل ما يعتمل في طوائفه من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني وقطاعات اهلية وتنظيمات شعبية وصحافة ومراكز بحث…الخ وكلما سادت هذه الممارسة في الحوار المجتمعي وتراكمت التجربة كلما تيسّرت سبل التعبير عن مطالب المجتمع وضاقت المسافة بين الأجهزة الحكومية التنفيذية والشعب..!
وهناك العديد من القضايا الرئيسية التي يتداول حولها الناس حالياً في الوسائط الاجتماعية والدوائر الاعلامية والمناسبات الاجتماعية واللقاءات السياسية والتلقائية..لكنها في كثير من الأحيان تنتهي إلى تجاذبات و(مناقرات) عقيمة وغير صحية لأنها لا تجد القنوات الصحيحة لتجعل منها حوارات ذات جدوى يسمع الناس فيها بهدوء ورويّة إلى بعضهم وإلى وجهات النظر المختلفة..وهكذا نجد ان المجتمع السوداني بعد الثورة يطرق كثيراً من القضايا التي تواجه فترة الانتقال ولكن بكيفية تجعل الحوار مبتوراً وتبادل الأفكار غائباً؛ ويبدو الأمر أقرب إلى المشاكسة والمبارزة والمعارك الهوائية أكثر منه حواراً جاداً ينتهي الى خلاصات ذات جدوى..!! ويمكن أن تكون القضايا محل التداول من القضايا الرئيسية ذات الأهمية؛ مثل كيفية إدارة الاقتصاد أو اختيار النمط الإداري الدستوري الأنسب للبلاد من خلال مستويات الحكم الفيدرالي أو المركزي واللامركزي، وكيفية ترسيم ولايات أو اقاليم السودان، وهل نأخذ بنظرية تسمية أقاليم لكل مجموعة من الولايات، أم يتم الاكتفاء بنظام الولايات.. وهل يكون ما دون الولايات محافظات أم محليات تضم كل محلية عدداً من اللجان الشعبية أو لجان الخدمات..؟ وأين يكون موقع (الضابط الاداري) من هذه المنظومة..؟ مع رؤى أخرى تري ان يتم تقسيم السودان جميعه إلى محافظات، ويتم إلغاء الولايات وحكام الاقاليم على أن يقود المحافظات طاقم من المحافظ والضباط الإداريين ..وهي تجربة ليست بغريبة في تاريخ إدارة البلاد..هذا إلى جانب رؤى أخرى تدعو الي نوع معيّن من الفيدرالية (إذا لم نقل الكونفدرالية والحكم الذاتي) بمعنى أن تُمنح مناطق البلاد سلطات أوسع تجعل يدها مُطلقة في شؤون الإدارة والاقتصاد ونظام الضرائب والعوائد والأراضي والقوانين المحلية.. بما يوهن من رابطتها بالمركز إلا في شؤون الدفاع والجيش الوطني والموارد القومية والسياسة الخارجية..!!
ومع أن المكان الأصلح للبت في مثل هذه القضايا هو اللقاء الدستوري الجامع ولكننا نشير هنا إلى ابتدار الحوارات حول القضايا الكبرى ليتم التداول حولها عن طريق المنابر العامة والحوارات الشعبية والسياسية التي تسهم في بلورة الآراء وتنويع الخيارات ولكن عن طريق تلاقح الأفكار والتدافع المدني، وما سقناه من حديث عن نظام إدارة السودان ومستويات الحكم أردنا به أن نورد مثالاً للقضايا ذات الطابع العام التي تحتاج الى إدارة حوار حولها..وكان يمكن أن يكون المثال عن العدالة الانتقالية أو الاقتصاد الوطني أو العلاقات الخارجية أو الخيار بين الجمهورية البرلمانية والرئاسية أو علاقة الدين بالدولة.. إلخ
ثورة السودان المجيدة فتحت الطريق واسعاً أمام المجتمع ليتقدم الى الريادة والقيادة فقد ذهبت الانقاذ بتجربتها البائسة في قهر الشعب والتعالي عليه وانزال الكوارث عليه من أعلى وها هي الثورة تشترع بنداء الحرية والسلام والعدالة عهداً جديداً للمواطنة التي تعني المشاركة في مصير الوطن.. فالشعب هو الحامي الحقيقي لوطنه وهو سيد مصيره.. لا أن تتصرّف بشؤونه ثلة صغيرة تنقض وتبرم (كما شاء لها الهوى)..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *