أزمة الجثامين في المشارح.. صراع متجدد بشأن العدالة في فترة الانتقال الديمقراطي
الخرطوم: أم سلمة العشا
ما تزال قضية الجثث الموجودة في المشارح، تتصاعد ولم يتم حسمها بشكل نهائي، وتفاقمت الأزمة مؤخراً عقب إعلان أطباء شرعيين استقالاتهم من لجان التشريح.
تدهور مقصود
لم تكن أزمة الجثث في المستشفى الأكاديمي الأولى من نوعها، حيث شهد مستشفى ود مدني بولاية الجزيرة وسط السودان حادثة مماثلة في فبراير الماضي حين تم الكشف عن (200) من الجثامين لمجهولي الهوية تحللت في المشرحة، وكذلك مستشفيات بشائر جنوب العاصمة الخرطوم ومستشفى أمدرمان حيث تعيش تلك المشارح أزمة التكدس.
ووصف مدير إدارة الطب العدلي هاشم محمد صالح فقيري، في إفادة لـ (مدنية نيوز) أمس، وضع المشارح بالسيئ نتيجة تكدس الجثامين التي فاق عددها (15) ضعف السعة الاستعابية. وقال فقير إنه بعد تسلمه إدارة الطب العدلي في يناير 2020، قام بزيارات تفقدية للمشارح بالخرطوم خلصت لتعطل تكييف مشرحة بشائر، بجانب (4) ثلاجات منذ العام 2018، وكذلك وجود ثلاجات متعطلة بمشرحتي أمدرمان والأكاديمي، وأوضح أنه تمت صيانة التكييف والثلاجات، لكنه كشف عن تكرار تعطل الثلاجات بسبب زيادة الحمولة.
وأضاف أنه لم تكن هنالك مولدات في المشارح، إلا أنه أشار إلى تسلمهم عدداً من المولدات من البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد) تم توزيعها على المشارح.
ومضى فقيري، في حديثه عن تدهور أوضاع المشارح وكشف عن فساد يتعلق بضبط إيرادات المشارح الذي لا يتجاوز (مليون) و(800) ألف جنيه سنوياً، غير أنه أعلن وصول إيرادات المشارح لشهر يوليو الماضي (7) ملايين جنيه، واتهم فقيري بعض الأطباء ممن وصفهم بأصحاب الأجندات الشخصية بأنهم ضد وجود مؤسسة الطب العدلي، وضد وجود نظم ولوائح.
حقائق غائبة
وكشف مدير هيئة الطب العدلي د. هاشم فقيري، عن إصرار لجنة الأشخاص المفقودين على تكوين اللجان الفنية الخاصة بتشريح الجثث، وقال إنها لجان فنية تم تكوينها في عهد النائب العام السابق تاج السر الحبر، ورأى أن لجنة المفقودين ليس من اختصاصها تكوين اللجان الفنية، وإنما هي معنية بالإجراءات القانونية، وتابع: (إصرار اللجنة لشيء في نفسها)، وأبان أن لجان الطب الشرعي تتبع لوزارة الصحة إدارياً.
وكشف فقيري في إفادة لـ (مدنية نيوز) أمس، أن بعض الأطباء لم يكونوا مواظبين في العمل، وتم استيضاحهم بسبب الغياب عن العمل، وقال إنهم يقودون حملة لإشانة سمعة أطباء الطب العدلي، وتحريض الثوار و(شيطنة) الأطباء الشرفاء.
حملة مقصودة
وحسب مدير إدارة الطب العدلي هاشم محمد صالح فقيري، فإن بعض الأطباء يقودون حملة ممنهجة لإشانة سمعة أطباء الطب العدلي، وذكر أن السبب وراء ذلك (في ناس فقدت مناصبها وتعمل على تحقيق مصالحها الشخصية)، ورأى أن ذلك يمثل استهدافاً واضحاً لأطباء مشرحة التميز بخلاف بقية المشارح.
وبرر فقيري، تركيزهم على مشرحة المستشفى الأكاديمي بسبب وجود أطباء مشرحة الأكاديمي في إدارة هيئة الطب العدلي، واتهمهم باستغلال مشكلة الأكاديمي للوصول إلى أهدافهم من خلال تحريض الثوار وعرقلة العمل في المشرحة.
تلاعب وتحقيق
ومن جانبهم كان أطباء شرعيون قد كشفوا عن ما وصفوه بعمليات التلاعب في أرقام جثامين في إحدى مشارح العاصمة الخرطوم، ودفن جثث دون عملية الاستعراف، وقدم هؤلاء الأطباء استقالات عن لجان التشريح المُشكلة بواسطة النيابة العامة، وذلك حسب خطاب استقالة دفع به الأطباء الشرعيون إلى النائب العام.
وفي المقابل كشف مدير هيئة الطب العدلي هاشم فقيري، عن تكوين لجنة من قبل النائب العام للتحقيق في أرقام ديباجات الجثث، لمعرفة وتحديد ما إذا كان هناك تلاعب فيها حسب اتهام بعض الأطباء نتيجة عدم وضوح الكتابة عليها. وقال فقيري: (كل ما أثير بشأن الجثث وراؤه أجندة شخصية والتفاف لأصحاب المصالح)، واعتبر أن هناك حرباً ضد هيئة الطب العدلي.
استقالات
وقدم كبير الأطباء الشرعيين عقيل سوار الدهب، واستشاري الطب الشرعي محمد أحمد الشيخ، واستشاري الطب الشرعي والسموم عامر صادق محمود، واستشاري الطب الشرعي والسموم محجوب بابكر، واستشاري طب الأسنان الشرعي خالد محمد خالد، استقالاتهم إلى النائب العام المُكلف. وبدوره ذكر فقيري، أنه بالنسبة للأطباء اللذين تقدموا باستقالاتهم عن العمل في لجان التشريح، فإن الاستقالة لا تؤثر على العمل، كما أن الاستقالة يجب ألا تقدم للنائب العام لأن اللجان لا تتبع له، ومن الأولى أن يتم تقديمها للطب العدلي، وأضاف: (سيتم قبولها فوراً).
وتابع فقيري: بالنسبة لدكتور عقيل سوار الذهب فليس له وظيفة ولا عقد في وزارة الصحة، وتمت مطالبته بعمل عقد، وأوضح أن الاستعراف عن طريق الأسنان مستحيل في السودان لعدم وجود سجلات للأسنان قبل الوفاة، وأبان أن كل الجثامين التي تم التعرف عليها عن طريق فحص البصمة الوراثية (DNA)، وأشار إلى أن مدير مشرحة بشائر قام بدفن جثامين (3) مرات عقب حادثة فض الاعتصام. وكان دكتور خالد مدير إدارة المشارح في ذلك الوقت، ولم يقم بأية إجراءات فنية متعلقة بالأسنان لهذه الجثامين التي تم قبرها.
وأردف فقيري، أن مشكلة مشرحة ود مدني تكمن في تشريح عدد (160) جثماناً في (3) أيام بواسطة طبيبين، وتساءل: (أين المعايير الدولية في هذا الأمر؟).
دفن خارج إطار القانون
وكشف أطباء شرعيون عن ما اعتبروها عمليات تلاعب في أرقام جثامين في إحدى مشارح العاصمة الخرطوم، ودفن جثث دون عملية الاستعراف، وقدم هؤلاء الأطباء استقالات عن لجان التشريح المُشكلة بواسطة النيابة العامة.
وقال أطباء شرعيون يعملون في تشريح الجثث إنهم اكتشفوا (عملية تغيير ديباجات “أرقام” الجثامين بطرق مختلفة في مشرحة التميز، مما يعني إمكانية استبدال هذه الجثامين مع مفقودين ليتم دفنهم خارج إطار القانون). وبموجب ذلك قدم كبير الأطباء الشرعيين عقيل سوار الدهب، واستشاري الطب الشرعي محمد أحمد الشيخ، واستشاري الطب الشرعي والسموم عامر صادق محمود، واستشاري الطب الشرعي والسموم محجوب بابكر، واستشاري طب الأسنان الشرعي خالد محمد خالد، استقالاتهم إلى النائب العام المُكلف.
ولفت سوار الذهب، حسب خطاب الاستقالة إلى قيام لجنة مُكلفة من النيابة العامة بدفن (23) جثماناً في (11) يوليو الفائت (دون أن يتم استكمال عملية الاستعراف)، على الرغم من توصية تقارير شرعية بعدم دفن هذه الجثامين. وكانت لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص قسرياً (المفقودين) التابعة للنيابة العامة، قد أمرت بعدم الدفن إلى حين إكمال تحقيقاتها، لكن لجنة أخرى مُشكلة بواسطة النائب العام أمرت بدفنها. وقال خطاب الاستقالة وفقاً لـ (سودان تربيون) إن وكيل النيابة محمد عبد الله، المُكلف من النائب العام (أصر على عملية دفن الـ 23 جثة قبل إكمال الاستعراف)، وأضاف: (كما قام بتجاوز عملية استبدال أرقام الجثامين بطريقة خلقت عدم ثقة من الأطباء الشرعيين في مقاصده، وأدت إلى التشكيك في نواياه). وتحدث الخطاب عن قيام وكيل النيابة محمد عبد الله، بتهديد طبيب الأسنان العدلي خلال الاستجواب الذي جرى بواسطة لجنة مُشكلة من النائب العام للتحقيق في استبدال أرقام الجثامين.
نتائج وتشكيك
وتضمن خطاب الاستقالة أن وزارة الصحة بولاية الخرطوم تبنّت بياناً صحفياً صادراً عن هيئة الطب الشرعي في (27) مايو الماضي، شكك في نتائج تقرير التشريح الثاني لجثة القتيل محمد إسماعيل (ود عكر)، وهو أمر يوضح (وجود أجندة خاصة لحكومة الولاية، مما أثر سلباً على القضية قيد التحقيق). وشمل الخطاب أن لجنة طبية قالت في تقرير شرعي إنه (تعذر عليها معرفة أسباب وفاة ود عكر)، مما دعا لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص قسرياً تشكيل لجنة تشريح أخرى أرجعت فيه أسباب الوفاة إلى التعذيب. وأشار الأطباء إلى أنه تم تجاهل حقوق الموتى بوضع حاوية تُستخدم كثلاجة موتى في فناء مشرحة مستشفى التميز دون غطاء من أشعة الشمس أو من عيون المارة في الطريق، إضافة إلى وضع أكثر من (200) جثة داخلها رغم تعطلها وعلم المسؤولين أن سعتها التخزينية لا تتعدى الـ (30) جثماناً، وأفاد أولئك الأطباء بقولهم: (أدى ذلك إلى تفسخ وتحلل وتعفن كل تلك الجثامين، في أكبر كارثة عدلية ومهنية وبيئية وأخلاقية في تاريخ السودان. وأدى ذلك كله إلى طمس تفاصيل تلك الجثامين).
وأرجع الأطباء استقالاتهم عن العمل في لجان التشريح إلى خشيتهم من عدم القدرة على أداء عملهم بنزاهة، وأرسلوا نسخاً من خطاب الاستقالة إلى عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، ورئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، إضافة إلى وزيري العدل والصحة ومدير عام قوات الشرطة ورئيس لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص قسرياً ولجنة الاتهام في قضية القتيل (ود عكر).