الدالي هل صفعته الأيادي؟
بقلم: خالد فضل
في البدء نتمنى عاجل الشفاء للزميل الصحفي الأستاذ علي الدالي، وأدين بأقوى العبارات ما تعرض له من اعتداء صارخ وامتهان قاس لحقه كإنسان وحقه كصحفي، خاصة وأن الاعتداء وقع من أفراد ينتمون لما يصطلح على تسميته بـ (القوات النظامية)، وتبدو المفارقة صادمة في كثير من الأحيان بين الاسم والممارسة، وقد تكررت الاعتداءات والتهجم على الصحفيين /ات من جانب أفراد ينتمون مهنيا لهذه القوات، أو القوات الأخرى التي تتمنطق بالسلاح، وكثيراً ما وقعت حوادث اعتداء مماثلة على الأطباء من ذات الجهات، كما أنّ الاعتداء وقع على مجموعة من المواطنين غير الزميل الدالي. وفي بيانها نسبت القوات المسلحة الحادثة إلى تصرف فردي. وبالطبع لا أحد يتصور أنّ القائد العام للقوات المسلحة أو أي ضابط رفيع الرتبة قد أصدر أوامره لجنوده لتنفيذ هذا الاعتداء، والتنكيل بالمواطنين، هذه بداهة، ولكن في ذات الوقت تفتح الباب على أسئلة كثيرة لا بد من مواجهتها بوضوح.
لماذا يتصور بعض العسكريين أن لهم الحق في الفعل مهما بدا منافياً للقانون والحس السليم، لماذا يأخذون القانون بيدهم ولا يتقيدون به، حتى قوانين القوات النظامية نفسها لا تمنح المنتسب الحق في الاعتداء على الآخرين، فما هو نوع وجرعات التدريب المعنوي الذي يتلقاه منتسبوا هذه القوات، ومن أهم تلك الجرعات ضبط النفس في لحظة الاستفزاز، ما هو مقياس الاستفزاز لدى هولاء الأفراد. وأذكر على أيام اعتصام القيادة، وعقب وقوع حوادث 8 رمضان التي قُتل فيها بعض الثوار وفرد من قوات الدعم السريع، سُئل قائد الدعم السريع الفريق دقلو عن الواقعة فتحدث عن الاستفزاز الذي واجهته قواته من جانب المعتصمين السلميين، فارتسمت الدهشة على وجه المذيعة وهي تسأل ثانية: وهل تواجه هتافات المتظاهرين بالرصاص؟
تلك هي العقلية والخلفية الأساسية التي تجعل الأيدي في الحقيقة مجرد أداة لتنفيذ ما يجول في الخاطر وما قرّ في الذهن، وهو ما نعنيه بسؤالنا عن نوعية التدريب الذي يخضع له الممتهنون لمهنة الجندية، ولهذا تصبح مسألة إصلاح القوات النظامية كلها من الضرورة بمكان لضمان الانتقال التام لبلادنا إلى آفاق الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات والحرية واستدامة السلام والتنمية. ولا يقتصر الأمر كما هو معلوم على الأجهزة النظامية وحدها، بل على كل المنظومة السياسية والإدارية المدنية، والعسكريون هم شركاء في الانتقال، لأنّهم وببساطة شديدة، قبل أن يكونوا عسكريين هم سودانيون، وبحسن ظن شديد، يمكن الزعم بأنّهم يرومون مستقبل أفضل لبلادهم، ومن يتقدم لفداء وطنه بروحه ودمه؛ وهذه تضحية سامية ومكلفة حقاً، ولا بد أنّه على استعداد لتقديم تضحية أقلّ، هي كلفة إجراء عملية اصلاح جذرية في منظومته المهنية، وهي عملية لا تكلّف روحاً أو دماً، ولكنها تكلّف جهداً أكبر واستعداداً أفضل لقبول التغيير، والعمل على إكماله فقط بالالتزام بضوابط وقوانين العمل المنظمة للجندية، وبالتالي الخضوع والاستسلام لأي إجراءات تطال المخالفين. وفي سبيل تأسيس الدولة المدنية التي تنشدها الأجيال الصاعدة التي أنجزت الثورة الباهرة، فإنّ القانون المدني هو سيد الموقف. ولتكن حادثة الاعتداء على الزميل علي الدالي نقطة تحول في اتجاه تقوية ودعم روح الشراكة بين العسكريين والمدنيين السودانيين، حتى تكتمل اللوحة الباذخة التي رسمها شبابنا من الرجال والنساء ووضعت للشعب السوداني مكانة مرموقة في سلم التطور البشري، رغم انقطاع الكهرباء وشح الوقود والنقود والحاجة الماسة للغذاء والكساء، ورغم مأساة النزوح واللجوء ونقص الأنفس والثمرات، بيد أنّ تطلّع الأجيال الصاعدة من الكنداكات والشفّاتة لبناء سودان جديد خال من القمع والقهر والاستبداد، هو ما يمثل عنصر الإعجاب العالمي والتقدير من كل البشر الذين يتشاركون مع السودانيين التطلعات العظيمة.
نرجو أن يأخذ القانون مجراه الطبيعي، وأن ينال المعتدون الجزاء المناسب للجرم، ليس لأحد رغبة في التشفي، كما لا يمكن لعاقل أن يرمي مؤسسة كاملة بجرم بعض أفرادها، شريطة ألاّ توفر هذه المؤسسة الحماية والحصانة لمن يرتكب الجرم، وهذا من أهم أبواب تثبيت العدالة، والمساواة أمام القانون بين جميع المواطنين.
ختاماً لا بدّ أن يستفيق الوسط الصحفي من شتات التشرذم والفرقة والسعي بجدية وإخلاص نوايا إلى تأسيس نقابة موحدة تكون سندا لمنتسبيها وحائط صد منيع للمهنة، وإذا كانت المطامع والغنائم تفرّق المؤتلفين – إن ضعفوا – فإنّ المصائب توحد المتفرقين إن صدقوا.