الانقلابات وحراسة الانتقال الديمقراطي
الركيزة
بقلم: أيمن سنجراب
جهات عديدة تتربص بالفترة الانتقالية وتسعى لجر السودان نحو الانقلابات العسكرية وقطع الطريق أمام اكتمال أهداف التحول الحالي الهادف للوصول للتداول السلمي للسلطة وترسيخ قيم الديمقراطية.
هناك أصحاب مصلحة كثر في الداخل والخارج يعملون ليلاً ونهاراً للحيلولة دون بلوغ الثورة لأهدافها حيث ترتبط مصالحهم ببنية النظام القديم الذي ثار عليه الشعب وأسقطه، وتمتد شبكة تواصلهم مع مؤسسات النظام المخلوع التي ما زالت تسيطر على مقاليد الحكم وخاصة الاقتصاد وتصنع الأزمات للحكومة الانتقالية لإظهارها بالفشل وتسهيل الانقضاض عليها عقب اكتمال حلقات السخط بإظهارها بمظهر العاجز عن حل الأزمات وعلى رأسها قضية المعيشة مع استخدام وسائل الإعلام المختلفة ذات الجذور الممتدة لعناصر النظام المخلوع.
ويلاحظ تهاون الأجهزة العسكرية من شركاء الحكم في الجانب النظامي عن أداء مهامهم مما يدلل على عدم انسجام كابينة قيادة حكومة الفترة الانتقالية، وهذا ما جعل الكثيرين يتحدثون بأصوات مسموعة عن خطأ التفاوض مع العسكريين والقبول بشراكتهم في الحكم بدلاً عن تسليم مقاليد الحكم والعودة إلى ثكناتهم لحماية الانتقال الديمقراطي.
ومما يوجع العسكر هو الحديث والمطالبة برجوعهم إلى ثكناتهم، مع أن هذا ليس عيباً، وما لها الثكنات؟!، فمهمة العسكريين عظيمة في حماية حدود البلاد والدستور وهي مهمة تفخر بها أعظم جيوش العالم وتحترمها الشعوب، فما الذي يجعل منها في بلادنا مهمة تبعث على الضيق والاستياء والتآمر؟!.
إن ما يدفع العسكريين عندنا للتذمر من مطالبات رجوعهم إلى الثكنات هو أطماعهم في الحكم حيث اعتادت مؤسساتهم التي تربوا فيها على الانقلابات وكثيرون تربط أحلامهم بالانتساب لتلك المؤسسات لاتخاذها مطية نحو القصر وكراسي السلطة، وهو ما أورثنا عدم الاستقرار واللف في الحلقة الشريرة (انقلاب، حكم ديمقراطي قصير ثم انقلاب)، وقضينا أكثر من نصف قرن من عمرنا بعد الاستقلال في ظل حكومات عسكرية أضاعت على بلادنا فرص الانطلاق والتربية الديمقراطية وأقعدتنا، ولو فطن الآباء في جيل ما بعد الاستقلال ونظروا للمستقبل برؤى تدرك عظمة السودان وموارده البشرية والمادية وأداروا التنوع بالحكمة اللازمة والحقوق المستحقة لكانت أوضاعنا مختلفة ولكنا في مقدمة أفريقيا، ولا نغفل دور السياسيين في استغلال المؤسسات العسكرية لتحقيق أهدافهم في الحكم.
والآن بعد نحو (64) عاماً من عمر الدولة السودانية بعد الاستقلال أدرك الجيل (الراكب راس) وهو الجيل الذي تربى في عهد نظام الحكم المقتلع، حجم الضياع فتقدم الصفوف ليتوج نضالات السودانيات والسودانيين بثورة ديسمبر المجيدة.
الأمر المختلف في هذه الثورة هو أن حراسها من الثائرات والثائرين ما زالوا في الشارع ويراقبون الأوضاع عن قرب وما زالوا على درجة عالية من الاستعداد للتضحية من أجل استكمال أهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة بما يمهد الطريق لإقامة الدولة المدنية الخالصة، ولن يعودوا من منتصف الطريق.
ما لا يدركه الراغبون والحالمون بالجلوس في سدة الحكم من (الجنرالات) أن الوضع في السودان لم يعد مهيأ لحكم عسكري وأن أي انقلاب أو أية ردة عن طريق الانتقال الديمقراطي ستواجه بالحسم من الشارع، فالتضحيات العظيمة بالأرواح والدماء والجراح النازفة وفقد الأعضاء من الجسم والتعرض للانتهاكات الجسيمة لم تقدم من أجل استبدال حكم عسكري بآخر من ذات النوع، وعلى الحالمين أن يطردوا أحلامهم ويساهموا في مساعي بناء السودان، وذلك أوفر لطاقاتهم بدلاً عن مطاردة السراب وسلك طرقات المستحيل.
إن أية محاولة لانقلاب ستجد المقاومة اللازمة فقد ولى زمان الحكومات العسكرية، ومن أسقطوا النظام المخلوع لن يقبلوا على الإطلاق بأن تكون ثمرة تضحياتهم حكما عسكرياً، فقد تعالت هتافاتهم في مواكبهم وتظاهراتهم وحراكهم السلمي بـ(مدنياااااااو) وهي غاية قدموا ولا زالوا على استعداد أن يدفعوا أغلى ما يملكون من أجلها، وقالوها صراحة وتعاهدوا بمواصلة السير لتحقيقها وخلاصة إيمانهم أن (الشوارع لا تخون)!!، فيا من تنادون العسكر وتبنون آمالكم عليهم، ابتعدوا يا أنصار النظام الملفوظ عن طريق الثورة، وكما قال شاعر الشعب محجوب شريف (طريق الشعب أوسع من زحام الضيق)!!.