قسماً قسماً لن ننهار.. نحن في الشدة بأس يتجلى
بقلم: حسين سعد
احتفل السودانيون مطلع هذا الشهر بعيد استقلال بلادنا (66) وسط دعوات صادقة بالتقدم والازدهار، وانتصار الثورة وتحقيق غاياتها النبيلة التي مهرها الشهداء بدمائهم، حيث بلغ عدد الشهداء عقب الانقلاب (60) شهيداً، نتمنى لهم الرحمة والمغفرة وعاجل الشفاء للمئات من الجرحى والمصابين، وعودة ظافرة للمفقودين، ومرت الشهر الماضي الذكرى الثالثة لثورة ديسمبر الظافرة، واستقبل الثوار العام الجديد بمواكب جماهيرية حاشدة سيرتها لجان المقاومة الى القصر الجمهوري، بالرغم من القوة المفرطة التي استخدمت بحق (الشفاتا والكنداكات)، لكنهم بذلوا صمود وتضحيات نبيلة، وأصدرت لجان المقاومة جدولاً ثورياً خاصاً بالشهر الحالي، وحددت فيه (6) مواكب معلنة، وهناك مواكب أطلق عليها الصدمة (غنجات)، ويتمسك الثوار باللاءات الثلاثة (لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية) وهم يرددون عالياً (ها مرة أخرى سنخرج للشوارع شاهرين هتافنا ولسوف تلقانا الشوارع بالبسالات)، هذه الجسارة البطولية تجعلنا نقرأ ما كتبه الشاعر هاشم صديق:
(لما الليل الظالم طول وفجر النور من عينا اتحول..قلنا نعيد الماضي الأول
ماضي جدودنا الهزموا الباغي وهدوا قلاع الظلم الطاغي
وفي ليلة وكنا حشود بتصارع عهد الظلم الشب حواجز شب موانع
جانا هتاف من عند الشارع.. قسما قسما لن ننهار طريق الثورة هدى الأحرار
والشارع ثار.. وغضب الأمة اتمدد نار والكل ياوطني حشود ثوار)
واليوم نحن اذ نستقبل العام الجديد نقف إجلالا وإكراما، للشهداء وبالرغم من الحزن الدفين المسيطر على نفوسنا جراء فراقهم، ومغادرتهم الجسدية لنا، لكننا سنبقى فخورين بشجاعتكم، وبما قدمتموه للشعب السوداني المعلم من مآثر الشهامة والجسارة والعطاء الوطني الصادق، ففي شجاعتكم فخرا لا يضاهيه فخر، لذلك ظل الثوار يهتفون عاليا (شهداءنا ماماتوا عايشين مع الثوار)، ونحن اذ نترحم على أرواح الشهداء الأبرار، نجدد العهد على أرواحهم الزكية بمواصلة الطريق الذي شقوه بدمائهم، بجراحهم ونضالهم، ونقول للشهداء وبالصوت العالي: (نحن على الدرب ماضون سوف نفي بوعدنا، من أجل مواصلة النضال لبناء سودان جديد) إن التاريخ يسجل إلى الأبد نضالات الشهداء، الذين بفضل تضحياتهم استردت بلادنا علاقاتها الخارجية، وتم شطب السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وإعفاء الديون، وإزالة السودان من قائمة الدول المقلقة في مجال الحريات الدينية، نعم هناك أوجة قصور وخيبات أمل في ملفات كان يجب ان تجد الاولوية في المعالجة، ومن بينها القصاص للشهداء في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة وغيرها من الانتهاكات التي طالت طالت حقوق الانسان في العاصمة والولايات ومناطق النزاع، بينما تحتل قضية استكمال السلام أولوية أيضاً، بجانب معالجة الاوضاع الاقتصادية للشعب السوداني الذي صبر كثيراً وما زال صابراً، ونحن اليوم إذ نواصل النضال؛ يجب ان نتذكر دوما وصية شهيدنا عظمة (لقد تعبنا يا صديقي لكننا لن نستلقي أثناء المعركة) هذه الوصية أمانة، وهي تاريخ متجدد.
وجب ان تستنهض الهمم والإرادة الجسورة لمواجهة تحديات الحاضر، والمستقبل والمضي قدما على درب النضال، واليوم وغدا نحن بحاجة الى الاقتداء بسيرة الشهداء في اقتحام التحديات والاستعانة بمناقبهم، وتحقيق تطلعات الشعب السوداني، وهذه في تقديري دلالة للوفاء والاخلاص للشهداء، وإنني على يقين بأن الشعب السوداني يقف اليوم بكل فخر واعتزاز وبكل ثقة وإيمان واطمئنان لاستكمال الثورة، إنه (شعب معلم) يرتكز على إرثه العظيم الخالد الممتد الى أعماق التاريخ، إنه شعب عظيم مقاتل وصبور علمه التاريخ بالإضافة الى سجاياه وخصائصه الخاصة، علمه تحمل الآلام والمعاناة، وفي هذا العام نتذكر الفصول الرائعة من ملاحم شعبنا في يناير 2019م، حيث نظم الثوار مواكباً شجاعة خاضها ببسالة وشرف، ودفع فيه من التضحيات بالدماء والدموع ما جعل ثورتنا المجيدة ترتقي متفردة في ثورات الشعوب من أجل الحرية والكرامة،حيث خاض شعبنا الأعزل الذي تسلح فقط (بإيمانه القوي).
ونحن اذ نتذكر تلك الأيام الخالدات نقف وقفة مع الذات من أجل الحفاظ على تلك الذاكرة حية، ونحني هاماتنا إجلالا لأرواح الشهداء الطاهرة ونسترشد بتضحياتهم الجسيمة، حيث أعادت أرواح الشهداء عاطفة المحبة والوجدان المشترك بيننا كسودانيين، نعم هناك حزن، وأيضا هناك روح لا تموت وعيون تذرف الدموع، وقلوب تخفق بالحب وبالشوق لهؤلاء الأحبة الذين غادرونا، هؤلاء أيضاً ثروة ثقافية وفكرية لنا، اذا قراءنا وصاياهم، اعلاه كتبنا ما قاله الشهيد عظمة، وايضا هناك الشهيد عبد الرحمن بقوله (انتو اشتغلوا شغلكم ونحن بنشتغل شغلنا)، لذلك نقترح على لجان المقاومة جمع وصايا الشهداء وطباعتها مع صورة الشهيد وسيرته الذاتية، لانه من المنتظر ان يكون لنا في المستقبل متحف كبير يحوي صور وجسارة الشهداء ووصاياهم، المقترح الثاني تنظيم برنامج زيارات وفعاليات لاسر الشهداء، تلك الاسر المكلومة والصابرة، منذ لحظة الاستشهاد وحتى يوم الناس هذا، ونحن لم نرى تلك الأسر الى ثبات عظيم، وكل اعتزازٍ وكل فخر بشهدائهم وكل ايمان وكل صدق وكل إخلاص، وكل استعداد لتقديم المزيد من التضحيات لاجل إنجاح الثورة، ولتبقى المقاومة ولتتحقق الأهداف، هؤلاء بحق أسر الشهداء محل فخرنا وسرورنا وهذا الشعب عبر عنه شاعره الراحل محجوب شريف (وحياة الشعب السوداني في وش المدفع تلقاني.. قدام السونكي حتلقاني.. وأنا بهتف تحت السكين والثورة طريقي وأيامي معدودة وتحيا الحرية)، صمود أسر الشعب يضخ في شرايين الثوار عزيمة لا تلين لمواصة طريقنا بقوة وبثبات وبطمأنينة وبشجاعة، مهيبة وصفها الشاعر الراحل علي عبد القيوم بقوله (أيا المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها.. نحن رفاق الشهداء نبايع الثورة والداً وولدا.. نبايع السودان منبعاً ومورداً).
أخيرا.. بلادنا اليوم تمر بمرحلة مفصلية، ودور لجان المقاومة كبير في تذليل تلك التحديات، والتي من بينها تفشي خطاب الكراهية والعنصرية الذي غرسه النظام البائد، فنحن نحتاج الى تصفية ذلك الخطاب الهدام، وتحصين الانتقال الديمقراطي والعمل من أجل نشر ثقافة السلام المجتمعي والتعايش والتسامح، وغياب الحكم الراشد والصراعات القبلية الدامية وغيرها، وكذلك التحدي المهم جدا هو إن وحدتنا الوطنية أغلى ما نملك، وهي سلاحنا الأقوى لمواجهة المؤامرات التي تحاك ضد لجان المقاومة، وفي الختام نردد مع الشاعر محمد المكي ابراهيم (من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصرْ.. من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدةَ والسيرْ.. من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياةِ القادمةْ.. جيل العطاءِ المستجيش ضراوة ومصادمةْ المستميتِ على المبادئ).