الجمعة, أكتوبر 4, 2024
تقاريرسياسةمجتمع

واقع مؤلم داخل سجن النساء.. سجينات ينتظرن (أيادي الخير) لتغيير الحال

كتبت: عائشة السماني

قبل أن تتحدث عن أيام اعتقالها داخل السجن بأمدرمان، ظهر الألم جلياً على محياها وهي تحاول كسر حاجز الصمت وتجاوز الآهات.. إنها أميرة عثمان (رئيسة مبادرة لا لقهر النساء)، تتحدث عن تجربتها وواقع العديد من النساء اللائي التقتهن داخل السجن وهي تغالب دموعها.

ويبدو أن الأوضاع التي وجدتها كانت أكبر من محاولات حبس الدموع، وبعد صمت دام لدقيقتين قالت أميرة لـ (مدنية نيوز) أمس الأول إنها بعد أن داهمت منزلها قوات تتكون من عشرات الأفراد الملثمين فجر يوم (22) يناير الماضي واختطفتها وتسببت في رعب كل أفراد الأسرة، توجهت بها إلى سجن النساء بأمدرمان.

معاناة

ومضت أميرة للقول: كنتُ أقول لهم إني أحتاج حماماً معيناً بسبب وضعي الصحي، وهو غير متوفر في السجن، ولم يتم الاهتمام بحديثي وفي نهاية المطاف ما كان لديّ خيار غير أن أنزل من العربة وأدخل السجن، وهناك طلبت من (السجّانة) حل موضوع الحمّام وبدورها أحضرت لي (جردلاً) ومعه كرسي، وفي الصباح حاولت أن آخذ (الجردل) إلى الحمام وتفاجأت بأنه (مشروط) وسال البول في الغرفة، وفي الحمام وضعت لي (السجّانة) كرسياً من الحديد وكان الجلوس فيه مؤلماً جداَ خاصة أن الشق الأيسر من جسمي حساسيته عالية جداً، وأخذت زمناً طويلاً كي أتمكن من الوقوف على رجليّ وأخرج من الحمام.

وأضافت رئيسة مبادرة (لا لقهر النساء): خلال (24) ساعة تعرضت لكمية من الذل والقهر والحط من الكرامة، وتم إذلالي بحوجتي الصحيّة وهو كان نوعاً من التعذيب، وفي نهاية الأمر انتفضت وحضرت مديرة السجن ومعها عدد من الضابطات وفي بادئ الأمر لم تحل مشكلة الحمّام الخاصة بي حيث كنت قد تحدثت معها من قبل، وبدأت أصرخ فيهم وقلت لهم إني لن أمكث في هذا المكان عبر هذا الوضع، وأصبحت أبكي وقلت لهن (اتركوا ناس الأمن ياتوا إن شاء الله يطلقوا عليّ الرصاص “في نص الحوش دا”، لكني لن أمكث في هذا الوضع).

وتابعت: بعد ذلك الحديث تم الاتصال بالأسرة التي أحضرت لي مقعداً وملابس، وكنت أقبع في هذا المكان لوحدي لمدة (3) أيام بعدها تم إحضار إيمان ميرغني، وهي إلى الآن هنالك.

آلام السجينات

وأضافت رئيسة مبادرة (لا لقهر النساء): كان بيني وبقية المسجونات فاصل من القضبان وتم تحذيرهن من الحديث معي، ورغم ذلك تمكنت من التواصل معهن.

وأوضحت أميرة، أن معاناتها بدأت تزيد بسبب الأوضاع التي تعيشها النساء المسجونات، وقالت: (هنالك حوالي 48 سجينة مواجهات بالمادة 130 وبعضهن حكم عليهن وأخريات في الانتظار ومعهن حوالي 6 أطفال، وكل هذا العدد يستخدم حماماً واحداً فقط للاستحمام وآخر لقضاء الحاجة، وأيضاً “وضّاية” بها عدد من المواسير، لكن ماسورة واحدة فقط بها ماء، وفي أغلب الأوقات لا يوجد امداد مائي في الحمامات، وكذلك المساحة التي تجمع أولئك النساء ضيقة ولا تسعهن، وبعضهن يلتحف الأرض وآخر يرقد في الحوش ويوجد عدد بسيط من الأسِرّة، والوضع الصحي داخل السجن مزرٍ ولا يتوفر علاج لصاحبات الأمراض المزمنة. وعلمتُ أنه قبل حضوري توفيت إحدى السجينات المريضات، وأنه لم يتم تمكينها من مقابلة طبيب، كما أن السجينة التي تكون في حالة مخاض إذا توفر لديها المال لإيجار (ركشة) يتم إيصالها للمستشفى بها، وإذا لم تتوفر لديها قيمة الإيجار تسير برجليها إلى مستشفى (الدايات) وحتى رسوم المستشفى يتم جمعها من رفيقات السجينة، وبيئة السجن سيية جداً، واكتشفتُ أنه كان يطلب من السجينات (غرف السبتك تانك) عن طريق (الدلو) وكبّه خارج السجن، وذلك لعدم توفر ميزانية إحضار عربة الصرف الصحي، التي أصبحت توفر حالياً عبر مصادرة هواتف السجينات.

ولفتت رئيسة مبادرة (لا لقهر النساء) إلى وجود استغلال مادي وجسدي للسجينات، ونبهت في الوقت ذاته إلى أوضاع (السجّانات) وضعف مرتباتهن.

وأشارت أميرة، إلى أن أغلب قضايا القتل العمد متعلقة بالفقر، مثلاً بسبب (ديك) أو (صف عيش)، كما أن هناك نساء منتظرات لمدة (11) شهراً لعدم استطاعتهن توفير محامي، وتوجد سجينة استطاعت أن تجمع الدية ولأنها مطالبة بمبلغ تجاه المحامي لم تستطع أن تكمل الإجراءت الخاصة بقضيتها. وحول المكتب الاجتماعي بالسجن، أفادت رئيسة مبادرة (لا لقهر النساء) أنه غير فعال بالصورة المطلوبة لرأب الصدع بين الأسر والقيام بالمعالجات المطلوبة، وذلك لعدم توفر الإمكانيات اللازمة.

نداء للمنظمات

وذكرت أميرة: القصص الخاصة بهؤلاء النساء كثيرة جداً، والوضع المؤلم الذي جعلني لا أنام (3) ليالٍ هو سماع (كشكشة) حديد واعتقدت عند الوهلة الأولى أن هناك من يتعرض للتعذيب حتى عرفت أن مصدر الصوت هو السلاسل التي تقيد أرجل بعض السجينات، وهذا تعذيب لهن يمتد أثره للنساء اللائي حولهن، كما أن هناك من تتعرض للضرب بالخراطيش، وحكت لي إحداهن أن رجلها مصابة بتقرح من ذلك القيد.

وأطلقت رئيسة مبادرة (لا لقهر النساء) نداء للمنظمات وقالت: (أناشد كل المنظمات التي تعمل في الدفاع عن حقوق الإنسان وخاصة المنظمات التي تعمل في الدفاع عن حقوق النساء أن ينتشلن السجينات من هذا العذاب وأن يتم دعمهن قانونياً).

وأفادت أميرة، أنها خرجت من السجن بعد (15) يوماً وازدادت جراحها عمقاً بسبب وضع النساء داخل السجن، وأبانت أنه تم اقتيادها إلى قسم الخرطوم شمال وفتح بلاغ في مواجهتها تحت اتهام متعلق بحيازة ذخيرة وأسلحة، ونبهت أميرة إلى أنه أثناء المداهمة وجدوا رصاصاً في (درج السرير)، وأوضحت أن ذلك الرصاص يخصها لأنها بطلة في الرماية منذ العام 2008 وحتى 2016م قبل أن تتعرض للحادث الذي تسبب في إعاقتها، حيث كانت (بطلة الجهورية) وشاركت في بطولات خارجية، وذكرت أنه تم إطلاق سراحها وأنها لا تزال مواجهة بذلك الاتهام.

 

تصوير: عائشة السماني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *