مآسي الحروب.. (مدنية نيوز) تنقل معاناة النازحين من داخل دور الإيواء بغرب دارفور
الجنينة: هانم آدم
ساعات طويلة ينتظر فيها الفرد دوره بدور إيواء النازحين والنازحات في غرب دارفور من أجل الدخول إلى (المرحاض) لقضاء حاجته وقد تصل مدة الانتظار في بعض الأحيان إلى (3) ساعات متواصلة في برنامج يومي درج نازحات ونازحون اتخذوا عدداً من المؤسسات مقراً لهم كدور إيواء بعد النزاعات التي شهدتها مناطقهم، وتحديداً (مركز إيواء محلية الجنينة) كنموذج، واعتاد هؤلاء على تكييف أنفسهم على هذا الوضع بسبب الضغط السكاني العالي وعدم توفر المراحيض، حيث يصل عدد سكان مركز محلية الجنينة وحدها (4) آلاف و(992) نازحاً ونازحة.
(مدنية نيوز) وقفت على معاناة أولئك النازحين والنازحات، ونقلت ما يواجههم في حياتهم والانتهاكات التي تطالهم.
مآسٍ
أوضاع مأساوية يصعب وصفها يعيشها النازحون، (رواكيب) تتوزع هنا وهناك لا تقي من شدة حرارة الصيف ولا برودة الشتاء، لا تتجاوز مساحة الواحدة (3) أمتار وتضم بداخلها أسراً مختلفة الأعداد أحياناً قد يصل عدد أفرادها إلى (10) أشخاص، كما تحولت مباني ومكاتب المحلية إلى مأوى لأعداد من الأسر.
هذه المعاناة لا تنطبق على مركز الإيواء بالمحلية فقط فهناك العديد من مراكز الإيواء بالمدينة كانت في الأصل مؤسسات دولة (مدارس ووزارات) وغيرها تحولت بين ليلة وضحاها لدور إيواء للنازحين لأكثر من عامين وتوقف العمل بها إلا مكتب أو مكتبين. ليسهم ذلك في إقعاد الولاية وتوقف دولاب العمل بشكل كلي وتحولت المدينة لدور إيواء كبيرة.
تجدد النزاعات
وبالعودة لأسباب نزوح السكان ومكوثهم في المؤسسات فقد شهدت ولاية غرب دارفور مؤخراً عدداً من النزاعات منذ العام ٢٠١٩م بمعسكر (كريندق) وتجددت النزاعات عقب ذلك لمرتين متتاليتين لتخلف مئات القتلى والجرحى وفرار عدد كبير نحو الجارة تشاد بحثاً عن ملاذ آمن.
إحصاءات
معلومات وصفت بالصادمة حواها بيان صادر عن الإدارة العامة للطوارئ الصحية بوزارة الصحة بولاية غرب دارفور جراء أحداث معسكر (كريندق) في يناير وأحداث حي الجبل في أبريل من العام المنصرم واشتمل البيان على إحصاءات تتعلق بأعداد الفارين والنازحين جراء تلك الأحداث.
ووفقا للبيانات الحكومية فإن (108) من المرافق التابعة للحكومة والمنظمات وحتى المنشآت الخاصة اكتظت بالنازحين القدامى والجدد، وحسب البيانات فإن تلك المرافق تضمنت المدارس العامة والخاصة ومباني الجامعات والكليات المتخصصة والمستشفيات والأندية والمساجد ومقار المنظمات والوزارات والمؤسسات الحكومية ومباني المحاكم والشرطة والنيابات والميادين.
ووفقاً للبيانات الحكومية وقتها فإن عدد المشردين جراء أحداث العنف التي تعرضت لها الجنينة في العام 2021م بلغ (315,348) مشرداً ومشردة في (108) مراكز للتجمعات ضمت (52,558) أسرة.
حتى أن والي ولاية غرب دارفور وقتها محمد عبد الله الدومة، أعلن الولاية منطقة منكوبة.
وطوال هذه الفترة ما تزال قضية النازحين بالمؤسسات لم تراوح مكانها، وهناك مجهودات قام بها الوالي الحالي خميس أبكر، لإعادتهم بجانب تدخل عدد من المنظمات غير أن للنازحين رأي في هذه العودة وتظل الأزمة قائمة وتظل مطالب النازحين بتوفير الأمن والحماية هي أبرز ما ينشدونه.
معاناة
وكشفت جولة (مدنية نيوز) بمركزين من مراكز الإيواء حجم المعاناة التي يعيشها النازحون والنازحات.
(قعدنا جَبُر)
(قعدنا جَبُر) بهذه الجملة ابتدأ شيخ مركز إيواء محلية الجنينة سليمان عبد الله، حديثه لـ (مدنية نيوز) أمس الأول، واصفاً ما يعانونه داخل مركز الإيواء من صعوبات، خاصة عدم توفر المراحيض بصورة كافية لكل ذلك العدد الأمر الذي له انعكاساته السلبية.
وذكر شيخ المركز: (قعدنا جَبُر والحمامات غير متوفرة، وحتى الموجودة فهي بالصف وبإهانة وتلتلة)، وكشف عن معاناة في توفر الأواني لأن معظم النازحين تركوا خلفهم كل مايملكون، وقال: (الأواني الموجودة الكلب لا يأكل فيها فما بالك بالإنسان!)، وأبدى رغبتهم في العودة لقراهم التي نزحوا منها من قبل ورهن ذلك بتوفر الأمن، وزاد: (إذا توفر الأمن فكل النازحين سيعودون بلا شك، لأن الرواكيب التي يعيشون فيها لا تقيهم من هطول الأمطار في فصل الخريف والمكان لا يطاق، بجانب عدم وجود مشمعات كافية).
وتابع شيخ المركز: (حالياً لا يوجد شخص رجع وكل ما يقال عن أمر العودة غير صحيح، وحتى الذين رجعوا في الخريف رجعوا لأن منازلهم لم تحرق وبالتالي لديهم ما يحميهم من الأمطار)، وأردف: (حتى الجمال دخلت الحي وإذا حدث أيء شي لا قدر الله فسيطالبوا بفدية)، ولفت إلى عدم توفر مال لدى المواطنين لسداد تلك الفدية، واستشهد بوفاة شخص خلال الفترة الماضية بمنطقة (أزرني) ومطالبة ذويه بفدية تصل قيمتها (٥) مليارات جنيه، وأردف: لذلك لابد من توفير الأمن أولاً وسوف يعود الجميع إلى مناطقهم دون أن يُطْلب منهم ذلك).
شكاوى الأهالي
مقرر لجنة المركز ماينيس حسن محمد، الذي نزح من قريته (جولي) للمرة الأولى بسبب انعدام الأمن وحرق القرية، ومن ثم نزح مرة أخرى من (كريندق) أيضاً بسبب الأحداث ليستقر في مركز إيواء المحلية، قال إن أي مسئول إذا كانت لديه مقدرة إدارية فليناقش جذور الأزمة ومسببات النزوح، وطالب المسئولين بالتحدث مع من وصفهم بأصحاب الوجعة الحقيقيين وليس ساسة النازحين وعمدها (بحسب قوله).
وانتقد مقرر لجنة المركز الاحتفالات التي تقام بعودة النازحين وتساءل: (إن كان النازحون قد عادوا فمن هؤلاء الموجودين بالمراكز؟)، وأشار إلى ضيق مساحة مركز إيواء المحلية وكثرة عدد القاطنين فيه، وفي مساحات ضيقة بدون فواصل، الأمر الذي يؤثر على الوضع الصحي، ولفت إلى توقف العاملين بالمركز الصحي عن العمل لعدم صرف الاستحقاقات المالية من الجهة الداعمة، وأشار إلى وجود حالات إسهالات وحمى نسبة للتردي البيئي وعدم توفر المراحيض الكافية، وأوضح أن هناك مرحاضين ثابتين فقط صالحين للاستخدام، وتوجد مراحيض أخرى أبوابها مكسرة ولا تصلح للاستخدام، وذكر أن هذا الأمر يجعلهم يقفون صفوف لدخول (المرحاض)، ويواجهون معاناة شديدة في هذا الجانب، وقال إنهم رفعوا هذا الأمر لمكتب الشكاوى ولكن دون جدوى.
أما في جانب توزيع الكروت التي تصرف من خلالها الاحتياجات عبر عدد من المنظمات العاملة في المجال، قال ماينيس: لقد تم تسليم (٣٥٠) كرتاً فقط من جملة المتواجدين في مركز الإيواء، وهؤلاء يستلموا حصتهم من الذرة البالغة (14) (كورة) وأحياناً تكون (12) وقد تنخفض إلى أقل من ذلك، بجانب نصف (جالون) زيت و(3) كيلو عدس وملح للأسرة الواحدة. حيث يتم تقسيم هذه الحصة بين الذين لديهم كروت والذين لا يملكون.
وأكد مقرر لجنة المركز وجود حوجة للإيواء خاصة وأن موجة البرد ما تزال مستمرة، بالإضافة إلى أن الذين يذهبون للمدارس لا يوجد أي دعم لهم.
أوضاع غير لائقة بالإنسانية
ومن جانبه وصف النازح قمر الدين يحيى، الأوضاع التي يعيشونها بأنها لا تليق بالإنسانية، وقال إن المساحة التي يسكنون بها كأسر لا تصل إلى حدود (3) أمتار، ووجه صوت لوم لوالي ولاية غرب دارفور قائلاً إن الوالي لم يأتِ لتفقد أحوالنا، وطالب بضرورة مراعاة أوضاع النازحين لصعوبة العودة لمناطقهم نتيجة انعدام الأمن، وتابع: (إن وجدت قوة أمنية تقول إنها لم تتلق تعليمات بالتدخل حال تطلب الوضع الحماية).
انتشار الحميات
النساء والأطفل من أكثر المتضررين من الحرب، حيث أشارت ممثلة المرأة بمركز المحلية فاطمة حسن عبد الله، إلى معاناة النساء والأطفال داخل مركز الإيواء، وأشارت إلى أن معظم المتواجدين بالمراكز يعانون من الحميات، بالإضافة إلى نقص الأدوية.
أما جانب التعليم فقد أوضحت ممثلة المرأة بالمركز أنه معدوم تماماً (قررت الحكومة ألا يتم قبول أطفال النازحين بمدارس المدينة، وطالبت بأن يواصلوا تعليمهم بمدارسهم في المناطق التي نزحوا منها)، وأضافت: (لدينا أطفال صغار لا يمكن أن نتركهم يعودوا لمدارسهم بالمنطقة التي نزحنا منها لانعدام الأمن في الشارع). وتساءلت: (كيف لطفلة أو لطفل لم يتجاوز عمره “7” سنوات أن يقطع كل هذه المسافة حتى يصل لكريندق)، وكشفت عن واقع التعليم بقولها: (ليس لدينا أطفال يدرسون بمراكز الإيواء).
وقالت ممثلة المرأة بمركز إيواء محلية الجنينة: (الحكومة طالبتنا بالعودة لـ “كريندق”، ولكن كيف لنا أن نعود عودة تلقائية والأمن لم يتوفر لنا؟، وحتى القوات الموجودة لم تستطع حمايتنا في الأحداث السابقة، وتابعت: (الأمن شيء حسيٌّ لابد من أن نشعر به ومن ثم نقرر العودة).
ولفتت فاطمة حسن، إلى أن معظم الذين عادوا لم يحصلوا على مشمعات تقيهم أمطار الخريف، ولأن منازلهم هناك لم تحرق فاضطروا للعودة، وهناك من يعودون لجلب الحطب فقط وآخرون لأجل توفير (القش) لمواشيهم وفي صباح اليوم التالي لعودتهم يرجعوا مرة أخرى للمركز، وواصلت في حديثها: (هذه ليست عودة لأن معظم الذين يقال إنهم عادوا عودة طوعية يذهبون لقضاء احتياجاتهم ومن ثم يرجعوا إلى مركز الإيواء في الصباح).
وأبانت ممثلة المرأة في مركز الإيواء بمحلية الجنينة أن النازحين ليس لديهم غذاء لذلك يتم خداعم ببعض المواد الغذائية، وهم بدورهم ولحاجتهم يستلموا تلك المواد ويعودا مرة أخرى لمركز الإيواء.
ورأت فاطمة، أن معظم الذين يزعمون أنهم عادوا لمناطقهم هم مواطنون من داخل المدينة وليسوا بنازحين ولكنهم ينتحلون صفتهم، وأن البعض منهم ليست لديهم أية علاقة بالنزوح.
والمركز الثاني الذي شملته جولة (مدنية نيوز) هو مركز الإيواء بمدرسة الزهراء وهو ليس بأفضل حال من سابقه فالنزوح مشترك والتكدس السكاني مشترك والمعاناة واحدة، حيث تحولت الفصول إلى مساكن للأسر، ولم تكف تلك الفصول فبنيت (رواكيب) في مساحات صغيرة ومتلاصقة لتستوعب كل النازحين.
تومة أبوبكر، التي اتخذت مدرسة الزهراء مقراً لإيوائها هي وأطفالها التسعة بعد فرارهم من معسكر (كريندق) بعد أندلاع الحرب ما تزال تعاني جروحاً لم يستطع الزمن أن يمحوها من ذاكرتها، وقالت: حملنا جثثاً على أكتافنا مع أعمامي ودخلنا المدينة حيث قتل (3) من أبناء عمومتي بجانب شقيقي وقد سبقه شقيقي الأصغر في أحداث (كريندق) الأولى.
وللوقوف على معاناة النساء على وجه التحديد في مراكز الإيواء أعدت (مدنية نيوز) تقريراً منفصلاً تم نشره بعنوان: (حرائر دارفور.. نساء في دور “الإيواء” يواجهن أهوال الحرب) على الرابط: