الخميس, نوفمبر 21, 2024
مقالات

قراءة لمشهد مغادرة حميدتي الخرطوم إلى غرب دارفور

بقلم: محمد بدوي

في وقت وجيز وخلال خمس سنوات (2014 – 2019)، وصل قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو” حميدتى” للسلطة في السودان  الأحداث خلال تلك الفترة تمثلت فب قطع العلاقة مع قوات حرس الحدود وتغيير مسماها إلى الدعم السريع سبق ذلك أشهر تلقت القوات التدريب العسكري في الخرطوم في عدة معسكرات تتبع للقوات المسلحة، الحدث المهم و تغيير الإشراف من مظلة جهاز الأمن والمخابرات آنذاك إلى إشراف القوات المسلحة ، ثم بدء التعدين عن الذهب بأليات حديثة فى منجم جبل عامر بدارفور عقب ذلك المشاركة الرسمية فى حرب اليمن، خطوة لاحقة فك علاقة الإرتباط مع القوات المسلحة عبر إجازة قانون الدعم السريع فى2017، بعد ذلك المشاركة فى حملة جمع السلاح بإقليمي دارفور وكردفان ثم تسجيل الحضور فى الخرطوم فى 19 ديسمبر2019، فى ذات اليوم أطلق حميدتى تصريحا مهما حدد بها موقفه بأن الدعم السريع لن يشارع فى قمع المتظاهرين، ظل مرابطا حتى ظهوره في المسرح السياسي أبريل 2019 في المجلس العسكري الإنتقالي الذي تغيرت فيه اوجه المشاركين كثيرا لكن ظل حميدتي ثابتا في مقعده، سياسيا برز نشاط حليفه طه عثمان الحسين في مايو 2019، قادما إلى الخرطوم التى غادرها بوثيقة سفر سعودية وفقا لوسائل الإعلام آنذاك فى يوليو2017،لكن سرعان ما سيطر حميدتى كأصيل على المشهد الذى أبتعد او أبعد عنه طه الذى كان ينظر إلى حميدتى وكيلا مؤقتا يقوده إلى السلطة، انتقل حميدتى إلى المجلس الإنتقالى السيادي عقب التوقيع على الوثيقة الدستورية 2019، حيث شغل منصب للمرة الثانية تحت مسمي نائب الرئيس، دون النص عليه فى الوثيقة الدستورية 2019، دون ان يتطرق لذلك اي طرف سياسي بشكل رسمي.

ظهر الصراع حول السلطة بين المكون العسكري قبل التوقيع على الوثيقة الدستورية 2019 ،فى حادثة فض الإعتصام، لكن أدار الاطراف الحالة فى صمت بينهما لتتري عدد من المحاولات الإنقلابية، حتى برزت نقطة التحول فى محاولات رئيس الوزراء السابق لبدء فتح ملف مقترح دمج الدعم السريع فى 2022، أعقبتها حادثة فشل إنقلاب سبتمبر2021، ليأتي إنقلاب أكتوبر2021 فى توقيت سبق زيارة رئيس الوزراء السابق الدكتور حمدوك إلى السعودية التى سبقه إليها وفده الإعلامي للتحضير، ليفض التلاقي بين حمدوك والبرهان حول مقترح دمج الدعم السريع، وإنهاء المحاولات الانقلابية بان تم الربط بين مصير هالمكون العسكري فى مواجهة الشارع، ليكون ما سيحدث من ردة فعل تشملهما معا،لكن مضت سبعة أشهر ونيف و كل طرف يحاول الدفع بتسريبات تعزز من مسئولية الطرف الاخر فى فض الإعتصام لتبرز كقضية محورية مرة أخري فى السياق بين الطرفين، بعد شهرين من فشل الإنقلاب تم التركيز على ارتداء القوات التى تواجهه المحتجين بالقمع فى الشارع أزياء قوات الشرطة،فى إشارة إلى عدم الثقة و محاولة كل طرف التربص بالأخر.

التطور الذي وصله فشل الإنقلاب والتدخل السعودي الأمريكي للتوسط بين المكون العسكري يبدو أن البرهان قد أعد له لتبرز على أجندته مرة أخري جند دمج الدعم السريع، وخطوات تكتيكية توحى بقبول تسوية تشملهما معا،والتى قد تطور لإعادة سيناريو سابق في أكتوبر2021 بالخروج الآمن لأحدي دول الخليج، و هنا صار الحال مقتربا من إعلان مليونيه 30 يونيو.

بالنظر إلى سجل الاحداث المرتبطة بحميدتى )2014 – 2022 ) حملت وصوله للسلطة فى الخرطوم لكن حمل السجل أيضا إعلان عودة طويلة إلى دارفور والتي يمكن قراءتها فى سياق المناورة برزت الحجج التى حاول بها تبرير عودة إلى غرب دارفور الجنينة، انه مكث بالخرطوم لثلاث سنوات فيما ظلت التوترات بغرب دارفور مستمرة و بلا حلول، النظر للأمر يأخذ الذاكرة إلى النظر مرة أخري التقارب بينها وسيناريوها موسى هلال الذي قدم الخرطوم فى 2007 ليشغل منصب مستشار بديوان الحكم المحلي لكنه عاد مغبونا مرة اخري إلى دارفور فى 2013، يبحث عن السلطة عبر مجلس الصحوة و الثروة فى جبل عامر النقطة الجوهرية أن علاقة القوات ذات الخلفية التاريخية بالمليشيات و السلطة علاقة تبعية غير مستقلة على نسق نشأتها، بروز أي تحالف بين حميدتى وبعض قادة حركات سلام جوبا2020 يقع فى ذات دائرة التصنيف التبعية لأنها تفتقر للاستقلالية المالية فى ظل شح مواردها وتأجيل المنحة الدولية لتنفيذ الأتفاق،الأمر الثاني شكل التحالف هو بين القادة لأن قوام القوات غير معنية به باعتبار أن الموقف نشا بعد التفاوض الذي بدأ بين الحرية والتغيير والمكون العسكري، الذى نفض حميدتى يده من غزله بشكل غير صريح بمأمورية ال90 يوما إلى غرب دارفور ولعل المتابع للأحداث يقف على أن أهدافها يرجح أنها مرتبطة بمحاولة لتعزيز توازن القوي باعتبار غرب دارفور المنطقة التى ناله منها خصمه البرهان منذ بدء الفترة الإنتقالية بمحاولة التشتيت عن طريق الصراعات بين مكونات علاقات الإنتاج ،ووضع الدعم السريع سواء بشكل فردي أو رسمي طرفا فى الأحداث، ،حركة حميدتى بالجنينة تشير الى انه يعمل عبر عمليات الصلح بين المكونات المتصارعة الى الانتهاء الى تحالف قبلي عريض، يصب فى صالح ودعم الدعم السريع ليظهر كقوي إجتماعية مؤثرة و غير معزولة وممثلة للتحالف الإجتماعى عسكريا، فى الراهن او قد تمضي الخطوة إلى مرحلة الهندسة الادارية لتنتج نفوذا يسنده مستقبلا فى ظل مساندة مقترح الإنتخابات التى قد تجد قبول لدى بعض القوى المدنية سياسية من دعاة التفاوض والحلول التشاركية وكمخرج للإنقلاب.
فى تقديري أن حميدتى يعمل على تحسين صورته عبر محاولات فك الإرتباط بينه وفض الإعتصام وتحميلها للجيش، ومن ثم قد تأتى خطوة العودة السياسية إلى الخرطوم فى وضع يظن أنه اقوى وبمكنه من التفاوض والضغط عبر كرت الانتخابات المبكرة.

الجدير بالذكر بأن سفر حميدتى المفاجئ إلى دارفور والبعد من الخرطوم مع إقتراب مليونيه 30 يونيو عملية تهدف إلى خلق قطيعة بين الدعم السريع والانتهاكات المحتملة ووقوعه وتحميلها للجيش أيضا بشكل يعكس من الصورة النمطية ولا سيما الشعار والمطلب المفصلي دمج /حل الدعم السريع أو فى القول فى اسوء الفروض أن السوء له مراكز متعددة.

بالنظر الى الأحداث التى تم فى مدن، نيالا، الجنينة ثم الفاشر من تخريب ونهب مقار اليوناميد لا تنفصل من صراع المكون العسكري حيث التخريب نسف لمجرد التفكير فى إستغلالها فى حالة للطواري كمقار عسكرية لكن موقف حركة تحرير السودان قيادة الأستاذ/عبدالواحد محمد نور الذى يذهب إلى حل المليشيات كمطلب نسف اي تقارب بينه وحميدتى كان سيمكنه من دخول جبل مره كملاذ عسكري آمن فى حالة تراجع الصراع . بالنظر إلى سيناريوهات المصالحة فى غرب دارفور و بالتحديد مناطق جبل مون و ما يكشف حرص حميدتى على التهدئة بين المسيرية جبل و بعض بطون الرزيقات هو إطلاق لفظ العرب على المسيرية جبل بغية تقريب الشقة و سياسيا تعزيز للتحالف المستقبلي الذى يعطي ميزة عسكرية هى السبيل الآمن إلى جبل مون كمنطقة محصنة على غرار جبل مره وأن كانت بشكل أقل إستراتجية.

فى سياق قياس التحالفات المحتملة على سبيل المثال بين حميدتي و حركة د الهادي التى تحظي بمنصب الوالي بشمال دارفور، الجنرال نمر عبدالرحمن غير ذات اثر كبير إذا تمعنا فى مواقف منى مناوي التى رغم أنه حرص على بقاء علاقة سلمية وقريبة مع أكبر المكونات البرتي الإ أن جملة خطواته متقلبة بالإضافة إلى سجله مرتبط بقصر فترات التحالفات إلى جانب ضعف الحركة سياسيا أضف الى ذلك أن اتفاق جوبا نص على دمج الحركات التى تحت الترتيبات الامنية تحت القوات المسلحة، من ناحية ثانية المراقب لموقف الدكتور جبريل ابراهيم من التحالفات فقد ظل بعيدا عن حميدتى وقريبا من البرهان،فى تقديري انها نابعة من إستراتجية ترتبط بعلاقته بدولة قطر فى خريطة علاقات و صراع المحاور و جود دولة الامارات لاعب فاعل فى المسرح، ذلك قد يفسر فخوي وتوقيت تصريحاته التى تبدو سياسية تحت تفويضه كوزير للمالية مثل الكشف عن عرض ايجار صفقة منطقة الفشقة و الميناء الجديد ببورتسودان بولاية البحر الاحمر لكن محصلتها انها رفعت الانتباه اليها و اثارت مسالة الإستقرار كخطر تهابه رؤؤس الاموال ليضع الأمر بشكل غير مباشر أمام الشارع تحت لفت الإنتباه لصورة الدول التى تتحالف مع العسكر من اجل مصالحها فى موقف معاكس للشارع، و هو سؤال مستقبلي مرتبط بالعلاقات المستقبلية و إحترام حقوق الشعوب .

وصول حميدتى الي الخرطوم والسلطة ثم العودة الى دارفور للتحضير لعودة مستقبلية كانت ستنجح مع هلال الذى عاد اليها معتقلا والسبب ان الواقع المتحرك لا يقف مزاج الامنيات، فوق ذلك كله النظر الى المكون الذي يساند التفاوض بعيدا عن اللاءات الثلاث التى يتمسك بها قطاع واسع من الشارع، سيتراجع امام تقدم مليونيه 30 يونيو2022 وشعارات التغيير الجزري الأمر الذى كشف عن تضامنا دوليا مساندا له فى صيغة الدولة المدنية، ومناشدات حماية المحتجين السلميين من دول عديدة منبعها الموقف السياسي الداعم لتحول ديمقراطي و الحكم المدنى كرؤية عززها إنقلاب اكتوبر2021 الذى فشل حتى ومرور سبعة أشهر، النقطة الجوهرية الأخري أن التردي الاقتصادي دفع حتى من كانوا على الحياد قبل اكتوبر2021 الى موقف مساند للشارع، مع حالة تجميد المساعدات من المجتمع الدولى بما يشير الى إن الفرص السياسية صارت مكبلة، وأن الوصول للسلطة وأن تمكن منها الدعم السريع فأنها إعادة للوقوع فى الفخ منفردا دون الجيش و هو مربط الفرس، فالجيش الذي يكاد يمتلك كتالوجات للانقلابات العسكرية اخر تجاربه انقلاب فاشل فى أكتوبر من كل النواحي رهان الدعم السريع على الروس رهان خاسر و الا لكان ذلك أجدي للمخلوع البشير فى2017 .

الخلاصة: ترك المعركة السياسية الفاصلة بكل مقترحاتها و اللجوء الى غرب دارفور ليس سوي قلب للأجندة فى مرحلة حساسة تشير إلى ضعف الحساسية السياسية وتكشف اعتماد الدعم السريع علي حميدتى كمحور وحيد وهي نقطة الضعف التى دفع بها مجانا إلى المسرح الوطني والإقليمي بشكل يجعل جدواها السياسية خصما عليه و فى مسرح لم يعد الشارع والمجتمعين الإقليمي والدولي على استعداد للصبر أكثر على صراع يصعب الوثوق بتصريحات قادته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *