حبك للناس خلاني أحبك تاني
بقلم: حيدر المكاشفي
(فيك الإحساس نساني أعيش أحزاني.. ما إنت نغم رنان في خيالي.. ما إنت عشم فنان زي حالي.. عارفك ساحر أزمان قبالي.. تسحر أزمان جاياك وليالي). العنوان وما بين القوسين مقطع لأغنية للفنان المثقف والشاعر والمُلحن والمُطرب والباحث في التراث الشعبي السوداني، عبد الكريم الكابلي، الذي نسأل الله له الشفاء التام من الوعكة التي المت به مؤخرا والزمته سرير المرض، بقسم العناية المركزة في أحد مستشفيات ولاية ميتشغان الأميركية، التي يقيم فيها مع بعض أفراد أسرته، وقد حملت الأنباء عن تحسن نسبي في صحته، نسأل الله أن يسبغ عليه تمام الصحة والعافية، حتى يتمكن من تحقيق رغبته الشديدة في العودة الى الوطن كما أفاد ابنه عبد العزيز، وكان الكابلي قد زار البلاد بدايات العام 2020 بدعوة كريمة من منتدى دال الثقافي، وأمطر ليالي الخرطوم لؤلؤا من نرجس، وأما أغنيته موضوع احتفائنا برمزنا الغنائي كابلي ودعواتنا له بالشفاء والعافية، فقد احتشدت بما يعرف ببوح العارفين الذي عبرت عنه ببراعة العارفة بالله رابعة العدوية فى قصيدتها التى تقول فى جزء منها (أحِبُكَ حُبَيْنِ حُبَ الهَـوىٰ وحُبْــاً لأنَكَ أهْـل لـِذَاك.. فأما الذي هُوَ حُبُ الهَوىٰ فَشُغْلِى بذِكْرِكَ عَمَنْ سـِواكْ..وامّـا الذى أنْتَ أهلٌ لَهُ فَلَسْتُ أرىٰ الكَوْنِ حَتىٰ أراكْ)..هذا التداعي حول الحب المتسامي المتجاوزٌ لمفهوم الحبِّ الضيق الى رحاب الفضاء الانساني الواسع والدافع لحب الخير وبذل المودة لكل الناس الا من أبى، فرضته علي حب جمهور واسع للكابلي الذي يحتاج منهم اليوم لرفع أكفهم تضرعا لله بأن يمن عليه بالشفاء حتى يتمكن من العودة الى رحاب الوطن حسب رغبته.
والشاهد هو أنني في مثل الظروف التي تعايشها بلادنا هذه الأيام من أكثر المؤمنين بسيادة قيم الحب والتسامح والتصافي بين مختلف مكونات فسيفسائنا السياسية والاجتماعية والثقافية فيما عدا الفلول والفاسدين ودعاة العنصرية والقبلية، وذلك على الطريقة السودانية الراكزة في وجدان وميراث أهل السودان، اللذين اشتهروا بين أمم العالم على مر الزمان بالاخاء الصادق والتسامح والإيثار على ما بهم من شح وخصاصة، فليس عيبا ولا أظنها بدعة سيئة أن نحتفي بالقيم الجميلة والخصال الكريمة ونحث عليها، وعلى رأسها الحب والتسامح، وأن نجعل لها يوما نذكرها فيه ونراجع أنفسنا ونحاسبها على تقصيرها في الوفاء بمعانيها في سلوكنا وتفاصيل حياتنا ودقائق معاملاتنا، نقول ذلك احياءا لسنن صحيحة واحتفاء بقيم نبيلة وخصال إنسانية راقية لا تعمر الحياة ولا يروق العيش في هذه الدنيا اذا انعدمت بين الناس، ولكم أن تتخيلوا الجحيم الذي سيصطلي به البشر اذا تلاشى الحب بينهم وسادت الكراهية والبغضاء، وانزوى التسامح وانبرى الحقد والانتقام.
لا شئ يمكن انجازه على الوجه المطلوب بغير حب، ولا يمكن لبشر أن يجتمعوا على صعيد واحد بغير تسامح، فالحب مصفاة القلوب، والتسامح زادها ودواؤها، فلنجعلهما شعارا لحركاتنا وسكناتنا، نختلف ولكن بود، فاختلاف الرأي لا ينبغي أن يفسد للود قضية، نتدافع في شؤون الحياة وتتشعب مسالكنا فيها، نتجاذب ونتنافر، ولكن بالقول السمح والكلام الطيب وقبول بعضنا بعضا، فخطاب الكراهية لا يورث الا المزيد من الخلاف والشجار، والكلمة الحادة لا تجلب الا حدة مضادة وبسببها يحتد النزاع ويتفاقم الصراع، والغلظة في القول والفظاظة في الحديث لا تقابلها الا فظاظة وغلظة من جنسها، وانفضاض الناس من حول قائلها (ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك)، هكذا خاطب الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات، وأهلنا يقولون الكلمة الطيبة بخور الباطن.. لقد سئمنا قاموس التنابذ والتشاتم والتهاتر، ونتوق الى فتح أولى صفحات الاجتماع على حب والافتراق على ود والاختلاف بمحبة، وعلى الذين يجيدون القول الحسن والكلام الطيب أن يتقدموا الصفوف ويزيحوا من أمامهم أهل الفحش في القول والخطاب.