السبت, يوليو 27, 2024
مقالات

غريبةٌ في وطني.. في زمن الحرب

رحلات مرهقة

كتبت: صفية الصديق
عند فراري من الحرب في الخرطوم، في أبريل 2023 خرجت وتركت حلمي خلفي!!.. لا اعرف لماذا تذكرت أن أحمل جواز سفري معي فقد فقدت كل أوراقي الثبوتية دونه في السرقات المتكررة في الآونة الأخيرة في الخرطوم، ليس لدى أدنى فكرة لماذا هو بالذات، حيث أنني مقتنعة بأن هويتي غير مربوطة به كما أنني لا أخطط للسفر خارجاً لكنها الحكمة الإلهية (على قولة والدي) فالآن لا يمكنني الخروج بدونه في ظل تصاعد خطاب الكراهية ضد الأجانب وهذه فعلا حربٌ موازية حيث أن ملامحي تشابه ملامح مواطني دولة أفريقية أخرى، إذن أنا متهمة بتهمة أجنبية باستمرار خصوصا وأننا قبل الحرب ننظر لهذه الملامح بدونية وعنصرية.
بعد الحرب صارت رحلاتي داخل بلدي وحدودي وكياني مرهقة فإن نسيان جواز سفري قد يكلفني الكثير؛ في محطات سفري بين ثلاث ولايات أنا المرأة الوحيدة التى اتعرض للتفتيش والسؤال المستمر وباستفزاز عن هويتي؛ تؤلمني جداً الحرب على شكلي ومظهري (تاني ماتلبسي الطرحة دي عشان مانقول إنتي…) هي حربٌ على ملامحي ويا ويل أصحاب الهوية الأساسية إن أصبحوا فريسة في تلك المحطات!!.. فقد يشفع لي جوازي في العبور.
في رحلة الخمس ساعات كنت اتعرض للتفتيش والسؤال في أكثر من عشر محطات مرهقة، مرة اختبار الكلام ومرة السؤال عن الهوية ومرات كثيرة تفتيش أغراضي الشخصية (كيف لا وأنا متهمة بحسب شكلي!!)؛ في العادة أحب السفر والمتعة بكل تفاصيل الرحلة فإن عيناي لا تنقطع عن النظر للطريق فأنا أعشق السودان وطرقه هي ذاكرتي الوحيدة؛ لكن رحلات بعد الحرب رحلات ثقيلة كلفتني كثيرا كيف لا وأنا في كل محطة أتحسس سودانيتي وأتحسر على شعب مسالم فتح لكل ناجي من الحرب أبوابه لم ينظر لهويته بل حاجته للنجاة وأنا وشعبي نعاملهم مبدأ مجرمين ولو كانوا عكس ذلك.
يا للهول؛ فأن أفكر كثيرا قبل أن أرتدي ملابسي فقد تشبههم وأنا لا أريد الخوض في هذا الامتحان لا أريد نكرانهم كأنهم شيء سيئ، ولا أريد أن أقف بهذه المحطات لأنها تمحي إنسانيتي وتجبرني على الإنكسار، وأنا المصادمة التي تعودت على السكوت وهم يجرون شباب من أمامي بتهمة اللون والعرق، وأنا الجريئة التي تعودت البكاء وخوض حرب مستمرة مع أخلاقي ومبادئ مستميتة في اثبات سودانيتي لإخوتي دعاة الحرب على الشكل والناس.
في زمن الحرب إننا نخوض حروب الكراهية ورفض الآخر، نخوض حروبٌ تدمر سلامنا الداخلي تهدم قيمنا وتكسر إنسانيتنا، حروبٌ تجعلني استعرض مسلتزماتي الشخصية،ملابسي، الأواني التي اشتريتها من السوق، عيدان البخور وشتول المهوقني، حقيبة يدي وهاتفي يا ترى ماذا أحمل داخلهم، وهل كوني أجنبية أو بملامح أجنبية تهمة؟؟ يا إلهي (عشان كدا لازم تقيف)..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *