منبر.. جنيف الأخرى
بقلم: منذر مصطفى
اشتدت وتيرة الاثارة والترقب لمخرجات منبر سويسرا الامريكي، ومن المتوقع أن يعلن توم بيرلو نهاية الديربي الدموي بين فصائل أخوة مسيلمة، وإفراغ ذخائر المتقاتلين واسكات اصوات البلالة والجغامة في مواقع التواصل الامريكية، تمهيداً لعودة الحياة الطبيعية في الوطن الحبيب، مدفوعة برافعة حوافز إعادة الإعمار (سناريو حالم).
أو هكذا تم تصوير الراهن وإنعكاسات منبر (سويسرا) عليه، حيث يقبع وفد كبير المقام من الأمن الشعبي وأن شئت قل المؤتمر الشعبي، او كما يسمون أنفسهم الوفد المفاوض لقوات الدعم السريع، ويتابع من غرفة الاتصالات المركزية وفد قيادي من الجيش ومعه قيادات (المؤتمر الوطني)، ومن ايطاليا تتابع لجنة أوروبية حيثيات السيناريوهات المحتملة، حيث الحليف القديم والجديد على طرفي النقيض.
تريد أوروبا لهذا الصراع أن يكتمل ولا تريد تحمل تبعات ذلك، حيث موجات اللجوء الضخمة التي تحملها قوارب الموت من شواطئ ليبيا بعد أن يفر إليها ملايين النازحين داخلياً بعد انتقال الصراع للإقليم الشمالي، وبات الأمر وشيكاً حيث يريد (المؤتمر الشعبي) دخول جولات التفاوض ممسكاً بملف المياه، مما يدفع مصر للتنازل عن دعم (المؤتمر الوطني)، لا سيما وهي تدير ملف الهجرة بالإنابة عن الاوربيين، مما يشكل ضربة موجعة، ويظهرها كبديل هش في القتال بالوكالة ويجد موقف روما المتماهي مع (الدعم السريع) أذان صاغية في باريس ولندن.
إن اجتياح الدعم السريع للإقليم الشمالي حال تعسر جنيف، سوف يجعل العملية العسكرية شديدة الضراوة والقسوة، وسوف يستبسل الجيش بصورة غير مسبوقة، لأن الرابح في هذه المعركة سوف يفوز برضا الاوربيين، وتعميده كـ (مليشيا) موالية ودعمها بما يزيد عن مليار يورو من المكافآت سنوياً، منها 500 مليون يورو كانت مخصصة لملف حقوق الانسان، يا للسخرية.
السؤال: هل موقف أمريكا الذى يريد حلاً للأزمة بالسرعة القصوى سوف يتحرك نحو أوروبا الراغبة في إطالة الصراع حتى يصل مرحلة التوازن الطبيعي، حيث الاطراف الاقليمية تتحمل وزر استمرارها وفي نفس الوقت لا تريد ويلاتها أن تعبر إليها عبر البحر وتتخذ وضع الغير مبالي ظاهرياً لإجبار الولايات المتحدة على الجلوس معها لإنهاء صراع الخرطوم.
معظم المواطنيين السودانيين يثقون في أمريكا ودبلوماسيتها، لكنهم يدركون بأن تبني موقف أوربي امريكي من صراع الخرطوم ليس أمراً سهلاً، وعبروا عن ذلك بموجات اللجو نحو ليبيا: تمهيداً لركوب القوارب، مما اضطر القوات المسلحة قفل الحدود أمام المهربين، مما يجعلها في وضع لا تحسد عليه (لا تدافع عنا وتقفل الحدود في وجهنا – متداول).
معظم السكان يعلمون بأن (الدعم السريع) سوف يقاتل بشراسة في معركة الإقليم الشمالي، وسوف يرتكب فظائع غير مسبوقة، مع العلم أن سجلها في حقوق الانسان في غاية الغتامة، وهذه المرة سوف يصطدمون بمتغير جديد: منع القوات المسلحة للمواطنين من النزوح بإتجاه ليبيا أو حتى مصر.
الحرب حال فشل منبر جنيف سوف تتحول في أجندتها وطبيعة التحالفات التى سوف توجدها، أو تلك التى تعمل للوصول اليها، وقد يحدث الأسوأ حيث تعود الصراعات بين أوربا وأمريكا لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية (السودان ساحة المعركة: التجريبية).
منذر مصطفى، باحث بمركز السياسات العامة- السودان، 19 أغسطس 2024.