الإثنين, سبتمبر 16, 2024
تقاريرسياسة

رحلة نزوح بطعم الألم.. جبل الدائر.. قصص وحكايات ترسم حجم المعاناة

بحر أبيض: منى النور

لم يجد نازحو قرى جبل الدائر الهاربين صوب ولاية النيل الأبيض، ملجأً يجمع شتات شملهم ويطيب اوجاعهم سوى استاد مدينة ربك، بعد تعرض قراهم الوادعة التابعة لولاية شمال كردفان لهجوم غادر من قبل مليشيات الدعم السريع التي انتهكت أعراضهم وشردتهم، ونهبت أموالهم ومخزون القرية من المحاصيل الزراعية، وقتلت شبابهم وشيبهم دون رحمة، واليوم يعيش نازحو ولاية النيل الأبيض أوضاعًا إنسانية بالغة الصعوبة، خاصةً بعد الحصار الذي فرضته الدعم السريع على الولاية من عدة محاور، من الشمال في القطينة ومن الشرق في ولاية الجزيرة، ومن الجنوب الشرقي في ولاية سنار، مما زاد من معاناة النازحين وأثقل كاهل الاسر النازحة والمقيمة.

اليوم المشؤوم

تروي المواطنة نجاة علي بدين وهي أم لثمانية أطفال لـ(مدنيه نيوز) بصوت يملؤه الأسى تفاصيل ذلك اليوم المشؤم لتقول: “عقب دخول قوات الدعم السريع للقرية في الصباح الباكر خرجنا مفزوعين صوب أسفل الجبل ومكثنا اليوم بأكمله دون تناول طعام او ماء الشرب”، وقالت كان طعامنا الوحيد “البليلة” التي لم تكن متوفرة عند الكثير من الأسر، وأضافت “عد ذلك قررنا الخروج من القرية مع اطفالي الثمانية بعد ان تم سلب كل ما نملك.. خرجنا نحن النساء وتركنا الرجال خلفنا للخروج بالماشية”، وتبدي نجاة اسفها لنهب مواشيهم برغم محاولات رجال القرى الهروب من ملاحقة المليشيا لهم.

وقالت “للأسف خرجت عليهم المليشيا وسرقوا الماشية امام اعينهم ونهبوا هواتفهم وكل ممتلكاتهم، ولم يجتمع شملنا مع زوجي إلا بعد أربعة أيام عشناها في حالة من القلق والتوتر، فقد سرنا لمدة يومين نبحث عن مخرج وسط الغابات بعد إغلاق المليشيا الطرق الرئيسية، وكدنا نهلك من العطش حتى وصلنا قرية تسمى (الصباغ) استقبلنا اهلها بماء (العجين) وهو كان مهما وقاطعا للعطش ومنقذا للجوعى في حالتنا، وتشير الى انهم ظلوا مستلقين على الارض بعد ان غلبهم النهوض بعد تناول ذلك الماء من سوء ما تعرضوا له من العطش والجوع في آن واحد.

وأضافت أنهم مكثوا فيها حوالي أربعة أشهر ومنها تحركوا صوب قرية (قادم) التي اقاموا فيها ثلاثة اسابيع حتى استعادوا عافيتهم لا سيما وأن بينهم مرضى وأطفال وكبار سن، وكانوا اكثر من ثلاثين اسرة، ولأن المليشيا كانت تستهدف كل القرى قالت قرروا القدوم لمدينة ربك بحثا عن الامن والامان، فتكفل احد معارفهم باحضار عربة لترحيلهم واتخذوا الجزء الخلفي من الاستاد مقرا للاقامة، فهو يحتوي على محلات تستخدم كمخازن تم فتحها لهم، وبرغم انها غير مؤهله للسكن حيث لا توجد دورات مياه او حمامات يضطر الكثيرون لقضاء حاجتهم في العراء. وتؤكد نجاة ان معاناتهم تضاعفت مع فصل الخريف بتوالد الباعوض والذباب، واليوم يوجد عدد من المرضى بالحمى ولكنهم لا يملكون المال للعلاج، وأضافت (ما اجده من مال هل اطعمه لاطفالي ام اذهب به للطبيب؟).

النازحون في مدينة ربك

غياب الولاية

تؤكد نجاة انهم منذ أن وطأت اقدامهم عاصمة الولاية ربك لم تسجل لهم أي جهة رسمية زيارة سوى مجهود خجول من الرعاية الاجتماعية، والتي قامت بحصرهم فقط دون تقديم أي معينات، كما قام ديوان الزكاة بذبح عجل كاضحية لكل الاسر، بجانب حضور مندوب من الهلال الأحمر قام بتسليم كل أسرة بطاقة لتظل أمنياتهم وتطلعاتهم مجرد وعود حبيسة تلك البطاقات.

معيشة قاسية

من جانبها تحكي السيدة عائشة كرس، إحدى النازحات أيضاً مأساتها فتقول: “المعيشة صعبة جدا وقاسية حيث اننا فقدنا الوسائل التي كانت تعيننا على الحياة، وصرنا نعمل في البيوت لتغطية احتياجاتنا، وبرغم ذلك لا تفي بمتطلبات الحياة اليومية بسبب غلاء الأسعار وعدم وجود دخل ثابت”. وتضيف “لدينا عدد من المرضى لا نملك المال لعلاجهم ويظلون هكذا إلى أن يشفيهم الله او يموتوا، مضيفة بالقول ان زوجها طريح الفراش منذ سنوات وتضاعفت معاناته مع رحلة النزوح، فكان يحمل على (سرير او كارو) طوال الرحلة، وقالت “كما ترين ننام على الأرض”. فيما أشارت لفتاة بالقرب منها، تحمل طفلا حديث الولادة وقالت “حتى هذه التي أنجبت قبل أيام تنام هي الأخرى على الأرض واكتفت بالقول حالنا يغني عن السؤال”.

تهديد الدعم السريع

وتصف عائشة اسماعيل وهي احدى القادمات من جبل الدائر الجرائم التي ارتكبتها الدعم السريع في حقهم بالفظيعة، حيث تم نهب كل ممتلكاتهم واثاروا الخوف في نفوسهم، وقالت ان الامر الذي دعاهم إلى النزوح هو تهديد الدعم السريع لهم بالقول (لقد قتلنا رجالكم واخذنا أموالكم وسوف نذهب ونأتي لنأخذ بناتكم). بعد هذا التهديد تشير عائشة إلى أنهم لم يمكثوا كثيراً، فبمجرد خروجهم من القرية اخرج الرجال كل النساء، “وقمنا بالفرار حتى اجتمع شملنا مع رجالنا الذين حاولوا ان يخرجوا مواشينا واموالنا لولا التفاف المليشيا حولهم ونهبها منهم قوة، واجبروهم على تركها والهروب. وتضيف عائشة لم يتركوا لنا شيئاً ولم تأبه حكومة الولاية إلى معاناتنا ولا الجهات المسؤولة، حيث لم نجد منهم اية مساعدة او عوناً”.

فيما تروي المواطنة رندا معاناتها مع النزوح لتقول: “عندما خرجت كنت حاملا في الشهر السابع واحمل طفلتي الصغيرة على كتفي، فقد كنا نسير بأقدامنا لساعات طويلة دون توقف، وتهنا داخل الغابة يومين على التوالي، وكنت اشكو من تورم الأقدام والآم الظهر، ولكن بحمد الله انجبت طفلي وهو بصحة جيدة، وتشكو رندا من قلة الحليب لطفلها بسبب عدم تناول الوجبات بشكل منتظم”.

ولا يختلف حال النازحين في مدينة ربك عن نازحي المدن الاخرى، حيث المعاناة اليومية والتجاهل الحكومي ونقص المساعدات، ويفترش الالاف منهم واغلبهم من النساء والاطفال الارض ويلتحفون السماء بمراكز الايواء وتحت الاشجار في ظل استمرار الحرب بين الجيش والدعم السريع لنحو 16 شهرا، في وقت تحذر المنظمة الدولية للهجرة من أن الوضع الإنساني في البلاد وصل إلى نقطة الانهيار، مع تزايد أعداد النازحين واللاجئين بشكل غير مسبوق، مشيرة إلى أن عدد النازحين داخليا تجاوز 10.7 مليون شخص، بالإضافة إلى 2.3 مليون لاجئ خارج البلاد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *