الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

وداعاً.. بطل ليلة المتاريس القائد المهاب (فاروق أبوعيسى)

بقلم: حسين سعد
ودعنا يوم الأحد 12 أبريل الرفيق والأستاذ والزعيم فاروق أبو عيسى، جاء رحيل أبوعيسى في وقت حرج تمر به بلادنا بعد ثورتها الباهرة التي أدهشت العالم كله، غادرنا بطل ليلة المتاريس في أولى ملاحم شعبنا العظيم في ثورة أكتوبر وثورة أبريل، تاركاً لنا ميراثاً كبيراً من النضال والجسارة وذكريات ستبقى شاهدة على تلك المسيرة المفعمة بالأمل والموسومة بالشجاعة، لقد عرفناكَ (عمي فاروق) في ساحات النضال وميادينه شجاعاً وذا شكيمة ومناضلاً في سبيل القضايا الوطنية القومية والحقوقية، وكان دورك مشهوداً وأنت تقود قوى الإجماع الوطني، ونداء السودان والحرية والتغيير، لقد أثبتّ صموداً منقطع النظير في مواجهة الطغاة فكنت ثابتاً وشامخاً كالطود متصدياً لأعتى العواصف والاعتقالات والمنع من السفر لتلقي العلاج بالخارج.
مناضل شجاع:
كان (عمي فاروق) شجاعاً ومناضلاً صلباً ومدافعاً حقيقياً عن قضايا الحريات العامة والعدالة الاجتماعية، منحازاً إلى المهمشين والكادحين، وكانت حياته كلها تضحية ونضال من أجل الشعب السوداني ومن أجل سودان جديد تسوده قيم الحرية والمساواة، كان أبو عيسى صادقاً ونبيلاً ومهاباً وقائداً يتمتع بـ (كاريزما) قيادية عالية، عرفه الشعب السوداني وأحبه وعرفته السجون والمعتقلات تعرض لمحاكمات كيدية، كما تحمل لسنين طويلة ضريبة النضال السياسي ولم يهادن، وبعد توقيع المعارضة في العام 2014م على إعلان (نداء السودان) في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عاد إلى الخرطوم حيث جرى اعتقاله برفقة الراحل د. أمين مكي مدني، ومن ثم تم تقديمهما لمحاكمة كيدية من قبل النظام البائد، وتعرض أبو عيسى للاعتقالات المتكررة من قبل النظام المدحور لنشاطه الدؤوب ضد تجار الدين، وفي آخر تصريح صحفي له مع الزميل شوقي عبد العظيم، انتقد أبو عيسى الأصوات المنادية لعقد تحالفات مع الإسلاميين من أعضاء النظام البائد، أو منحهم فرصة جديدة في الحياة السياسية خلال الفترة الانتقالية، وقال فاروق إن الفترة الانتقالية يجب أن تخصص لتصفية نظام تمكين الانقاذ والإسلاميين، وتهيئة البلاد لنظام حكم ديمقراطي تعددي.
قائد مهاب:
رحل (عمي فاروق) والجيل الراكب رأس من (الشفاتة والكنداكات) (ناس الرصة والمنصة) والحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك تقاتل في جبهات عديدة وتواجه تحديات عظام وأولويات عاجلة كانت تحتاج إلى حكمة وجسارة أبو عيسى بطل ليلة المتاريس، وبسبب وباء (كورونا) الذي اجتاح العالم كله والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الانتقالية التي ورثت تركة مثقلة بالخراب، إلا أنها فرضت قرارات ومضت خطوات جيدة، لو لا هذه الظروف كنا يا قائدنا قد أقمنا تأبيناًاً كبير نعدد فيه نضالاتك الكبرى للأجيال القادمة والجيل (الراكب راس) الذي هتف بالصوت العالي (سلمية سلمية ضد الحرامية)، فأبو عيسى لم يكن شخصاً عادياً في حياتنا ونضالنا بل كان قائداً مهاباً وصديقاً للجميع وسعت ومحبته كل السودانيين، يشارك السياسيين والصحفيين والمواطنين أحزانهم وأفراحهم، قدم مساعدات كثيرة عندما كان أميناً عاماً لاتحاد المحامين العرب.
ولد فاروق أبو عيسى، بمدينة ود مدني بوسط البلاد في العام 1933م، درس المرحلة الأولية بمدرسة النهر الأولية والتي كانت تعتبر المدرسة الحكومية الوحيدة في المدينة بجانب مدرسة أهلية أخرى، ومن ثم التحق بعدها بالأميرية بود مدني ثم مدرسة حنتوب الثانوية والتي فُصل منها خلال الأشهر الأخيرة من دراسته بسبب نشاطه السياسي المناهض للاستعمار البريطاني للسودان.
فصله من المدرسة:
إنضم أبو عيسى للحزب الشيوعي السوداني أثناء دراسته بمدرسة حنتوب الثانوية، وذلك عبر رابطة الطلاب الشيوعيين، وكان جزءاً من مكتبها السياسي منذ عام 1950م، وفي تلك الفترة كانت تسمى الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) وفي مطلع خمسينيات القرن الماضي شارك أبو عيسى في الإضراب عن الدراسة الذي نفذه عدد كبير من الطلاب السودانيين، وذلك من أجل أن ينال الطلاب السودانيون اتحاداً عاماً، لكن المستعمر البريطاني رفض هذا الطلب، وتم فصله من المدرسة وحرمانه مع عدد من الطلاب من الامتحانات، امتحن أبو عيسى الشهادة الثانوية من مدرسة الأحفاد بأمدرمان، وكانت رغبته هي دراسة القانون في جامعة الخرطوم، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، ما دفعه للالتحاق بكلية الآداب، لكنه لم يستمر بها ليقرر بعدها الذهاب إلى مصر حيث تم ترشيحه لدراسة الطب في القصر العيني بالقاهرة، إلا أنه فضّل دراسة الحقوق في جامعة الاسكندرية والتي تخرج منها في العام 1957م.
ليلة المتاريس:
عقب أيام من نجاح ثورة أكتوبر 1964م التي أطاحت بالرئيس إبراهيم عبود، من الحكم في السودان اشتهر أبو عيسى خلال أحداث ما باتت تُعرف في الأدب السياسي السوداني بـ (ليلة المتاريس) حيث قاد الجماهير إلتي أغلقت الشوارع أمام تحركات ضباط من الجيش للانقلاب على الثورة الوليدة، وعقب انقلاب النظام المدحور في العام 1989م ظل أبو عيسى خارج البلاد يجوب البلدان الأخرى منظماً ومشاركاً في اجتماعات المعارضة بالخارج، وعاد للبلاد عقب اتفاقية (نيفاشا) التي أبرمتها الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وبعد تلك الاتفاقية وقع التجمع الوطني الديمقراطي اتفاقية (القاهرة) وأصبح أبو عيسى عضواً في البرلمان السوداني في ذلك العام ضمن المقاعد التي خُصصت للتجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يشغل فيه منصب مساعد الرئيس، ثم ترأس الهيئة القيادية لقوى الإجماع الوطني.
خاتمة:
(عمي فاروق) نعاهدك أيها القائد بأن نستمر على الطريق ونهتدي بنضالاتك وفكرك الذي آمنت به، وسنحافظ على المبادىء والقيم التي علمتنا إياها، وسيبقي تحقيق السودان الجديد هدفنا وغايتنا، (عمي فاروق) نم قرير العين مطمئناً فقد حملت الرسالة وأوصلتها إلى (الجيل الراكب راس) فأنت أيها القائد المهاب عنوان للشجاعة وستظل نبراساً حياً إلى أبد الآبدين، (عمي فاروق) نعاهدك بأننا (حنبيهو البنحلم بيهو يوماتي) ونقول ذلك بوضوح كما قالها شاعر الشعب محجوب شريف (أشيل شيلي وأموت واقف على حيلي..وأقول ليك يا أعز الناس..على الوعد القديم جايين..ما بين الثورة والسكين..ثوريين ثوريين حتى الموت).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *