موكب حماة العدالة وإعادة ترتيب الأولويات
بقلم: لمياء الجيلي
نريد جيلاً غاضباً
نريد جيلاً يفتح الآفاق
وينكش التاريخ من جذوره
وينكش الفكر من الأعماق
نريد جيلاً قادماً مختلف الملامح
لا يعرف الأخطاء.. لا يسامح ولا ينحني
لا يعرف النفاق
نريد جيلاً رائداً عملاق (نزار قباني)
التحية للجنة القانونية لحماية الثورة ودعم الانتقال الديمقراطي وهم يقودون مواكب حماة العدالة وثورة الشعب ويواصلون مطالباتهم لمجلس السيادة بالالتزام بالوثيقة الدستورية وتسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين.. فموكب القانونين الى القصر في التاسع من أكتوبر الحالي يوجه الحراك الثوري الى مساره الصحيح، وينبه القوى الثورية الى التركيز على الالتزام بالوثيقة الدستورية الى أن تكتمل الفترة الانتقالية بتحقيق أهداف الانتقال السلمي الديمقراطي، وألا تهدر الطاقات في صراعات جانبية تعيق البناء والتغيير وتهدف الى تشتيت انتباه الشعب عن قضاياه الرئيسية في هذه المرحلة التاريخية من عمر الوطن. تعرض الموكب الى العديد من الانتهاكات وتم حصاره كما تم التضييق على الإعلام لمنع تغطية هذا الحدث الهام. كما تعرض الزميل الصحفي محمد الأمين الى إساءة ومعاملة سيئة من قبل ضابط برتبة رفيعة في الجيش السوداني، مما يمثل انتهاك صريح لحق التعبير وحرية العمل الصحفي وحماية الصحفيين من التدخل في عملهم أو التعرض لهم من أي جهة كانت. ردود الأفعال هذه تؤكد حديثنا بأن الموكب ومطالبه يعيد ترتيب الحراك السياسي، يضع الأولويات نصب أعيينا وجل اهتمامنا وهذا يتعارض مع خطط ومحاولات من يريدون أيقاف قطار الثورة عن المسير.
الصراع السياسي الدائر الآن، والاستقطاب الحاد والمحاولات اليائسة لتعطيل قطار الثورة من قبل الفلول واتباعهم تسرع عملية الفرز والتنقية والتصفية للوصول الى وطن معافى يسع الجميع دون تمييز سواءً كان مبني على اعتبارات إثنية أو دينية أو ثقافية أو اجتماعية (وطن خير ديمقراطي). هذا الصراع وضع الثوار، ومن قلبه على الوطن، ومن يريد خيراً لهذه البلاد والعباد، بصدق وبتجرد تام، دون مزايدة أو مكابرة، في قلب معركة التغيير. وسمح للكل أن يختار مكانه في قلب المعركة التي تمايزت فيها الصفوف واتضحت فيها المواقف. بل كانت سانحة للخروج الأخير (لفئران من جحورها)، وفرصة للذئاب (أن تكشف عن أنيابها) .. وفضحت الدسائس والمؤامرات (الحربويات) ، وأصحاب الجلود المتعددة (كلما بلى جلد لبسوا جلد غيرهم). والعديد من الفلول من كان مستحياً من هول فساد الإنقاذ وجرائمهم (النتنة) تجرأ و (مسح وشه بمرقة) وعاد يتحدث دون استحياء عن الوطن والحرية والعدالة والتي لم يستبقوا لها شيئاً خلال ثلاثة عقود من الدمار المستمر، والتهديم الممنهج.
الخلاف الحالي بين المدنيين وبعض أعضاء مجلس السيادة الانتقالي فتح شهية الفلول لإعادة المحاولات (اليائسة) و (البائسة) لتصدر المشهد السياسي، يلاحقهم تاريخ طويل من جرائم القهر، والفساد والظلم السياسي.. سياسات تسببت في تشظي الوطن وانقسامه، واحترق أجزاء عديدة منه. مستخدمين نفس الوسائل المدمرة للوطن وثرواته والتي سيدفع فاتورتها العديد من الأجيال القادمة أن لم نقف سداً منيعاً أمام معاول هدمهم وآليات تدميرهم. والوقوف في وجههم الآن أصبح واجباً مستحقاً وليس فرض كفاية. وما يحدث من إغلاق للطرق والموانئ في شرق السودان خير مثال لهذا الدمار الذى سيدفع فاتورته الأعلى إنسان الشرق وعمال الموانئ، ولديه آثار كارثية على الاقتصاد ومستقبل حركة الصادر والوارد بالبلاد، وقد نحتاج لسنين عدة حتى تعود ثقة الشركات العالمية والدول للموانئ البحرية السودانية لضمان عدم حدوث خسائر وتعطيل للمسار التجارى. هذا لا ينتقص من إيماننا وقناعتنا التامة بعدالة قضايا أهلنا في شرق السودان، وبحقوقهم الإنسانية في التعبير عن قضاياهم بالطرق السلمية، دون ضرر أو ضرار.
الخوف من المحاسبة وضمان الإفلات من العقاب، وسد باب المقاضاة على جرائمهم البشعة، هو ما تسعى له (قادة الفلول) ، فهم يعلمون تماماً أن العديد من هذه الجرائم (وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان)، و(القانون الدولي الإنساني) جرائم لا تسقط بالتقادم. ويدركون تماماً أنه لابد من الحساب وإن طال الزمن. فالجرائم التي تم ارتكابها خلال الثلاثين عاماً ومجزرة القيادة وما تلاها من جرائم تعرف بأنها جرائم ضد الإنسانية سيحاسب مرتكبوها، ولا يمكنهم من الإفلات من العقاب مهما طال أمد (حصاناتهم) كما أن هذه الجرائم لا تندرج تحت الجرائم التي تقع تحت طائلة العفو في اتفاقيات السلام أو في أي تفاوض سيأسى أو صلح اجتماعي. وهذا الأمر واضح في السياسة العامة للأمم المتحدة والتي ترفض تدابير العفو عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وضعت الوثيقة الدستورية (2019) طريق واضح (وضوح الشمس ولا لبس فيه) لضمان سيادة حكم القانون وعدم الإفلات من العقاب، وذلك عبر عملية إصلاح مؤسسي شامل حيث ورد في الوثيقة الموقعة بين المجلس العسكري الانتقالي آنذاك وقوى الحرية والتغيير، مهام الفترة الانتقالية المادة (8-3) “محاسبة منسوبي النظام البائد عن كل الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب السوداني ” وورد في المادة 8-5) “الإصلاح القانوني، وإعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية وضمان استقلالية القضاء وسيادة القانون”. للأسف الشديد وضعت العديد من العراقيل أمام هذا الإصلاح ويتم تسيس القضاء والتدخل في عمله ، والى الآن لم يتم تكوين المجلس التشريعى الانتقالي، ولا المفوضيات المتفق عليها بما فيها مفوضية الإصلاح القانوني والتي تعتبر رأس الرمح في الإصلاح العدلي المنشود. كما لم يتم تكوين المحكمة الدستورية، وأصبح تحقيق العدالة وضمان سيادة حكم القانون في (كف عفريت).