الجمعة, فبراير 7, 2025
تقاريرمجتمع

مِن الأَزمة إِلى الفِعل: قِصَّةُ زَهرَة.. إمرأة سُودانية في طليعَة الدعم الإِنساني

نيروبي: مدنية نيوز

تحكي زهرة بحزنٍ موجع: “كان انتقالي من السودان إلى تشاد قاسيًا، مترعًا بالقلق والشعور العميق بالحزن. رأيتُ عنفًا وانتهاكات لحقوق الإنسان مورست على مجتمعي، مثل: الاغتصاب، والقتل، والحرق، والنزوح، والتعذيب الذي طال النساء والأطفال والرجال، بل حتى الحيوانات لم تنجُ منه. لقد كانت المشاهد لا تُوصَف، كأنها أهوال يوم القيامة”.

تقول المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي (شبكة صيحة)، إن زهرة لطالما كانت مصدر قوة لمجتمعها في غرب دارفور؛ فهي امرأة تتحلى بصفات الصمود والكرامة، وهي نموذج في أخلاقيات العمل العالية، تنشط بلا كلل في دعم الفئات الضعيفة مثل الأشخاص ذوي الإعاقة، وكبار السن، والنساء، والأطفال.

كانت زهرة قبل الحرب تعيش حياة مستقرة وتعمل في منظمة للحدّ من العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث ساعدت في إنشاء مساحات آمنة للنساء والفتيات، فضلًا عن مساحات متنقلة للمجتمعات البدوية.

وقد اكتسبت زهرة بسبب شغفها بالقضايا الاجتماعية والمناصرة ألقابًا محببة مثل “أم المعاقين”، و”السيدة النبيلة”، و”مِس روز”.

ولكن الحرب غيّرت كل شيء!

التحديات التي واجهتها زهرة كامرأة خلال الصراع المستمر وتأثيراته

تَشَرَّدَت زهرة فجأة من بيتها بعد بدء الصراع؛ ففقدت ممتلكاتها وراحتها وشعورها بالأمان. وألحقت الحرب بأسرتها وبالمجتمع الأوسع اضطرابًا مدمرًا وفرّقت الجميع عن أحبائهم.

تخبرنا زهرة أنها لم ترَ إخوتها السبعة منذ أكثر من عام ونصف بسبب اندلاع الاشتباكات المسلحة المفاجئة والتدهور العام في الوضع الأمني.

كما صار توفير الاحتياجات الأساسية كفاحًا؛ إذ أثّرت الحرب على سلاسل التوريد، ممّا خلق ندرة في الطعام والماء وسبّب ارتفاعًا في الأسعار وانهيارًا للأسواق المحلية. وكذلك تأثرت بشدة نظم الرعاية الصحية، التي كانت هشة أصلًا. فلم تكد تكون هناك مستشفيات تعمل أو أدوية.

فصار كل يوم امتحانًا لصمودها، ومع أنها لم يكن أمامها خيار سوى التكيّف مع واقع حياتها الجديدة، بقيت جراحها المعنوية والحسية نازفة.

الانتقال من تشاد إلى السودان

فرّت زهرة مع ما تبقى من أسرتها من السودان إلى تشاد بحثًا عن الأمان. وفي طريقهم إلى تشاد، تعرضوا للهجوم والسرقة. والأفظع من ذلك أنّ قوات الدعم السريع قتلت عمها وابنها الذي يبلغ من العمر 17 عامًا.

تسترجع زهرة الذكريات الأليمة قائلة إنها ظلت ثمانية أيام تبحث عن ابنها قبل أن تعلم أنه قُتل. ثمّ هي لم تتمكن من دفنه بسبب الاضطرابات الهائلة التي سببتها الحرب.

ظلت زهرة لأكثر من شهرين في صدمة تامة، غير قادرة على فهم ما يحدث، لكن إيمانها ومجتمعها أصبحا شريان حياتها. ومع الوقت استعادت قوتها. ثم بدأت في دعم النساء والفتيات اللواتي عانين من الصدمات وهن في طريقهن إلى تشاد.

الاستراتيجيات التي اتبعتها في التكيّف مع الصدمة والمصاعب

اتبعت زهرة آليات نفسية واجتماعية للتكيّف مع الصدمة، مثل: البوح بالمشاعر، والاعتماد على الأصدقاء، والإيمان، ومجموعات الدعم لتخفيف الشعور بالعزلة. وأعادت تنظيم روتينها اليومي وتحديد نقاط قوتها، مِمَّا ساعدها على النهوض في أتون التحديات.

وعملت على بعث الأمل في نفسها بتذكيرها بأنّ المصاعب ستمر يومًا ما. وفي غضون ذلك، استثمرت في مهاراتها الحرفية التقليدية ووضعت أهدافًا طويلة المدى لأطفالها وعائلتها ومجتمعها.

دور المرأة في الصراعات وبناء السلام

تخبرنا زهرة أنّ النساء يلعبن أدوارًا أساسية في كل من الصراعات وبناء السلام. فعلى الرغم من تحملهن العبء الأكبر في الحروب، إلا أن لديهن القدرة على قيادة مجتمعاتهن وإعادة بنائها من خلال إدارة الموارد، ورعاية الأسر، والبحث عن المساعدات الإنسانية.

وتذكر زهرة أيضًا أن النساء يستطعن النهوض بدور الوساطة الفعَّالة. فيقوّين الروابط الاجتماعية داخل المجتمعات المتضررة ويعززن السلام من جيل إلى آخر. إذ تؤكد أنّ “النساء شريكات أساسيات في مفاوضات السلام وأصواتهن حاسمة في تحقيق العدالة والمساواة والسلام الدائم”.

المبادرات الجماعية في التصدي للتحديات المجتمعية

شاركت زهرة مشاركة قوية في مبادرات مثل مبادرة “أنقذوا الجنينة” ومبادرة “من أجلك”، التي وفرّت خدمات طبية للمصابين من دارفور ودعمًا نفسيًا لضحايا الحرب. وكانت إحدى مبادراتهم البارزة بقيادة أطباء سودانيين، وعاملين اجتماعيين، وقابلات في مخيم أدري بشرقي تشاد. وتدعم هذه المبادرة المصابين وتعمل على تثقيف المجتمع بشأن عواقب الحرب.

الدافع والشغف للمبادرات تركّز على النساء

رغم التحديات التي تشمل نقص المراكز المجهزة في مخيمات اللاجئين ومحدودية الفرص الاقتصادية، تستمد زهرة دافعها من مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية. وقد ساعدها في ذلك الدعم المقدّم من منظمات مثل المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي (صيحة)، التي مكّنتها من إطلاق مشاريع مدرّة للدخل وضمان استمرارية أنشطتها. وتهتم مبادرتها بالاحتياجات المستقبلية الفورية للنساء وتعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية ممّا يكسر حلقة الفقر والتمييز.

تخبرنا زهرة أنّها تستلهم شغفها من زينب عبد الله، البطلة التي أنقذت النساء من إطلاق النار وهجمات قوات الدعم السريع. إذ على الرغم من فقدانها لزوجها وتعرضها للضرب، قادت النساء إلى بر الأمان، وشاركت في دفن الموتى، ورعاية الأيتام، وتقديم أي دعم مطلوب في معسكر أبو تنقي.

الأمل في مستقبل السودان رغم التحديات

تبقى زهرة متفائلة بمستقبل السودان رغم كل التحديات، وتقول: “أؤمن بأنّ المصاعب التي نواجهها اليوم ستفضي في آخر المطاف إلى مستقبل أكثر إشراقًا؛ فصمود شعبنا والتضامن داخل مجتمعاتنا والعزيمة الراسخة للنساء يمنحني الأمل”.

صارت زهرة بصمودها وصبرها وتعاطفها وبما تقوم به من أعمال المناصرة رمزًا للأمل.

شبكة صيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *