زيارة ترامب للسعودية- بين وهم إنهاء حرب السودان وتحالفات رأس المال
بقلم: سنية أشقر
في ظل استمرار الحرب الكارثية في السودان وسقوط ما يزيد عن 150 ألف مدني بين قتيل وجريح ومفقود، وتحول ما تبقي من المدنيين الي نازحين ولاجئين، جاءت زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية لتطرح تساؤلات حول أهدافها ومآلاتها. هل حملت الزيارة نوايا سياسية لإيقاف نزيف الدم في السودان؟ أم أنها جاءت في سياق شراكات اقتصادية واستثمارية لا علاقة لها بالأزمة السودانية ؟ وهل تغيّرت نظرة الولايات المتحدة لحرب السودان ؟ ولماذا لم تُتخذ أي خطوات جدية من واشنطن تجاه أطراف النزاع رغم توثيق الانتهاكات؟
▪ترامب والسودان – غياب البعد الإنساني في الحضور السياسي…
زيارة ترامب للسعودية لم تحمل في طياتها أي مبادرة واضحة أو خطاب سياسي يرتبط بالحرب في السودان. الرئيس السابق، الذي لا يشغل حالياً منصباً تنفيذياً، لا يُعرف عنه الانخراط في قضايا حقوق الإنسان أو الحروب خارج الإطار الأمريكي التقليدي، بل كانت سياساته، خلال فترة حكمه، تقوم على مبدأ “أمريكا أولاً” وصفقات المصالح.
لا توجد مؤشرات حقيقية على سعي ترامب لتقديم رؤية لحل النزاع السوداني، مما يجعل أي ربط مباشر بين الزيارة ومحاولة إنهاء الحرب أمراً غير واقعي، بل مضللاً سياسياً.
▪اقتصاد الدم – منطق التحالفات الرأسمالية، تندرج زيارة ترامب ضمن السياق العام للعلاقات بين المركز الرأسمالي (الولايات المتحدة) والطرف التابع الوظيفي (السعودية). فالزيارة كانت في جوهرها تعزيزاً للتحالف الاقتصادي، وضماناً لتدفق الاستثمارات، وسط تنافس محموم مع الصين وروسيا في المنطقة.
السودان، من وجهة نظر هذه التحالفات، لا يُعد سوى هامش جيوسياسي قد يُستثمر فيه لاحقاً، أو يُترك لفوضى مدارة طالما لا تهدد المصالح الكبرى. الحرب، في هذا السياق، تتحول من مأساة إنسانية إلى حالة قابلة للتوظيف السياسي والاقتصادي.
▪ غياب العقوبات – لماذا لا تُعاقب واشنطن الجيش والدعم السريع ؟
رغم تواتر الأدلة حول الجرائم والانتهاكات الواسعة من قبل طرفي الحرب، لم تتخذ الولايات المتحدة أي خطوات جادة لفرض عقوبات ذات تأثير فعلي على الدعم السريع أو الجيش. هذا التردد يعكس اعتبارات متعددة:
▪ البراغماتية السياسية- تتجنب واشنطن المواجهة المباشرة مع أطراف تربطها بحلفائها الإقليميين علاقات معقدة، كالإمارات والسعودية.
▪إدارة الفوضى- تستفيد الولايات المتحدة أحياناً من بقاء الأزمات في حالة ” لا سلم ولا حرب”، حيث يسهل التحكم بالمصالح دون التزامات أخلاقية.
▪ تعدد أدوات النفوذ- الجيش والدعم السريع كليهما أدوات محتملة في توازنات إقليمية تخدم المصالح الأمريكية؛ لذا يتم تجنب كسر العلاقة مع أي طرف بشكل نهائي.
▪ ما العمل؟ – نحو موقف مدني وشعبي مستقل
إن الرهان على تدخل أمريكي – سواء عبر ترامب أو غيره – لإنهاء الحرب في السودان هو رهان خاسر، وينبغي لقوى الثورة السودانية والقوى المدنية الديمقراطية أن تدرك أن مفاتيح الحل ليست في الرياض أو واشنطن، بل في يد الشعب السوداني ذاته.
الحل يبدأ بإعادة بناء القوة السياسية والاجتماعية الشعبية، وفضح التحالفات العسكرية والمالية الإقليمية والدولية التي تغذي الحرب. كما يتطلب الأمر مواقف دولية مستقلة وجرئية من قوى التضامن العالمي والمجتمع المدني الدولي والمحلي.
اخيرآ
زيارة ترامب للسعودية لم تكن خطوة باتجاه وقف الحرب في السودان، بل جاءت في إطار تعزيز تحالفات رأس المال وسط عالم مضطرب. إن المواقف الأمريكية المترددة، وصمتها تجاه جرائم الحرب، يعكسان منطق النظام الرأسمالي العالمي الذي لا يرى في المآسي الإنسانية سوى تفاصيل يمكن تجاوزها إن تعارضت مع المصالح. ولذا، فإن التغيير لن يأتي من فوق، بل من قاعدة النضال الشعبي والمجتمعي داخل السودان وخارجه.
ماريل
١٢/مايو/٢٠٢٥م