السبت, يوليو 27, 2024
مقالات

حكومة الفترة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (1)

بقلم: حسين سعد
حصدت الحروب المتطاولة التي شهدها السودان خلال أكثر من (5) عقود أرواحاً كثيرة وانهت حياة الكثير من المواطنين السودانيين وتسببت في دمار وخراب واسع، كما خلقت تحديات اقتصادية وتنموية كبيرة.
وعندما شُكّلت الحكومة الانتقالية قبل أكثر من نصف عام برئاسة د.عبد الله حمدوك، أكد حينها أن فترة الستة أشهر الأولى ستكون لإنجاز ملف السلام ومعالجة الأوضاع الاقتصادية واليوم انقضت الفترة المحددة، ولم يتحقق السلام الشامل الدائم، بل حصدنا ثمار سلام المسارات المرفوض للكثيرين، بينما تأزمت الأوضاع الاقتصادية وتعكس هذه القضية بشقيها السلام والاقتصاد الصعوبات التي تواجه الانتقال الديمقراطي، وكذلك واقع الحكومة التي يقودها حمدوك والتي تدخل شهرها السابع مثقلة بتركة واسعة من الخراب الاقتصادي والمؤسسي.
ويعتبر خبراء أن حالة السيولة والهشاشة الحالية متوقعة بل يمكن وصفها بالطبيعية في فترات استكمال مسار الثورة، وهو ما يعرف بطبيعة الانتقال الديمقراطي، هذه الصعوبات خاصة الاقتصادية واستمرار تدهور العملة الوطنية مقابل الأجنبية يراها البعض مبرراً وحجة كافية للارتداد إلى واقع ما قبل الثورة، ويصفها آخرون بأنها نتائج طبيعية لضعف مكونات قوى الحرية والتغيير، من جهتنا نقول إن المطلوب اليوم هو المضي قدماً لاستكمال الاستحقاقات الواجبة النفاذ والمتفق عليها، والسير في ذات الاتجاه بدون الخوف من الفراغ وسيناريوهاته المفتوحة، وإنما دافعه اليقين بأنّ استكمال مهام الثورة والسلام ومعالجة الأوضاع الاقتصادية بوصفها الأولوية هي قضية اليوم والتي تعصمنا من الارتداد ومن العودة إلى نقطة الصفر.
المصفوفة:
تحديات الحكومة الحالية وأولوياتها تدفعنا للقول إنها تسير في حقل من الألغام، نظراً للملفات التي أمامها مثل ملف السلام وتعقيداته ومطلوباته والاقتصاد وتعطيل قيام المجلس التشريعي وحكومات الولايات ومعالجة بؤر الانفجارات في الولايات التي تتخذ شكلاً دامياً كما حدث في بورتسودان والجنينة والجزيرة، بجانب تباين المواقف داخل الحاضنة السياسية (قوى الحرية والتغيير) وظهور تلك التباينات في ملفات العلاقات الخارجية والسلام، بالإضافة إلى صراع المحاور بالمنطقة، حيث يقع السودان في قلب هذه القضية بسبب موقعه الاستراتيجي ووجوده على ساحل البحر الأحمر. وأعلنت الحكومة الانتقالية مؤخراً مصفوفة الفترة الانتقالية التي ناقشت (4) ملفات رئيسية شملت (21) محوراً تمثلت في الشراكة التي تضم (8) محاور، والسلام (5) محاور والأزمة الاقتصادية (4) محاور وأخيرا الأجهزة الأمنية والعسكرية (4) محاور.
وينتقد خبراء ومختصون في وضع المصفوفات تلك المصفوفة، وقالوا إنها حادت عن الطريقة المنهجية والعلمية لوضع المصفوفة من خلال تواريخها والتوقعات لما يتم انجازه وما لم يتم وكيفية قياس تلك التوقعات، عموماً سوف نتناول في الحلقات القادمة المصفوفة بتواريخها وجداولها وموضوعاتها.
وعود ذهبت مع الرياح:
صعوبات الواقع والتحديات الاقتصادية والاجتماعية حقيقة لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها أو إنكارها، وحسناً فعلت اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير في دراستها التي اختارت لها عنوان (البدائل الوطنية الكافية لسد الفجوة في موزانة 2020م)، حيث شددت علي ضرورة الاستفادة من الدروس السابقة التي مر بها الاقتصاد السوداني في علاقاته بالاقتصاد الدولي والتجارة الدولية، خاصة تجربة نظام الرئيس الأسبق جعفر نميري وما قدمه نظير وعود ذهبت مع الريح، فضلاً عن تجربة رهانات النظام البائد مع وعود (الترويكا) بعد فصل الجنوب في صفقة قايض فيها النظام المخلوع وحدة الوطن، بوعود تتعلق حماية بقاء النظام وتدعيم توسيع قاعدته بهبوط ناعم لمعارضيه في موانئ ومرافئ التوالي واقتسام كراسي السلطة، بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والإعفاء من المديونية ودعم سخي يسيل اللعاب لميزان المدفوعات – بما يمكن أن يحقق مستوى من الرفاهية في المعيشة ومعدلات مرتفعة من تمويل التنمية.
(كورونا):
فاقمت جائحة (كورونا) الأزمات بالبلاد، التي دخلت أمس السبت في الحظر الشامل ووضعت الحكومة أمام خيارين هما: إما محاصرة (الفيروس) وحماية صحة الإنسان من خلال (الحظر) وهناك من لديه وجهة نظر أخرى، ويستدل أصحاب هذه الرؤية بأن فترة ثلاثة أسابيع كثيرة على المواطنين من أصحاب (رزق اليوم باليوم)، غير أن القيادي بقوي الحرية والتغيير المهندس صديق يوسف قال إن هذه القضية مهمة لكن صحة الإنسان هي الأهم.
ووفقاً لقرار اللجنة العليا للطوارئ الصحية ومجلس الوزراء بولاية الخرطوم فقد بدأت أمس السبت ١٨ أبريل مرحلة تطبيق الإغلاق الكامل لفترة 21 يوماً، حيث أكد وزير الصحة الاتحادي د. أكرم علي التوم، أن الحظر الشامل يهدف إلى تقليل فرص إنتشار (فيروس كورونا)، وإن الوزارة تشدد على أهمية التزام المواطنين بتطبيق واتباع الإرشادات الوقائية، والتبليغ الفوري عن حالات الاشتباه حتى يتحقق الهدف من القرار. بينما وجهت لجنة تنسيق شؤون أمن محلية الخرطوم برئاسة معتمد المحلية اللواء ركن (م) الطاهر عبد الله محمد صالح، بالتشدد في إنفاذ حظر التجول الكامل والتقيد الصارم للمواطنين في حدود وزمان التحرك المسموح بهما داخل الأحياء السكنية من السادسة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً لشراء احتياجاتهم الرئيسة. كما نشرت قوات شرطية وأمنية للتنفيذ الصارم للقرارات، بجانب نشر دوريات في الارتكازات، إضافة إلى طواف عدد من الدوريات داخل الأحياء لضبط التجمعات المحظورة.
وكان الشهر الماضي قد شهد حالة استثنائية وتغيرات دراماتيكية متتالية ومتسارعة لم يشهد الاقتصاد العالمي مثيلًا لها على مدار عقود، حتى خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008م، فالحالة التشاؤمية الشديدة التي سببها الانتشار السريع والمباغت لـ (فيروس كورونا) في الأسابيع الأخيرة من ذلك الشهر، أدت إلى تحولات نادرة، واستجابات طارئة من قبل الحكومات، ومن ثم أداء قياسي للمؤشرات الاقتصادية، وعلى رأسها أسعار النفط.
يذكر أن (فيروس كورونا) المستجد (كوفيد-19) اكتشف في ديسمبر 2019م في ووهان الصينية، فهو لم يكن له الوقع نفسه على أداء الاقتصاد العالمي في شهري يناير وفبراير الماضيين، ففي خلال هذين الشهرين ظل محدوداً في عدد من الدول، كما أن نطاقات تواجده في تلك الدول كانت صغيرة، لكن خلال شهر مارس شهد الـ (فيروس) حالة يمكن تسميتها بالانفجار.
المستقبل والسيناريوهات :
داخل هذا الدراسة نتابع لماذا فشلنا في حل قضية السلام ؟، وفي النصف الثاني من العام الحالي نجاوب على سوال هل بات السلام قريباً؟، أم أن الأمر لا يخرج من تصريحات متفائلة؟، ونقارن بين خطوات تباعد المواقف في ملف السلام وبين وقف العدائيات الذي أعلنه رئيس الحركة الشعبية القائد عبد العزيز الحلو، والاتصال الذي تم بين حمدوك وقيادات الجبهة الثورية موخراً، وما هي مطلوبات الانتقال الديقراطي، ويستعرض المقال البدائل الوطنية التي وضعتها اللجنة الاقتصادية وأهم سماتها وتوصياتها؟، كما نناقش تجاربنا السابقة في التعامل مع المؤسسات الاقتصادية العالمية بهدف استخلاص الدروس والعبر، ونتابع كيف تمضي الحكومة للأمام من خلال بذل مجهودات كبيرة ونحاول استشراف مستقبلها في ظل استجابتها للأولويات العاجلة والتحديات الماثلة، وكيف تتجاوز تلك الصعوبات حتى تحقيق الانتقال الديمقراطي ؟، كما تشير الدراسة للسيناريوهات المتوقعة لكل هذه القضايا. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *