الحلقة الشريرة
بقلم: لمياء الجيلى
ما أصعب الكتابة والقلب ينزف والأحشاء تتقطع من الألم والحزن والغبن علي فلذات أكباد الوطن الذين دفعوا دماءهم الغالية مهراً لحريته، وعتقاً له من عبودية نظام أطبق علي كل مفاصله وأرهق ساكنيه ومواطنيه أينما رهق.. الحزن علي إنسانيتنا المكلومة والمفجوعة، التي ظلت تبحث عن عدالة غائبة والوصل إليها أشبه بالسير حفاة وعراة في عز الصقيع وسط غابات من الشوك، ومستنقعات من وحل الظلم ولقهر الذى آبى ألا يفارق طريقنا الى بناء وطن حر يسع الجميع، وطن يشعر فيه كل مواطنيه بالأمن والأمان علي أنفسهم ومالهم وابنائهم وبناتهم وممتلكاته.. وأن تكون العدالة الطريق المعبد للوطن للسودان الذي نريد.
لقد ظللنا وخلال أكثر من عامين كل يوم نفجع في إنسانيتنا وفي قدرتنا على تحقيق العدل والعدالة وإرسال كل من أجرم في حق هذا الوطن للعدالة … ستظل كل الجرائم التي تم ارتكابها منذ ثلاثة عقود والجرائم التي تم ارتكابها منذ بداية الثورة حتى الآن المحك الحقيقي الذى يفصل بيننا وبين كل من يتولى أمر هذه البلد وكل من بيده تحقيق العدالة وتقاعس عن ذلك.
كل يوم تطول قائمة هذه الجرائم والمجازر وتتسع الحلقة الشريرة، وها نحن نفجع مرة أخرى، ونُمتحن، وتُمتحن حكومة الفترة الانتقالية في إنسانيتها وفي حرصها على صون وحفظ كرامة الإنسان السوداني. فما حدث في مشرحة مستشفيي الامتداد ومَشارح أخرى سابقة من تكدس الجثامين وتحللها، قيل إنها مجهولة الهوية، أو أنها تعود لمفقودي مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يوليو 2019.. وأيا كان مصدر هذه الجثامين، يلاحق العار مرتكبي تلك الجرائم ويضيف جريمة جديدة في سجل كل الجهات العدلية والصحية التي تقع تلك المشارح، في دائرة مسؤوليتها واختصاصها.. فليس من الإنسانية بشيء أن يتم حفظ جثث في حاويات (ثلاجات فواكه) في فناء مستشفى الامتداد لسنوات عدة لتتحلل وتصبح في أوضاع كريهة لا تليق بكرامة البشر وإنسانيتهم، وتغرس خنجراً في قلوب كل من فقد عزيز، وتزيل الستار عن تأمر كبير على ثورة ديسمبر المجيدة وعلي الثوار والشهداء الذين نبحث لهم عن قبور (شبر لكل منهم) ليرقدوا بأمان وسلام بعد أن قدموا للوطن أعز ما يملكون.. ولكنهم يخافونهم وهم جثث ملقية بأوضاع تكشف بشاعة الجرم وفداحته، وتفضح خوف ورعب كل من شارك في تلك المجزرة البشعة وما تلاها من جرائم، من المثول الى العدالة، والتي ستتحقق يوما ما، وإن طال الزمن.
تكرار هذه الأحداث مع اختلاف الزمان والمكان وطريقة المعالجة التي تنتهي بتكوين لجنة تحقيق لا ترى نتائجها النور الى أن تقوم الساعة، ويظل الجناة طلقاء، يمارسون حياتهم بصورة طبيعية كأن شيئا لم يكن. وتظل حكومة الفترة الانتقالية مسئولة مسئولية مباشرة عن إيقاف مثل تلك الجرائم، والكشف عن هوية الجثامين التي تم اكتشافها في السابقً في مشارح أم درمان، وود مدني، وبشائر ومستشفى الامتداد، أو وجدت في مقابر جماعية أو ملقية في مياه النيل. فمحاسبة من تستروا علي هذه الجرائم يجب أن تتم بأسرع ما يمكن، كما يجب تفتيش كل المشارح والمستشفيات بواسطة لجنة مستقلة يشارك فيها المجتمع المدني، وأسر المفقودين والشهداء، وممثلي لنقابتي الأطباء والمحامين وقضاة ووكلاء نيابة ممن يشهد لهم بالنزاهة والاستقلالية. كما يجب إيقاف كل المسئولين في المشارح والمستشفيات وفي مؤسسات الطب العدلي فوراً وإجراء التحقيقات الشفافة معهم، وألا يعود للعمل إلا من تثبت براءته ويحاسب من ثبت تورطه ويقدم للمحاكمات العادلة والعلنية. كما يجب أنشاء مشارح بمواصفات عالمية وتوفير الثلاجات الخاصة بالجثث ذات سعات كبيرة وفي غرف جيدة التهوية، ويجب أن تخضع المشارح الى رقابة طبية وإدارية ورقابة من العدل ومفوضية حقوق الإنسان، وأن تكون في أماكن بعيدة عن الأحياء السكنية.
حسناُ فعلوا لجان المقاومة بحي الامتداد بتصعيد هذه القضية وكشف عملية تحلل (190) جثة في (حافظات فاكهة) أسموها (مشارح) مكدسة لا تمت للإنسانية بصلة ولا تليق بكرامة البشر.. الكشف عن هذه الجريمة وحراسة المشرحة والمطالبة بتشريح الجثامين، وأخذ عينات من الحامض النووي (DNA) لكل جثة، وتفتيش المشارح والعمل على الكشف عن هوية الجثامين وتاريخ تواجدها والطريقة التي تم بها احضارها للمستشفى، كل هذه المطالب تؤكد حرص الثوار على تحقيق العدالة، وأن شرارة الثورة ستظل متقدة الى أن تحقق الثورة السودانية أهدافها، وأن الطريق لازال طويل وأن صبر الثوار أطول وأصلب أكثر صموداً واصرارا.
غياب المعلومات وتناقض ما يصل للرأي العام حول (الجثث المتحللة) بالمشرحة ومحاولة بعض الجهات الحكومية تبرئة نفسها من المسئولية، وتحميلها لجهات أخرى لن يوصلنا لحلول جذرية لهذه الجرائم، ويعرقل سبل المحاسبة والملاحقة القضائية. وفي اعتقادي أن ما حدث في مشرحة مستشفى الامتداد وغيرها تساءل منه كل الجهات التي لها صلة بالأمر وليس فقط هيئة الطب العدلي والتي من صميم مهامها تشريح الجثث وتحديد البصمة الوراثية.. فأي جهة حكومية مهما كانت درجة حصانتها مشاركة في هذه الجريمة إما بالتستر أو غض الطرف عنها، ومساءلة من الشعب السوداني ومن اسر المفقودين، الى أن تثبت براءتها.
وليواصل الثوار ولجان المقاومة في ممارسة دورهم الرقابي والثورى، واتباع كل السبل السلمية وآليات الضغط المشروعة للكشف عن مثل تلك الجرائم وتمليكها للرأي العام، والوقوف بصلابة الى أن يتم الكشف عن كل تلك الجرائم ومحاسبة الجناة وتقديمهم لمحاكمات علنية عادلة.
وفيتي وكفيتي استاذة لمياء في طرح هذا الموضوع الموجع والمفزع والمحزن بكل ابعاده .. وليته يجد اذنا صاغية .. لكن للأسف دولتنا لسه بعيدة كل البعد عن ثقافة مبدأ المحاسبة
سلمتي وسلم قلمك المبدع استاذة لمياء