الخميس, نوفمبر 20, 2025
مقالات

سلام عليك في دارٍ لا وجع فيها خالتي نورة عبد الحفيظ.. رحيل امرأة من ضوء وكرامة وقلب عاش للناس

بكاها: حسين سعد

في صباح يوم الاثنين الموافق 17 نوفمبر 2025 م ، فتحت هاتفي حيث وجدت رسالة من وليد عبد اللطيف ابن خالتي نورة عبد الحفيظ عائد مرسل لي رسالة ناقلا لي فيها رحيل والدته بالحلة الجديدة بالحصاحيصا ، لم أصدق الخبر حاولت الاتصال مرة اخري بوليد لكن هاتفه كان مغلقاً ثم حاولت الاتصال بشقيقته إخلاص أيضا كان هاتفها مغلقاً، بعد ذلك تابعت صفحة وليد في الفيس بوك فوجدت عدد من المعزيين والمكلومين ، حينها أجهشت بالبكاء وذهبت الي هاتفي واعدت سماع التسجيل الصوتي الذي بعثت به الراحلة خالتي نورة عبرهاتف ابنتها إخلاص عبد اللطيف في اللحظات الأولى من رحيل أمي التي سبقتها بإسبوعان فقط حين كانت الكلمات تخوننا جميعًا، وصلني صوت خالتي نورة كان صوتها المرتجف مواساةً حقيقية، وملمسًا حنونًا يربت على القلب الجريح. قالت كلماتٍ لن ننساها، كلماتٍ خرجت من قلبٍ يحب أمي كما أحبها أنا وأخواني وأولاد وبنات أهلي وكل الذين عرفوها، حيث قالت لي وقتها خالتي نورة وهي تبكي (الدوام لله يا حسين يا ولدي البركة فيكم ربنا يلزمكم الصبر الجميل إنت وأخوانك وشقيقتك عواطف الحمد لله يا ولدي الدوام لله يا حسين ) هذا كان حديث خالتي نورة في مواساتي في رحيل أمي الذي ضربني في العُمق، وأصابني بالشلل، وأنا خارج السودان ، هذا الرحيل الفاجع جعلني أقف في منتصف الحياة عاجزًا عن خطوة، كنتُ أحاول أن أستفيق من الصدمة، أن أمد يدي لشيء يمسك بي… لكن كل شيء كان هشًّا، وكل يوم يمرّ ببطء لا يشبه الزمن الذي عرفته، وفي اللحظة التي كنتُ فيها أبحث عن خيطٍ يعيدني إلى الوقوف، جاء رحيل خالتي نورة… جاء كصفعة جديدة على جرح لم يلتئم بعد. كأن الموت إختار أن يجرّب قسوة إضافية، أن يعيدني إلى أول الحزن، إلى العتمة ذاتها، كنتُ أقول في داخلي وللذين هرعوا لمواساتي بأنني : سأتماسك… سأستند إلى مَن تبقى. لكن من تبقى رحل. من كان صوتها يواسيني حين كسرتني الفاجعة الأولى، غابت هي الأخرى. خالتي نورة التي كانت تقول لي: «ربنا يقوّيك يا ولدي»… من يقوّيني اليوم بعد غيابها؟ رحيل أمي شلّني… ورحيل خالتي نورة أعادني إلى الأرض ذاتها التي سقطت فيها أول مرة. كأن الحزن يختبر صبري، وكأن الفقد صار ظلّي، واليوم أنا أكتب عن خالتي نورة بقلب موجوع ،وبعينٍ أثقلها الحزن، لان خالتي نورة عبد الحفيظ في الحصاحيصا كانت وجودًا يبعث الطمأنينة وغيابُها يترك فراغًا لا يُسد، رحلت خالتي نورة بعد خمسة عشر يومًا فقط كما قلت أعلاه من رحيل أمي خيرمنو… صديقتها الأقرب، رفيقة عمرها، ومرآتها التي تشبهها في الطيبة والصبر وسماحة الروح. كانت العلاقة بينهما أكبر من صداقةٍ عابرة؛ كانت وشائج مودّة تمتد لسنوات طويلة، تحملان فيها الهموم معًا، وتتقاسمان الفرح والحزن، وتمرّان على دروب الحياة كتوأمَي روح، لم تكن خالتي نورة مجرد معزّية… كانت جزءًا أصيلًا من أمي. وعندما أجرت أمي عملية جراحية في رجلها في أكتوبر 2025 بمستوصف الضفتين بالحصاحيصا، فتحت لها خالتي نورة بيتها قبل قلبها، إستقبلتها كواحدة من أهل الدار، وإحتضنتها بحنان امرأة تعرف معنى الوفاء، واليوم يا خالتي نورة رحيلك ما زال خبراً يرفض القلب أن يصدّقه، كنتِ إحدى تلك الأرواح التي تمضي بخفّة، لكن أثرها يبقى ثقيلاً في الوجدان… كيف لا، وأنتِ أمٌّ لرجال ونساء حملوا اسمك وورثوا عنك السكينة والكرم والاحترام، رحلتي يا أم الراحل علي عبد اللطيف، ويا أم مولانا حسن عبد اللطيف، ويا أم نادية وإخلاص وعثمان ووليد، رحلتِ وتركتِ في قلوبهم فراغًا لا يُملأ، وذكرياتٍ لا تُنسى، ووصايا من المحبة والتربية والستر لن يطويها الزمن. كانوا يستندون عليكِ كما يستند الغصن إلى جذره… فمن لهم اليوم وقد سكن صوتك الصمت؟ خالتي نورة لم تكوني فقط أمًّا، كنتِ أختًا وملاذًا لاخوانك محمد وميرغني واخواتك شامة وفاطمة ، كنتِ لهم سندًا حين يثقل الدرب، ومساحة دفء لا يخذل الداخل إليها. يعرفون أنكِ لم تغلقي بابك يومًا في وجه أحد، ولم تتأخري عن مواساة، ولم تبخلي بابتسامة حتى في أقسى الظروف.
كان حضورك طمأنينة، وغيابك اليوم وجعٌ يسكن كل من عرفك، ورأي روحك الهادئة، وطيبك الذي يسبقك، وحنانك الذي يجمع الناس… اليوم نفتقد كلمة منك كانت تشدّ ظهر الضعيف، ونظرة منك تواسي، ويدًا تقدم الخير دون أن تُرى، برحيل خالتي نورة
رحلت معها صفحة من دفء الماضي، وركن من ذاكرة أمي، وصوتٌ كان يمسح الألم عن صدورنا
اللهم ارحمهما رحمة واسعة، واجعل صبري عليهما طريقًا إلى السكينة لا إلى الانكسار،
اللهم ارحم خالتي نورة وأمي خيرمنو، واجمعهما في جناتك كما جمعتهما المودة في الدنيا.
اللهم اجعل قبريهما نورًا، إنا لله وإنا إليه راجعون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *