الحرية والتغيير وتغيير المشهد السياسي
بقلم: حسين سعد
من المتوقع ان يحدث تحول في المشهد السياسي قريبا ،وهناك ثمة مؤشرات لذلك فضلا عن خيبات الامل جراء ممارسات وسلوك الحاضنة السياسية قوي الحرية والتغيير التي قادت العمل، ولم تستفيد من الدروس السابقة والفاشلة لتجارب الانتقال السابقة التي عجزنا فيها من تحقيق الانتقال الديقراطي، وعدنا مرة أخري الي الانقلابات العسكرية و(حكم العسكر المابتشكر) وذلك عقب ثورتي أكتوبر وأبريل ،واليوم ما أشبه الليلة بالبارحة (ملحوظة سنناقش تفاصيل مكونات الحرية والتغيير ضمن سلسلة الحكومة الانتقالية أزمات خانقة وإرادة للعبور وكذلك سوف نتناول السيناريوهات المتوقعة ) لكن في هذا المقال سوف نستعرض تلك الخطوات وأبرز ملاحها .
تحركات مهمة:
بلادنا مازالت تعيش في أنهار من الدماء بسبب النزاعات والمصادات القبلية الدامية التي تمددت في كل الولايات ،ويعكس عجز الحرية والتغيير واستجابتها لمطلب الجبهة الثورية في تأخير تسمية ولاة الولايات يعكس هذه الوضعية الحرجة لحالنا بالولايات التي تعيش توترات أمنية ،كما كشفت لنا المحاصصات الحزبية في الوظائف والترشيحات كشفت لنا قناع الذين كانوا يتدثرون تحت عناوين ولافتات اخري،أما الجهاز التنفيذي فحاله يشوبه القصور وخيبات الامل ايضا فهاهي الحكومة وبالرغم من نجاحها في معارك عديدة، ومن بينها أدارتها لمعركة جائحة كورونا الا انها -اي-الحكومة الانتقالية لم تعالج قضية معاش الناس بشكل حاسم فالازمات ماتزال ترهق المواطن،كما أنها لم تضع رؤية لملف السلام بشكل استراتيجي ،لكن وبالرغم من كل ذلك الا ان الضبابية التي كانت تتسيد المشهد بدات تنقشع ،وفي ذات الوقت أتضحت الصورة للقوي الحقيقة والفاعلة من خلال التواصل والتنسيق عبر قنوات اتصال اعلامية وسياسية،متصديه لمهمة إصلاح العملية السياسية والابتعاد عن اقصاء البعض والشلليات، أن أبرز ملامح الحراك الجديد يتمثل في الاتي:
(1) التحركات من قبل أحزاب ومجتمع مدني وشخصيات قومية ومجموعات شبابية ونسائية لجهة اصلاح الاوضاع داخل الحاضنة السياسية الحرية والتغيير، فهناك أصوات أخذت تعلو منذ فترة تُطالب بإصلاح التحالف وإعادة هيكلته في ضوء مراجعة مسيرة، وتزامنت هذه الأصوات مع تقديم عدد من أعضاء التحالف مقترحات لاصلاح الحرية والتغيير،وفي حديث مع بعض الناشطيين والثوار أبدوا أسفهم من حالة الانقسام والتشرذم التي طالت القوي السياسية التي ينتظر منها أدارة الترة الانتقاية وبناء السودان الجديد وتطبيق شعار الثورة (حنبنيهو) ويري البعض ان الاحزاب السياسية قدمت تضحيات كبيرة طوال (30) سنة في مواجهة الاستبداد، وفي نضالها من أجل نظام وطني ديمقراطي وتعرض قياداتها للاعتقالات والتشريد ومنعها من قيام منابرها وندواتها السياسية الامر الذي جعلها تعمل في سرية ،وألحق بها تشوّهات كبيرة، كما لجاء النظام البائد لغرس بذور الفتن والشقاق داخل الاحزاب السياسية.
(2)التجمع والتجمع:
أكد تجمع المهنيين السودانيين وتجمع القوى المدنية في بيان مشترك لهما موقفهما الداعم لتعزيز الدولة المدنية وحفظ الحريات لبناء دولة المواطنة دون تمييز، والتأكيد على فصل الدين عن الدولة.وأشار البيان إلى اتفاق الطرفين على عدم دستورية مهام المجلس الأعلى للسلام، وطالبا بأن تدار العملية السلمية بواسطة مجلس الوزراء على أن تكون شاملة وتقوم على أساس القضايا وليس المسارات.وطالب البيان كذلك بضرورة الإسراع في تعيين حكام الولايات المدنيين،وتكوين المجلس التشريعي وأعلن الطرفان رفضهم للحلول الجزئية للاقتصاد من رفع الدعم للسلع الأساسية، وأن يتم النظر للإصلاح الاقتصادي في حزمة متكاملة مستمدة من البرنامج الإسعافي للفترة الانتقالية.
(3)نداء السودان:
ناقشت قوي نداء السودان مشروع إعادة ترتيب وتنظيم الكتلة وضرورة المحافظة على وحدة تحالف قوى الحرية والتغيير وتطويرها ودعم مجهودات الإصلاح المؤسسي فيها وتقديم رؤية متكاملة حوله.واكدت نداء السودان ضرورة دعم ومساندة الحكومة الانتقالية وأهمية تعزيز دور قوى الحرية والتغيير كحاضنة سياسية لها.وناشد الاجتماع أطراف الجبهة الثورية بالعمل على رأب الصدع بين مكوناتها بغية الوصول لرؤية مشتركة بالنظر لدقة المرحلة
(4) الشلليات:
ومن قبل قال القيادي بالبعث السوداني محمد وداعة لـ(الجريدة) : منذ ديسمبر الماضي كان لنا رأي في أداء قوى الحرية والتغيير كحاضنة سياسية تحولت من القيام بادوارها السياسية إلى جهة تنفيذية توزع أعضائها بين لجان تفكيك الانقاذ والسلام وغيرها ، واتهم وداعة مجموعة داخل التحالف باختطافه والتصرف فيه وكأنها تُملكه ،وقال وداعة تقدمنا بمبادرة لاصلاح وتصحيح مسار التحالف في فبراير الماضي تمسكنا فيها بعودة الحرية والتغيير لميثاقها وللوثيقة الدستورية التي أخترقت أكثر من مرة ، وتشكيل المفوضيات التي نصت الوثيقة الدستورية على تكوينها خلال ستة أشهر من بداية الحكومة الانتقالية، وكذلك تعيين الولاة المدنيين والمجلس التشريعي، وأرجع وداعة فشل وعجز الحرية والتغيير في التصدي للازمات المتشعبة والمتداخلة بالبلاد لسيطرة الشلل والتكتلات عليها، وأضاف لذلك لا بد من هيكلتها لانهاء الاختطاف الذي حدث لها، وزاد تجد شخص في 7 لجان وآخر في 13 لجنة ويفتي ويقرر كما يريد دون الرجوع للمكون الذي رشحه كما حالنا في قوى (نداء السودان) مثلاً
(5) تحديات كبيرة
من جهته قال بيان لحزب المؤتمر السوداني تشهد بلادنا تطورات مهمة على كافة الاصعدة تضع كامل مسار المرحلة الانتقالية أمام تحديات كبيرة.وأوضح الحزب في بيانه الذي تحصلت مدنية نيوز علي نسخه منه ان قوى الحرية والتغيير تعاني من وجود مشكلات واضحة فى بنيتها التنظيمية، جعلتها تتقاصر عن استيعاب شامل لكل قوى الثورة وعن تمثيل معتبر لبعض القوى ذات الوزن الشعبي والسياسي والتاريخي القديم، أو قوي أخرى حديثة تستبطن وزنا شعبيا مستقبلياً مقدراً، بالصورة التي تراها عادلة، مما أضعف عمل التحالف في جبهات عدة.
(6)مقترحات:
وفي المقابل قال محمد الهادي محمود الامين العام المكلف للحزب الوطني الاتحادي الموحد في بيان له بعنوان(اعلان الحرية والتغيير ومطبات الفشل والامل المعقول)
_ يجب علينا الاعتراف بالأخطاء الجسام التي وقعت فيها الحرية و التغيير و نقول بكل صدق كلنا نتحمل المسؤولية في خطأ تسيير دفة الامور و معالجة الاوضاع بالتنسيق مع المؤسسات الدستورية للفترة الانتقالية في وضع السياسات البديلة الاقتصادية و تصحيح مؤسسات الخدمة المدنية و تفكيك النظام و إقامة المحاكمات و القصاص للشهداء الذين هم اكرم منا جميعا و تحقيق السلام العادل و تكملت المؤسسات الدستورية غياب المجلس التشريعي أصاب الفترة الانتقالية بضرر كبير بعدم وجود الرقابة على المؤسسات الدستورية و التشريع ،و عدم تعيين الولاة للولايات التي كان لها القدح المعلا في هذه الثورة العظيمة و التي تطالب بالتغيير حيث لا زالت تتحكم في مفاصل الولايات ارباب النظام السابق
_ وقال الهادي في بيانه الذي تحصلت مدنية نيوز علي نسخه منه لكل ذلك وجب علينا الوقوف أمام هذا التحدي الكبير من الفشل والبطء الذي أصاب العمل بتحقيق كامل اهداف الثورة لذا نرى من جانبنا الحل حتى نضع الثورة في مسارها الصحيح الذي انتفض من أجلها الشعب السوداني مرددا شعارها العظيم حرية سلام و عدالة ان يتم التحضير و بأقصى سرعة لاجتماع لكل من وقع على اعلان الحرية والتغيير و ممثلين لجان المقاومة في كل أنحاء السودان يمثل هذا الجمع الجمعية العمومية لإعلان الحرية و التغير ليقولو كلمتهم في وضع السياسات البديلة لكل المسارات الاقتصادية و السلام و التشريعات لتصحيح المنظومة العدلية، التوافق على وضع ميثاق شرف يحكم تحالف الحرية و التغيير بأن تعلو القضية الوطنية المصيرية للبلاد فوق كل طموحات شخصية و حزبية حتى انقضاء الفترة الانتقالية و قيام الانتخابات الحرة النزيهة،وضع لائحة لتنظيم أعمال الحرية و التغيير و الهيكل الهرمي الذي يقود عملها، ألا يتولى الشخص اكثر من منصب في أجسام و لجان الحرية و التغيير ،و المشاركة الفاعلة للمرأة و الشباب و لجان المقاومة في أعمال و لجان الحرية و التغيير.
(7)مهام عاجلة:
وكان حزب الامة القومي قد قال في بيان له تلقت مدنية نيوز نسخه منه قبل تجميد نشاطه في الحرية والتغيير هناك مهام عاجلة ينبغي الالتفات لها وإنجازها بكفاءة تتجاوز عثرات التكوينات الحالية ومن بينها تكوين المفوضيات القومية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية بأسرع فرصة،كما ان عملية السلام الجارية الآن في جوبا لن تؤدي لسلام،لذلك ينبغي وضع إستراتيجية لعملية السلام تضمن شموليتها والتزامها بأجندة السلام بعيداً عن أية طموحات وبرامج حزبية،والإسراع بتكوين المجلس التشريعي بصورة متوازنة،ودعا الحزب لعقد المؤتمر الاقتصادي فوراً عبر الوسائط الإسفيرية،وقال ان فجوات الوثيقة الدستورية سمحت لأطراف السلطة الانتقالية بتعدي اختصاصاتهم.
(8)برادايم جديد
وفي المقابل دعا الدكتور النور حمد الي (برادايم جديد) أي، إطارًا مفاهيميًّا، يضع ممارستنا السياسية في مسارٍ منتجٍ، مغايرٍ لمسارها المعوج، الذي سلكته، منذ الاستقلال. وقال النور في مقال له في صحيفة التيار نشر في مارس الماضي أن ما لقيته هذه الثورة، وهي تبحث، في يُتمِها الذي شبت به، عن قيادةٍ لها، وعن حكومةٍ تمثلها، جاء دون التطلع، ودون الحاجة الماثلة، بكثير.
ومضي النور بقوله :الشاهد، أن الاستقطاب، التقليدي/الحداثي، القديم، لا يزال قائمًا، مثلما كان، منذ الاستقلال. والمخرج في تقديري، هو إنهاء هذا الاستقطاب، ورفع راية التفكير الاستراتيجي، بعيد النظر. ولابد، في تقديري، من إعادة النظر في ديمقراطية ويستمينستر، وإيجاد صيغةٍ جديدةٍ، متوافقٍ عليها، بها ننتشل القوى السياسية من خانة المجابهات الضارة، لبعضها، وجرها، في اتحادٍ، إلى خانة مجابهة الواقع المتخلف.
(9)تعديل موازين القوة
وفي تعليق له علي ماخطه يراع الدكتور النور حمد كتب الدكتور عطا البطحاني قائلا: أن قوى الثورة حتى الآن لم تنجح في تعديل موازين القوة، وذلك لعدم وجود “وحدةٌ صلدةٌ بين قوى الثورة، تمكِّنها من انجاز نصرٍ حاسم، به يذهب الجيش إلى ثكناته”. “كما لا توجد قيادةٌ كارزميةٌ مجمعٌ عليها تمنح الثورة، السلطة الفكرية والأخلاقية”. والأثر السلبي لهذين العاملين تعكسه قراءة ثيرموميتر علاقات القوة بين المكون العسكري والمكون المدني. وهو ما يظهر في أداء كل مكون وحصده للنقاط لتعديل ميزان القوة.
(10)تقوية الوحدة:
الي ذلك كتب الدكتور الباقر العفيف الي ما ذكره كل من النور والبطحاني قائلا: إن تاريخ التحالفات السياسية في السودان لا يبعث الأمل في النفوس، بل يحمل على اليأس من إمكانية صناعة تحالف صلب. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه الهشاشة في تحالفاتنا السياسية أمر أزلي، وصفة تكوينية طبيعية، أو جينية، في أحزابنا؟ أم أن ضعف التحالفات وهشاشتها نابع من كونها لا تقوم على أسس علمية وواقعية. فاذا اتفقنا أن تعديل ميزان القوة لمصلحة المدنيين لا يتأتى الا بتمتين وحدة قوى الثورة، يصبح السؤال: ما هي الكيفية التي يمكن أن نحقق بها هذا التمتين؟ لابد لنا من ابتدار مشاريع علمية لتقوية هذه الوحدة، تقوم على المعرفة والإحصاء وقياس الرأي، تقوم بانجازها، مثلا، أقسام العلوم السياسية في الجامعات، خاصة أن البلاد تعوزها المراكز البحثية المتخصصة، أو ما يسمى(الثنك تانك) ،وأقترح العفيف أن تتعاون منظمات المجتمع المدني، مع أقسام العلوم السياسية في الجامعات لتطلع بعمل دراسة متكاملة، يتأسس عليها إعادة هيكلة تحالف الحرية والتغيير. وقال العفيف ان مبادرة حزب الأمة لإعادة هيكلة الحرية والتغيير، في تقديري، على سبيل المثال، محكوم عليها بالفشل، لأنها ببساطة تهدف لهيمنة الحزب على التحالف، بدعوى أنه كان أكبر الأحزاب التي نالت مقاعد في آخر انتخابات، رغم أن تلك الانتخابات جرت منذ أربعة وثلاثين عاما،وأن هناك براكين سياسية تفجرت في البلاد، خلال هذا الزمن المديد، أصبح فيها السودان سودانَيْن. كما تمزقت دارفور شر ممزق، وتحول الهامش إلى قوة سياسية لها وزنها السياسي والعسكري. يضاف إلى ذلك، أن شباب الثورة قد كفر بالأحزاب.