قادة الكفاح المسلح.. جدل حول العفو السيادي عقب السلام
قضية تطرحها: أم سلمة العشا
دار جدل حول أهمية إصدار مراسيم عفو رئاسية عن قادة الحركات المسلحة الذين كانوا يحملون السلاح قبيل انضمامهم لعملية السلام ووصولهم للبلاد.
ودار الجدل حول البلاغات المفتوحة في مواجهة المتهمين بارتكاب جرائم في دارفور خلال السنوات الماضية من قادة الحركات المسلحة، التي وقعت اتفاقية السلام في (3) أكتوبر الماضي في عاصمة جمهورية جنوب السودان جوبا مع حكومة الفترة الانتقالية، حيث وقعت حركات الكفاح المسلح ممثلة في الجبهة الثورية وبعض المكونات التي أدمجت داخلها.
وهناك عدة أسئلة تفرض نفسها مثل: هل ستسقط الأحكام التي صدرت في مواجهة قادة الحركات؟، وهل العفو الرئاسي يتضمن عفواً عاماً وخاصاً، وما هي المعالجة التي ستتم إزاء ذلك من قبل السلطات الحكومية؟
ردة فعل
وأثار الجدل حول ضرورة إصدار مراسيم عفو سيادية، ردة فعل من قبل الحركات المسلحة، حيث رفض رئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، الربط بين وصولهم الخرطوم وصدور مراسيم عفو سيادية، وقال مناوي إن قادة الحركات المسلحة ليسوا بحاجة إلى صدور مراسيم عفو بعد سقوط النظام الذي كانوا يحاربونه، واعتبر اتفاق السلام نفسه عفواً، وتساءل (خلافنا مع النظام السابق سياسي وليس جنائياً، فما حاجتنا لعفو).
وأشار قانونيون إلى أن إسقاط القضايا ضد قادة الحركات المسلحة بعفو رئاسي يشمل القضايا التي لها علاقة بالحق العام، ولا يمكنه مطلقاً إسقاط ما هو متعلق بالحق الخاص.
وتفاوتت الآراء حول إصدار عفو رئاسي وإسقاط عقوبة عمن صدرت في حقهم أحكاماً غيابية وذلك في الحق العام، وقضايا الحق الخاص، إضافة إلى بعض البلاغات التي لم تتحول إلى سوح القضايا، والتي يجوز للنائب العام أن يستخدم سلطاته تحت المادة (158) لإبطال تلك البلاغات.
وبناءً على تلك المعطيات فإن البعض يرى أنه من الأهمية بمكان استعجال العفو الرئاسي، لأن تحريك أي من الإجراءات المعنية ضد أي من القيادات سيحدث تشويشاً لعملية السلام.
بلاغات كيدية
وأشار الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية محمد زكريا في تصريح لـ(مدنية نيوز) أن البلاغات في مواجهة قادة الحركات المسلحة في مجملها بلاغات كيدية سياسية، وتتطلب اتخاذ قرارات سيادية بالعفو العام، وكذلك تشكيل لجان لمتابعة هذه القضايا قانونياً لضمان أن كل البلاغات الكيدية تم إغلاقها.
ومن جانبه رأى خبير قانوني – فضل حجب اسمه- في إفادة لـ (مدنية نيوز) أمس، أنه من الضروري صدور عفو عام من مجلس السيادة حتى يتسنى لمن صدرت في حقهم أحكاماً سابقة التمتع بحقوقهم كاملة ولا يتعرضون للمساءلة القانونية.
وقال الخبير: (هناك جرائم الحق الخاص وهي لا يجوز العفو فيها، إذا تمسك أولياء الدم بحقوقهم القانونية)، وأَضاف (ربما يتذكر الكل حادثة إعادة وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة ياسر عرمان عندما تم إبعادهم إلى جوبا بعد وصولهم بأيام إلى الخرطوم، وكانت حجة المجلس العسكري وقتها أنّ عرمان ملاحق قضائياً، وأن وجوده في ظل أوضاع كهذه ستجعله عرضة للملاحقة القانونية).
ورأى قانونيون آخرون أن الأصل في أحكام المحاكم أنها نافذة منذ لحظة صدورها، ولا تبطل إلا بقرار صادر عن محكمة أعلى مختصة استئنافاً أو نقضاً أو مراجعة أو طعناً دستورياً، ولفتوا إلى انه ما خلا ذلك لا يجوز البتة، خاصة إذا صدر بطلانها من جهة سياسية أو تنفيذية، وعدّوا ذلك إهداراً لمبدأ استقلال القضاء.
مصالحة وعدالة
العدالة ركن أصيل من أركان ثورة ديسمبر السودانية المجيدة حسب حديث الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية محمد زكريا، الذي أكد أن ملف المصالحة والعدالة وجد حيزاً من النقاش، وقال: (خلال المفاوضات في جوبا خلصنا إلى مبادئ توافقنا حولها لتحقيق الإنصاف وجبر الضرر، ومثول المتهمين المطلوبين للعدالة الدولية للمحاكم، وتشكيل المفوضيات المعنية بالعدالة، والمحاكم في دارفور وأن تكون المفوضيات مستقلة من حيث الترتيب والتمويل والإدارة حتى يتوفر لها ضمان استقلالية القرار).
وتابع: (لا ندعي أننا نرفض مسألة المثول للمحاكمة إن كان هناك طرف من قادة الكفاح المسلح قد أجرم، نحن جاهزون للدفاع عن أنفسنا).
واعتبر زكريا، أن هناك كثيراً من البلاغات الكيدية والسياسية التي فتحها النظام السابق ضد قيادات العمل المسلح، وأوضح أن بعضها ذو طابع جنائي والبعض الآخر ذو طابع سياسي، وأردف: (لكن في مجملها فهي بلاغات كيدية سياسية وتتطلب اتخاذ قرارات سيادية بالعفو العام).
وفيما يتعلق بموضوع الضحايا على مستوى مناطق النزاع في دارفور والمنطقتين، أشار الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية، إلى أن المفوضيات المختصة ستنظر في الجرائم التي تقدم بها الشاكي في المستويات المحلية في حال توفر الأدلة.
وأوضح زكريا، أن منهج المصالحة متبع، وانه من المهم أن يتم إعلاء قيمة العدالة الانتقالية، والمصالحة بالتعويضات لأن كثيراً من الجرائم طمست معالمها وكذلك الكثير من الأدلة لإثبات هوية الجاني ومرتكب الجريمة، وزاد: (لابد من اتباع منهج التعويضات كبديل لتحقيق العدالة، وهذا يتبع في حالة عدم وجود أدلة كافية تجاه الجاني).
رؤية قانونية
ومن جهته قال الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن: إنه من المفترض أن تنتهي كل البلاغات المفتوحة في مواجهة قادة الحركات المسلحة والمرتبطة بالنظام المخلوع كبلاغات الجرائم الموجهة ضد الدولة، وتقويض النظام الدستوري، وشدد على ضرورة أن تكون تلك البلاغات قد انتهت بمجرد ذهاب النظام المخلوع.
وأضاف: (لكن إذا كانت هناك بلاغات مفتوحة من قبل أفراد فيما يتعلق بالحق الخاص، فهي لا يجوز العفو العام فيها، وأبان أن العفو العام يكون فقط في بلاغات الحق العام).
وحسب رؤية قانونية أخرى فإن حديث رئيس حركة تحرير السودان والقيادي بالجبهة الثورية مني أركو مناوي، ينطلق من منصة سياسية لا علاقة لها بالمنطق القانوني، ورأى ذلك المصدر القانوني أن كل البلاغات في القضايا المفتوحة بموجب إجراءات قضائية تظل سارية، وأنه في حال عدم صدور قرارات العفو السيادي ستكون تلك الإجراءات القانونية موجودة، وأنّ الموضوع لا علاقة له بالنظام المخلوع.
وشدد ذات المصدر على أن المبادئ العامة لحقوق الإنسان والقانون الدولي تنص على التأكد من مساءلة جميع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، وأن تنفيذ القانون الإنساني الدولي من اختصاص المحاكم الوطنية أو محكمة الجنايات الدولية أو المحكمة الخاصة لجرائم الحرب في دارفور، وذكر: (هذا نص في المبادئ العامة ويجب تنفيذه).