نُريده سلاماً شاملاً وعادلاً
بقلم: لمياء الجيلي
أسمت (دانشا) مولودتها (سلام) احساساً بقيمة السلام وأهميته في حياة الإنسان.. فتجربة (دانشا) السمراء الهاربة من ويلات الحرب في إقليم تقراى (تكرينيا) والتي وصلت الي بر الأمن بعد أن عبرت الحدود السودانية الأثيوبية سيراً على قدميها مسافات طويلة وعبرت طرقاً وعرة محفوفة بالمخاطر وبالموت من كل جانب، تحمل في أحشائها جنينيها الذي سمع صوت الرصاص وأحس بنبضات الخوف والرعب قبل أن يخرج الي الحياة.. هذه التجربة القاسية عرفتها فظاعة الحرب ونعمة السلام فقالت في حديثها لوكالة السودان للأنباء، بعد أن وصلت الي معسكر اللاجئين المؤقت بمدينة (الفشقة)بعد أن وضعت مولودتها (سلام) فور وصولها الي البلاد.. قالت اسميتها سلام تيمنا وتمنياُ بتحقيق السلام والاستقرار في بلدها أثيوبيا.
هذه التجربة القاسية وغيرها من التجارب المؤلمة والمرعبة بسبب الحرب وما تخلفه من دمار وخراب جعلت السلام من المطالب الأساسية التي نادت بها ثورة ديسمبر المجيدة وأكدت على ذلك في الوثيقة الدستورية الفصل الثاني المادة ( 7) والتي تنص علي “تكون الأولوية خلال الستة أشهر الأولى من الفترة الانتقالية للعمل الجاد لأجل إحلال السلام طبق ما ورد في برنامج الفترة الانتقالية في هذا الشأن “. وأوضحت الوثيقة في المادة (8) من الفصل الثاني كيفية تحقيق سلام حقيقي ومستدام حيث نصت المادة على “العمل على تحقيق السلام العادل والشامل وإنهاء الحرب بمخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة أثارها مع الوضع في الاعتبار التدابير التفضيلية المؤقتة للمناطق المتأثرة بالحرب، والمناطق الأقل نمواً والمجموعات الأكثر تضرراً” ..وبمراجعة ما ورد في الدستور وما نادت به حناجر الثوار يحق لنا التساؤل حول الى أي مدى ما جاء في اتفاقية جوبا للسلام الموقعة مع الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية في الثالث من أكتوبر الماضي يتماشى ويتوائم مع ما جاء في الوثيقة الدستورية ؟أو بعبارة أخرى، هل إنفاذ هذه الاتفاقية يمكن أن يحقق السلام العادل والشامل؟ وهل خاطب جذور المشكلة السودانية؟ .. لا اريد هنا أن أجيب على هذا التساؤل وغيرها، ولا أرغب في تناول ما ورد بالاتفاقية من بنود سلباً أو إيجاباً.. أريد أن أنظر على ردود أفعال أصحاب المصلحة والشركاء في تحقيق السلام، بعد توقيع الاتفاقية، وتأثير ذلك على المستقبل الأمني والسياسي بالبلاد. فلازال، حتى كتابة هذا العمود، عدد من الطرق القومية مغلقة بواسطة مكونات لديها تأثيرها في مجتمعاتها احتجاجاً على المسارات ورفضاً للمنهج والطريقة التي تمت بها المفاوضات لأسباب مختلفة أهمها تغييبها ومنح حق مناقشة قضاياها لآخرين لم تختارهم ولم تفوضهم للقيام بذلك، وهذا حق مشروع. من ردود الفعل الأخرى الإعلان عن حركات مسلحة جديدة تطالب الحكومة بأن تفرد لها منبر جديد للتفاوض وكذلك حدوث انشقاقات وخروج بعض الحركات من قوى الكفاح المسلحة الموقعة علي اتفاق جوبا، وردود الفعل العنيفة تجاه الأنشطة المرتبطة بالتوعية بالاتفاقية وأخرها الهجوم (المسلح) الذي تعرضت له ندوة الجبهة الثورية يوم الجمعة الماضي في الحاج يوسف، وللمرة الثانية (للأسف الشديد) من قبل رافضين للاتفاقية، وأصيب في هذه الأحداث الناطق العسكري باسم قوات الحركة ونائب رئيس هيئة الاركان أحمد جدو، كما أصيب أمين التنظيم والادارة الصادق برنقو بإصابة بالغة في الرأس نقل على إثرها للمستشفى ، كما أصيب العشرات من قيادات حركة وجيش تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة دكتور الهادي إدريس.
هذه الوقائع تربك المشهد السياسي، والذي يعاني أصلاً من ارتباك كبير لأسباب عديدة داخلية وخارجية.. كما أنها تعيدنا الي مربعات تجاوزتها الثورة، وعبر بها الثوار الي رحاب أوسع. فتجزئة عملية السلام عبر الاتفاقات الثنائية والمسارات (المصطنعة) والممنوحة دون (تفويض) أثبتت فشلها منذ عهد النظام البائد، وأثبتت التجارب أنها لن تحقق سلام شامل ومستدام. كما أن السلام لن يكتمل دون عدالة، والعدالة والإنصاف لا يتحققان إلا في ظل سلام حقيقي ينبع من القلوب وترضى به العقول، أساسه التسامح والمحبة واحترام وقبول الآخر. فالاتفاقيات تساعد في الوصول الي سلام ولكنها لا تحققه ما لم تكن هنالك إرادة سياسية وجدية في تحقيق السلام.
لابد من الإسراع في اكمال عملية السلام بإنجاز ما بدأ من حوارات ومشاورات مع الحركات الثورية الأخرى والتي لم تكن طرفاً في اتفاقية جوبا، حتى لو تتطلب الأمر، مراجعة الاتفاقيات السابقة ووضع اتفاق شامل يوقع عليه كل الأطراف مع الحكومة السودانية، وبرضى وإشراك أصحاب المصلحة نساءً ورجالاً لضمان أرضية صلبة لتطبيقه على الأرض.
دور مهم وفعال للقوي المجتمعية الأخرى وللجان المقاومة والتنظيمات القاعدية ومنظمات المجتمع المدني لبناء السلام والتعايش المجتمع من خلال التثقيف والحوارات المجتمعية المفتوحة يجب أن يفعل وينشط.. فهذه القوى المجتمعية والمدنية لديها أدوار مهمة في كشف أعداء السلام وأثرياء الحروب والنزاعات والذين يستغلون المكونات القبلية المختلفة لزرع بذور الفتنة وإشعال الصراعات والنزاعات القبلية. أعداء السلام، سواءً كانوا تجار سلاح أو منسوبي النظام البائد الذين يعملون بكل السبل لإفشال الفترة الانتقالية بخلق الصراعات يتحملون وزر ما نشب وما قد ينشب من صراعات قبلية وإثنية.. فمراقبة ورصد وتتبع ورصد انتهاكات أعداء السلام مهمة كل مواطن/ة حريص/ة على مصلحة الوطن وعلى استقرار هذه البلاد ونماءها.