الثورة والوأد من الداخل وما العمل (2-2)
بقلم: محمد الصحابي
نستمر في مسألة تشخيص واقع مسيرة الثورة والوأد من الداخل، وللمفارقة أن حكومة الثورة عندما اختارت توجهها الاقتصادي المتناقض مع اعلان الحرية والتغيير، والساحق للسواد الأعظم من الشعب، بالاعتماد علي الوصفات الدولية، نفذت ذلك بنهج لا يتسق وترسيخ قيم الشفافية، فلم تُصارح الشعب وتملكه الحقائق وتبعات هذا النهج علي واقعه المعيشي وعلي الملف الاقتصادي بصورة عامة، فالمسئولية الأخلاقية تحتم عليها الشجاعة في الطرح دون تكرار أساليب العهد البائد التي ثارت ضده الجماهير، يُضاف الي ذلك النهج الكارثي تلاحظ أن ملف التعيينات في الخدمة المدنية كالمدراء العاميين وبعض المؤسسات اصبح يتم فيها تسكين العناصر الهشة ذات الارتباطات المشبوهة بالنظام السابق، غير مكترثة لتحذيرات ومقترحات الأجسام الثورية واحترام إرادتها، وكأنما ما تنزعه لجنة التفكيك باليمين تعمل مراكز صنع القرار علي ثبيته بالشمال!؟؟ فهل هذا النهج سيقود الي تفكيك وإزالة التمكين؟ وماذا نُسمي تلك الأفاعيل؟ وهل يشوب ذلك تبادل أدوار؟ أم ماذا؟ وهل حكومة الثورة اتخذت من الثوار السند الحقيقي لها عدوا لها؟ ولماذا تتهاون مع أو تُهادن العدو الحقيقي (الكيزان والفلول) الذي أورد البلاد موارد الهلاك؟ ونمضي قدما في تلك الممارسات التي تفضي الي وأد الثورة من الداخل، فنجد غياب الرؤية الاستراتيجية للعلاقات الدولية، والضرب بعرض الحائط لما جاء في إعلان الحرية والتغيير والوثيقة الدستورية ((الثالثة))!! بعدم إتباع سياسة المحاور، وبناء العلاقات الخارجية على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة، وكذلك بالنسبة لمحور الإعلام الذي يفتقد الرؤية الواضحة وإن وجدت لم تبارح الأضابير لتجد طريقها الي التنفيذ، فالفلول مسيطرون إعلاميا من خلال بث الإشاعات والعمل علي إشاعة روح الإحباط وسط الجماهير، وحتي هذه اللحظة نفتقد الي جهاز إعلامي قوي يتناسب وحجم الثورة، ليقدم محتوي برامجي مميز يخدم قضايا الثورة ويدعم تفكيك وإزالة التمكين وكل تشوهات النظام المدحور، ويفضح كل انتهاكات النظام البائد توثيقيا، كما نجد عدم إحكام عملية المتابعة والتقييم والرقابة اللصيقة والنهج التقويمي للأداء التنفيذي بصورة عامة، وكأنما هذه الأدوات ممنوعة من الصرف ولا مكان لها في قاموس حكومة الثورة! فهل بهكذا نهج يمكن أن نشهد تغييرا يُلبي تطلعات وآمال الثوار؟ والحادبين على استكمال مهام الثورة؟ زيادة علي ذلك أن حكومة الثورة تغض الطرف عن الأزمات الحياتية ومعاناة المواطنين فمثلا مشكلة وسائل النقل العام (الموصلات) ما زالت تراوح مكانها؟ فلماذا استعصت هذه المشكلة الحيوية على الحل؟ وفيما سبق صرح مدير شركة المواصلات العامة بولاية الخرطوم في شهر يناير بداية العام الحالي، بان رؤيته ترتكز على خطة اسعافية لصيانة وتأهيل عدد من الباصات، وخطة متوسطة تتضمن استيراد (1000 باص)، وبان الخطة لحل الأزمة يحتاج 400 ألف دولار فقط؟!!، وهدد بالاستقالة إن لم تضعها الحكومة ضمن أولوياتها؟ فلماذا لم تنفق اموال (القومة للسودان) لتسهم في تخفيف هذه الأزمة؟ وهل مازالت اللجنة العليا لحل ازمة الموصلات موجودة؟ ولماذا لا يُصارح الشعب بشفافية عن المعضلات التي تعترض طريق المعالجات؟ فحتما أن المكاشفة ستستنفر الجهود الشعبية مرة أخري ومرات لن ولم تتوقف حتى بلوغ ضفاف الحلول، فالواقع يؤكد ذلك فالتضافر الشعبي الذي لمسناه في ملحمة الاعتصام وجائحة الكورونا وكارثة الفيضان والسيول والأمطار كفيلة بحلحلة هذه الإشكالية وستتعداها الي حلحلة قضايا أخري، هذا هو الشعب المعلم فمن لا يؤمن به غير جدير بحكمه.
نوجه العدسة التشخيصية الي الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية (الحرية والتغيير)، وهي كما يعلم الجميع تتكون من عدة مكونات تمثل كتل سياسية متباينة في المرتكزات الفكرية والبرامجية والخطوط السياسية، حيث ظهرت في الحراك الثوري بشكل واضح عند التوقيع على إعلان الحرية والتغيير في يناير 2019م، تواثقت فيه على العديد من البنود وجددت توافقها على اسقاط النظام، تقدمها في ذلك تجمع المهنيين الذي برز كقائد للحراك الثوري بعد تفجره في القري والأرياف والمدن، ليؤهله ذلك ليكون مكونا أساسيا في الحرية والتغيير، ولكن الحرية والتغيير منذ أن اختارت التفاوض مع المجلس العسكري بدأت رحلة الصعود الي اسفل، فاستمر المد والجزر التفاوضي وسط أجواء تسودها الضبابية، حتي وقوع مجزرة فض الاعتصام تلك الجريمة التي ترتقي لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لتستيقظ البلاد علي شلالات الدماء وبحور الأحزان، واستمر المشهد الحزائني حتي ملحمة الثلاثين من يونيو التي استردت توازن القوي واستعادت البوصلة الثورية لمسيرة ثورة ديسمبر المجيدة.