الأربعاء, نوفمبر 13, 2024
مقالات

الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (8)

الخرطوم: حسين سعد

شهدت أوضاع الإعلام المسموع والمقروء والمشاهد بالسودان حلقات متتالية من الانفتاح والتضييق خلال فترات الحكم العسكري التي تجاوزت نصف قرن من الزمان، بينما تنسمت الصحافة عبير الحريات في ظل الأنظمة الديمقراطية لكن تلك النسمات لم تدم طويلاً بسبب الإطاحة بالأنظمة الديمقراطية المنتخبة بواسطة الانقلابات العسكرية، حيث تضع تلك الانقلابات الصحافة في خانة العدو الأول، هذه الوضعية بجانب الأوضاع الاقتصادية الحرجة بالبلاد أدت إلى ممارسات لحقت بالصحافة والإعلام أقل ما توصف بالقمعية والتسلطية.

الانقلابات:

وفي كتابه الصحافة السودانية في نصف قرن الصادر من دار مدارك للنشر لصاحبها الأستاذ الياس فتح الرحمن، كتب عميد الصحفيين وصاحب القلم الذهبي الأستاذ محجوب محمد صالح، أن كل الأنظمة الانقلابية تتخذ موقفاً من الصحافة منذ إذاعة بيانها الأول تماماً مثلما تتخذ ذلك الموقف من بقية أجهزة المجتمع الفاعلة – الحزب والنقابة والجمعية –، وأول موقع تتحرك له دباباتها هو دار الإذاعة وأول مرفق يتم تعطيله هو الصحف – ولذلك فإن حظ الصحافة تحت الأنظمة الشمولية يتراوح بين الإغلاق والمصادرة والتأميم والرقابة مما قعد بها عن أداء مهمتها وأورثها عدم الاستقرار، فأصبحت مهنة طاردة تهيئ الأجيال مهنياً ليطردهم البيان الأول فيهربون خارج الحدود أو يستبدلون مهنتهم بمهنة أخرى وبالتالي انتفت فرص الاستثمار في الصحافة، فما من مستثمر على استعداد أن يوظف أمواله في صناعة مهددة بالمصادرة والتأميم والحكم بالإعدام، بل وأصبحت الصحافة طاردة للقارئ الذي يحس أن الصحافة لا تكتب إلا ما يجيزه الرقيب فيعزف عنها ولذلك فإن الصحيفة السودانية اليوم لا توزع نصف ما كانت توزعه قبل ثلاثين عاماً، أزمة الصحافة أنها كلما زال عهد وجاء عهد آخر يتحتم عليها أن تبدأ من جديد بإمكانيات جديدة وصحفيين جدد وتعمل تحت ظروف جديدة، كل ذلك أعاق تواصل الأجيال وانتقال الخبرات، ولذلك ينبغي أن يكون على رأس واجبات اليوم العمل الجماعي للانتقال إلى وضع دائم للصحافة يقيها شر هذه التقلبات ويحقق للسودان استقراره وذلك لن يتم إلا في إطار مشروع وطني يؤسس لسلام دائم واستقرار كامل وتحول ديمقراطي راشد ومستدام – الصحافة لن تخدم مصلحتها كمهنة إلا في إطار مشروع وطني جديد ومن ثم يكون واجبها أن تتبنى ذلك المشروع وتبشر به وتدافع عنه وتروج له.

الإذاعة والتلفزيون:

ارتبطت الإذاعة والتلفزيون بالأنظمة السياسية في السودان منذ نشأتهما إبان الحكم الاستعماري وظلا تابعين للحكومة، ومنبراً من منابرها تستخدمه للتعبئة والترويج لخطها ونشر أخبارها ورغم التغيرات والتقلبات في الحكومات والأنظمة السياسية السودانية منذ الاستقلال وحتى الآن، إلا أن الإذاعة والتلفزيون لم يطالهما التغيير ودائماً تؤول ملكيتهما ورسم سياستهما للجهة التي تتربع على سدة الحكم، وبظهور الإنترنت ظهرت طرق جديدة لنشر الأخبار، والمعلومات عبر شبكة الإنترنت وهو ما عرف بالإعلام الإلكتروني، وهي صحف وإذاعات وقنوات مرئية تقدم محتوى إعلامياً يعتمد الطرق والقوالب الإعلامية مثل الأخبار المقالات وزوايا الرأي بالنسبة للصحف ونشرات الأخبار، والبرامج الحوارية واللقاءات بالنسبة للإذاعات والقنوات المرئية والتي تبث وتنشر عبر الإنترنت مبدلة بذلك وسيلة تسويق منتجها ومبدلة تقنيات وأساليب البث والنشر لتتماشى مع طبيعة الوسيط الجديد. هناك أيضاً نوع آخر من الإعلام بجانب الإعلام الإلكتروني ظهر بظهور الإنترنت وهو مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرت مواقع التواصل الاجتماعي من الأشكال الجديدة للإعلام لأنها تنشر وتبث معلومات وأخبار لجمهور يتابعها، وتتلخص تكلفة الإعلام الجديد في إنشاء موقع على الإنترنت وإيجار مساحات على الشبكة فضلاً عن امتلاك أجهزة كمبيوتر، ويمكن أن يدار الموقع بجهاز كمبيوتر واحد فمثلاً في السودان وقبل قطع خدمات الإنترنت عقب جريمة فض الاعتصام من أمام القيادة العامة في يونيو الماضي يتابع موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) حوالي (3,2) ملايين شخص و(22%) من سكان الخرطوم يمتلكون هواتف نقالة (82.2%) من هؤلاء لديهم خدمة إنترنت في هواتفهم و(3%) فقط من سكان الخرطوم لديهم هواتف ثابتة في المنازل، وهذا يشير إلى الانتشار الكبير للإنترنت ومتابعته عبر الهاتف النقال.

مقترحات:

لوسائل الإعلام دور فاعل في تحقيق التحول الديمقراطي باعتبار أن وسائل الإعلام هي أداة أساسية في الانتقال إلى الديمقراطية والإصلاح السياسي، كما تلعب الصراعات الإثنية والثقافية والدينية، عاملاً غير مساعد لحدوث استقرار ديمقراطي، وكانت تلك الصراعات من أهم أسباب انهيار الديمقراطية في أوروبا في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين من القرن العشرين. والإعلام المسؤول يخفف تلك الصراعات ويفتح الباب لتحقيق التحول الديمقراطي، بينما يتجه الإعلام المدمر لإشعال أوضاع النظام الذي يعاني اهتزازات كبيرة، وفي السودان أجج إعلام (النار ولّعت) الحرب التي فقدنا بسببها أرواحاً عزيزة، إضافة إلى إصابة الملايين، فضلاً عن التشرد والنزوح والخراب والدمار.

ولكي يلعب الإعلام دوراً إيجابياً في الانتقال الديمقراطي لابد من إلغاء كافة القيود التي تعوق حرية إصدار الصحف ووضع الضوابط اللازمة للتفرقة بين ملكية الدولة للخدمات الإذاعية والتلفزيونية وبين سيطرة الحكومة عليها، وإتاحة حق الحصول على المعلومات ومراجعة ملكية الصحف والاهتمام بالتدريب للأجيال الحديثة في الصحافة وإلغاء مسألة القيد الصحفي، وبما أن (7) ولايات تعتبر مناطق نزاع نقترح وفي إطار الدور المنتظر للإعلام القيام به في الانتقال الديمقراطي وتحقيق الإندماج الوطني وتهيئة الأجواء للمشاركة الديمقراطية ودعماً لبناء الوحدة الوطنية، يجب التركيز على إنشاء عدد من محطات (راديو المجتمع) لتغطية المناطق المهمشة. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *