الأحد, أبريل 28, 2024
مقالات

الإعلام في الدولة المدنية.. (مناطق الشدة)..!

بقلم: مرتضى الغالي

يجب أن يتحوّل الإعلام السوداني جميعه.. ومن باب أولى الإعلام القومي المملوك للدولة إلي إعلام من اجل الشعب في الدولة المدنية بعد أن تطاول به العهد وهو ينطق باسم الأنظمة العسكرية والحكومات حتى الديمقراطية منها.. فالإعلام القومي بإذاعاته وقنواته ووكالاته ومراكز أخباره وهيئاته في العصمة والأقاليم هو إعلام الشعب وليس إعلام الحكومات..!
هذه مهمة واجبة وعاجلة؛ ووهي ليست سهلة ولا يسيرة حيث أن بنية المحتوى الإعلامي قامت طوال عقود عديدة على نقل الأخبار والآراء والمعلومات من جهة تدفق واحدة وباتجاه واحد من الحكومات والأنظمة للشعب وليس من اتجاه الشعب إلي الحكومة… وهذا من أسوأ نماذج الإعلام (الإعلام من أعلى) مع إهمال كبير للصدى والتغذية المرتدة التي لا تكتمل بدونها دائرة الإعلام كما تحددها علوم الاتصال والتي تشبه اكتمال حلقة التيار الكهربائي التي لا كهرباء ولا أضواء بغير إكمال دائرتها..!!..!
الإعلام القومي يملكه الشعب وينبغي أن يكون رهن خدمة المجتمع وليس الحكومة التي هي فرع من مكونات المجتمع والدولة.. والناس ينتظرون الكثير الذي لم يتحقق من تلفزيون السودان وقناة الخرطوم وتلفزيونات الولايات وإذاعة أم درمان وأخواتها.. تعبيراً عن الشعب في يومياته ومطالبه ونبض مواطنيه وحركته وسكنته وما يدور في حياته وفي أحياء البلدان والفرقان في المدن والريف والبوادي و(المراحيل) والمعسكرات وكل ما يتصل بأسباب معيشة الناس وشكاويهم وتعليمهم وصحتهم وفنونهم وأمنهم وتساؤلاتهم وهواجسهم.. ومن الممكن أن يقبل الناس شيئاً من التبرير والاعتذار بعجز الإعلام القومي في عهود الشموليات عن نقل رسائل الشعب بأنه مقهور بالأنظمة المستبدة.. ولكن ماذا يكبله الآن بعد أن حملت رياح الثورة الحرية والانعتاق وانفتحت الطريق أمامه لنقل نبض الشارع وإجراء اللقاءات الحيّة والاستطلاعات المباشرة لإطلاق صوت المواطنين ووضع كل الهيئات والجهات أمام مسؤولياتها خدمة للشعب وليس إملاء عليه بالأوامر والفرمانات من أعلى؛ فالحكم المدني يعني دولة المواطنة والعدالة وحكم القانون وحرية التعبير وإعلاء صوت الجماهير فوق كل صوت وإفهام المسؤولين الحكوميين وكل من يجلسون في المناصب العامة بأنهم خدّام للشعب وليسوا سادته..!
هل أعاد الأعلام القومي النظر في التنوع السوداني وكيفية إبرازه ..التنوع بكل أطيافه الثقافية واللغوية والإثنية والجغرافية وما يتصل به من تنوع وتباين في وسائل كسب العيش وفي الفنون وتعبيراتها ثم ما يتعلق بذلك من حقوق المواطنين في أنحاء البلاد التي اعتدنا أن نطلق عليها الهوامش والأطراف و”مناطق الشدة” (وهي لم تصبح مناطق شدة إلا بإهمال الدولة تنميتها).. وما لهم من حقوق في الاقتصاد والريع العام والموازنات المالية والبرمجة القومية والاستراتيجيات الوطنية والحق في الحياة ابتداءً من توفير أساسيات العيش في الغذاء ومياه الشرب والعلاج والحقوق الاجتماعية والثقافية ارتفاعاً خطوة بخطوة في سلم أو هرم (ماسلو) عالم النفس الأمريكي الشهير صعوداً من الاحتياجات الفسيولوجية إلى الأمن إلى الاحتياجات الاجتماعية إلى الحاجة إلى التقدير وتحقيق الذات..!
من هنا يأتي رسم خريطة برامج الإعلام القومي بصورة جديدة معاكسة بالكامل لبرمجتها السابقة بحيث تكون الأولوية القصوى لمعيشة الناس واقتصاد الناس وامن الناس وعرض مشاكلهم ومطالبهم وطموحاتهم في الهواء الطلق وكل ما يتصل بحياتهم وفضح كل صور الاستغلال والفساد والانحراف في أي ركن من أركان البلاد وفي أي هيئة أو جهة أو كيان حكومي أو أهلي.. ففي الحكم المدني ينتهي عهد الفبركات والتضليل وتصوير الحكومات وكأنها تتفضّل على شعوبها بخدمتهم..وفي الحكم المدني يمتنع نشر الأكاذيب و(البروباغندا) المريضة لتجميل وجه الحكومات والمسؤولين والمطبلين وعبدة السلطان الذي يزينون للطغيان طغيانه وأصحاب النفاق من كل صنف ولون وفي الحكم المدني ينتهي عهد التقارير المضللة التي تحدث الناس بأنهم يعيشون في الرغد والنعيم وهم في اشد حالات الضنك والمسغبة وقلة الحيلة..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *