وسط زخات الرصاص.. أصوات السلام تتقدم الصفوف وتتحدى البندقية (2-2)
تقرير: حسين سعد
من بين ركام البيوت المتداعية وغيوم البارود التي غطّت سماء السودان، يخرج صوتٌ خافت، لكنه عنيد صوتٌ ينادي بالسلام، هو ليس صوتاً واحداً، بل أصواتٌ متفرّقة كخيوط الضوء في صباحٍ عقب عاصفة. أصوات الأمهات، والمعلّمين، والشباب، والشيوخ، وحتى الأطفال، يرفعون نداءهم من قلب الألم (نريد وطناً آمناً نحيا فيه، لا نموت فيه)، فالسودان، البلد العظيم بثقافته وتاريخه، صار اليوم ساحةً مفتوحة للحرب، تنهشه الإنقسامات، ويئنّ تحت وطأة الخراب، ومع كل يومٍ يمرّ، يزداد نزيف الأرواح، وتضيق فسحة الأمل لكن، ورغم كل شيء، ما زالت هناك حناجر تصدح بالسلام، تقاوم الموت بالكلمات، والخراب بالحلم، والفُرقة بالوحدة، كانت ومازالت أصوات الشباب والنساء والفنانين والشعراء تصدح من بين الركام، ترفض الصمت، وتُصرّ على أن للسلام مكانًا، حتى في قلب المأساة، كلماتهم، أهازيجهم، لوحاتهم، ودموعهم ليست مجرد تعبيرات فنية، بل صرخات ضمير تحاول أن توقظ العالم من غفلته، وتستنهض الوجدان السوداني المنهك من طول المعاناة، لكنّ الحرب لا تزال تُحكم قبضتها، تأبى الرحيل، وتخطف في كل يوم أحلامًا جديدة، أمام هذا المشهد القاتم، يبقى الأمل معلقًا على منابر أولئك الذين لم يفقدوا إنسانيتهم، وعلى نداءات شعب أنهكته البنادق لكنه لم يتخلَّ عن حلمه بوطن آمن وعادل، إن صمت العالم خيانة، واستمرار الحرب جريمة، وكل لحظة تأخير في إيقاف هذا النزيف هي طعنة في قلب كل أمّ تنتظر ابنها، وكل شاعر يكتب منفى وطنه، وكل فنان يرسم وجع شعبه، لن ينقذ السودان إلا السلام، ولن يُكتب السلام إلا بأقلام أبنائه وبناته الذين عرفوا مرارة الفقد، واختاروا رغم ذلك أن يزرعوا الأمل من جدي، وفي الحلقة الثانية واللخيرة من هذا التقرير نُبحر مع هذه الأصوات الشجاعة، نروي حكاياتهم، نستعرض المبادرات المحلية والدولية التي تسعى إلى إيقاف آلة الحرب، ونضع سؤالاً بسيطاً لكنه عميق: لماذا لا يُصغى لصوت السلام؟ ولماذا تستمرّ الحرب في حصد ما تبقّى من الأمل في وطنٍ يستحق الحياة؟.
مبادرة الأفريقي:
مبادرات مجتمعية وشعبية تقاوم الصمت والخوف داخل وخارج السودان نشطت في إبتدار حملات سلمية وتنظم جلسات تدعو للسلام ، وتبث مقاطع مصورة على وسائل التواصل، كلها تقول بوضوح (كفى حربًا) ومن بين هذه المبادرات برزت مبادرة (أصوات السلام) التي دشنها المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام نداء السلام”، التي أسسها مجموعة من النشطاء داخل السودان وخارجه، تدعو عبر بيانات متواصلة ومؤتمرات عبر الإنترنت إلى وقف إطلاق النار، والعودة للحوار السياسي، والضغط على الأطراف المتحاربة لإنهاء الاقتتال حيث دشن المركز الأفريقي للعدالة ودراسات السلام، مؤخراً حملة (أصوات السلام) بهدف إشراك الشباب السوداني في وقف الحرب وإحلال السلام في البلاد، وتركز الحملة على وقيادة حوار مجتمعي واسع بغرض رفع الوعي الجمعي تجاه السلام ونبذ العنف، وتهدف الحملة التي تم إطلاقها خلال مؤتمر صحفي في العاصمة الأوغندية كمبالا أمس السبت، إلى إستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لخطاب السلام، والإستفادة من الفنون المختلفة وتفعيل الدور الإيجابي لفئات مجتمعية مهمة مثل الحكامات لدعم جهود السلام والاستقرار، بدلا من أن يكن محركاً للعنف، بالإضافة إلى رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان، وفق القائمين على المبادرة.
إتفاقيات سلام جزئية:
وأدار الصحفي خالد أحمد المؤتمر الصحفي مرحباً بالحضور ومن ثم قدم ، المدير التنفيذي للمركز الافريقي للعدالة ودراسات السلام، الأستاذ مساعد محمد علي الذي أشار إلي إن وقف الحرب أصبحت مطلب لكل السودانيين، مما يستوجب تضافر الجهود لتحقيقه، لافتاً إلى أن جميع عمليات السلام السابقة في السودان واجهت مصير الانهيار لأنها كانت منقوصة، وقال مساعد إنهم في في المركز الأفريقي للعدالة ودراسات السلام ظلوا يعملوا في ملف السلام منذ فترة طويلة، وشدد على ضرورة التأسيس المتين إلى عملية سلام، وأوضح إن حملة (أصوات السلام) تسعي إلى إشراك الشباب في وقف الحرب وتحقيق السلام، والتركيز على وسائل التواصل الاجتماعي لكونها الأكثر تأثيراً على الجمهور في الوقت الحالي.
الكنداكة صوت الصبر والسلام:
النساء السودانيات لعبن دورًا محوريًا في تعزيز أصوات السلام، ففي كل مناطق النزوح، شكلن مجموعات تطوعية لإغاثة الأسر الفارة من الحرب، ونظمن ندوات ومخاطبات لدعم السلم الاجتماعي، ورفض الانقسام القبلي والجهوي، وطوال فترات الحرب والنزاع في السودان كانت المرأة السودانية في طليعة من ينادين بالسلام النساء في السودان، وخصوصًا من مناطق النزوح، قمن بدور محوري في مناشدة الأطراف المتحاربة لوقف القتال، وأطلقن عدد من المبادرات التي تدعو للسلام ، وطالبن بفتح ممرات إنسانية وتأمين المدارس والمشافي، وشددن على ضرورة إشراك النساء في أي عملية سلام مرتقبة، باعتبار أنهن الأكثر تضررًا من النزاع، وفي تدشين حملة (أصوات السلام) قالت عسجد بهاء الدين وهي أحد قادة الحملة في كلمة خلال المؤتمر الصحفي، أن أصوات السلام تمثل الجزء الثاني من المشروع الذي يقوده المركز الافريقي للعدالة ودراسات السلام، إذ خُصص الجزء الأول على انتهاكات حقوق الانسان بالتركيز على حالات الاختفاء القسري، وأنطلق فعلياً في أبريل الماضيأ ونبهت الي أن الحملة ستركز على الشباب وتسعى لبناء فاعلين يتولون مهمة رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان من داخل السودان، ليكونوا خلفاً لنشطاء حقوق الانسان الرئيسيين الذين أضطر اغلبهم لمغادرة البلاد نتيجة تزايد التهديدات عليهم، وأشارت إلى أن الحملة تستهدف ولايات شرق السودان الثلاث، القضارف، كسلا، البحر الأحمر، بجانب نهر النيل والنيل الأبيض والجزيرة، كما أنه لن يتم اهمال المناطق الأخرى في كردفان ودارفور حيث توجد فرق للرصد والمتابعة، وقالت أنهم سيركزون على أعضاء غرف الطوارئ والفاعلين في العمل الطوعي من الشباب، والعمل على تدريبهم على رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان، كما سيصدر تقرير شهري من الحملة عن انتهاكات حقوق الانسان في البلاد، وأضافت :نهدف إلى خلق حوار مجتمعي ورفع الوعي المجتمعي تجاه السلام، وبناء سردية مناهضة لخطاب العنف، وتعزيز دور الشباب في أي مفاوضات سلام قادمة.
إستقطاب حاد:
وفي المقابل قالت هنادي المك – أحد الفاعلين في حملة أصوات السلام، إن الشباب يمثلون وقودا للحرب والسلام معا، نسبة لسهولة الاستقطاب وسطهم، مما دفعنا للتركيز عليهم، وأوضحت المك إن السودان يشهد إستقطاب شديد على أساس جهوي قبلي من قبل الفصائل المسلحة، لذلك نحن نسعى إلى اشراك الشباب والاعلام والحكامات ليكن دعاة سلام بدلاً عن الحرب، ونخطط إلى إستغلال الأيام الدولية لدعم وتعزيز السلام في السودان.
تحديات ومصاعب:
رغم هذا الحراك الشعبي والوجداني، إلا إن تواجه أصوات السلام تحديات كبيرة، منها إستمرار الحرب، وإنتشار السلام وتمدد رقعة خطاب الكراهية والعنصرية ، وإنعدام الإرادة السياسية لدى أطراف النزاع، وتقييد حرية التعبير ومقتل عدد من الصحفيين والصحفيات واعتقال بعضهم وتشريد أعداد كبيرة منهم وفقدان نحو ألف صحفي لمصدر رزقهم وعملهم فضلا عن حالات النزوح الواسع وتفكك المجتمع المحلي، وغياب الثقة بين الاطراف وتعدد مراكز القرار ووجود اجندات اقليمية متداخلة وحتي تنجح أصوات السلام في تحقيق السلام لابد من وقف الحرب ووقف إطلاق النار وإيصال الغذاء والدواء للمحتاجين ، وإشراك المبادرات المجتمعية والنسوية في جهود السلام، ودعم الفنون والبرامج الثقافية التي تعزز التعايش، وفتح مساحات إعلامية حرة لأصوات المدنيين والناشطين، وإعتماد مسار شعبي تشاركي للسلام، لا يقتصر على حملة السلام لوحدهم.
الخاتمة:
في ظل الحرب التي تقسم السودان وتنهك شعبه، تظل (أصوات السلام) بارقة أمل وصرخة ضمير حي في وجه آلة الدمار، وهي أصوات لا تملك سلاحًا سوى الكلمة، والنغمة، والإنسانية، لكنها رغم ذلك تخترق جدار الصمت، وتُذَكر الجميع بأن الوطن لا يُبنى على ركام الحرب، بل على وحدة قلوب بسطائه ، لانه إذا صمت الرصاص، سيسمع الجميع نداء السلام، ورغم كل شيء، ما زال في السودان من يغني للسلام، من يصر على أن المستقبل لا يمكن أن يُبنى على جماجم الأبرياء، فأصوات السللام لاتملك دبابة ولاطائرة ، لكنها تحمل ما هو أغلي ..الإرادة الشعبية ،والضمير الحي والحلم بوطن لاتحكمه فوهة بندقية، فهل تجد هذه الأصوات صدى في ممرات السياسة المغلقة، أم تُجهض كما أُجهضت أحلام كثيرة قبلاً؟.