عندما يُشرق الوعي المدني أو جعفر خضر
بقلم: خالد فضل
قبل نحو 15 عاماً تقريباً تشرفت بزيارة مدينة القضارف في شرق السودان، كانت الدعوة من منظمة شروق بالمدينة للمشاركة في ندوة عامة استضافتها دار المعلمين، تعلمت الكثير مما أدلى به المتحدثون في تلك الندوة، وشاركت بالتعليق وإبداء الرأي حول موضوع الندوة المتعلق بمحاربة الفساد، وكان جعفر خضر بارعا في إفادته القيمة التي طرحها، وكعادته في الدقة والتوثيق والرصانة في طرح الموضوعات.
من يومها ظللت حريصاً على متابعة نشاط ذاك الناشط المدني الهمام، وكنموذج لنجاعة الفعل المدني المستند على الموضوعية والرصانة، وبدون جلبة وضوضاء كثيرة، لدى يقين بأنّ أثر منتدى شروق وغيرها من منظمات وجماعات النشاط المدني السلمي كانت أكثر فعالية في مقاومة العتمة التي فرضتها ثلاثينية الإسلاميين البغيضة، وكان جعفر خضر وما يزال بؤرة وعي وشعاع استنارة .
لم يسلم جعفر في مسيرته النضرة هذه من أذى مقاولي الإستبداد وخدّامه، فقد عرف المعتقلات والاستجوابات الأمنية المتكررة، ولكن قناته لم تلن، فهو صاحب مشروع تنويري باذخ، وصاحب رسالة وعي بالغة الأهمية لضمان بناء مستقبل واعد لبلادنا، وبمثل ما نال من أذى السلطات القمعية في القضارف، نال أضعافا مضاعفة من تقدير وتضامن مئات الآلاف بل الملايين من السودانيين، وكان حضوره في ساحة اعتصام القيادة ملحمة محبة وعرفان من أجيال شابة هي أمل السودان، وحظي بتقدير دولي عظيم وتم تصنيفه من ضمن أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان، والمثابرين على الفعل المدني الناضج، وهو الذي يمارس كل همتّه ونشاطه على كرسي متحرك، لم تقعده الإعاقة عن الفعل السوي، وكما كتب الصديق الراحل حسن عثمان الحسن في كتابه القيّم تجربتي والإعاقة : (كلنا معاقون بصورة أو بأخرى، معنويا وماديا واعاقتنا تتعاون كل حسب امكاناته ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
أمّا جعفر فقد أشرق وعيه حتى غدا ممن يشار إليهم بالبنان في هذا المضمار، كتاباته ومواقفه ونشاطه مما يؤهله حقا لانتصاب قامته عالية فارعة ترفرف في سماء البلاد كلها وليس الشرق الذي أحبه ووهب له جلّ جهده، قرأت له من قريب كلمة منشورة على صفحات الزميلة (الديمقراطي)، أورد فيها معلومات ذات قيمة عالية حول أوضاع التعليم العام في ولاية القضارف، واحصاءات موثقة المصادر حول واقع أولادنا وبناتنا في تلك الولاية الموسومة بصفة (الخير)، وقلم جعفر دوما مشرع للمساهمة في رفع الوعي بهموم الناس، وتطوير أوجه حياتهم، والعناية الفائقة بتفاصيل ما يكتنفها من معوقات، يفعل ذلك بصبر ومثابرة الناشط المدني الذي يعرف ويؤدي دوره في مجتمعه دون رياء أو طلب مقابل.
حيا الغمام جعفر، فهو بحق أحد الذين يمنحون المرء الأمل والثقة في أنّ مستقبل بلادنا بخير مهما تكالبت قوى الشر الداخلية والخارجية، وكلمتي هذه لا ترقى أبدا لوفاء نذر يسير من حقّه على شعبه، نتمنى لجعفر الصحة والعافية، فهو واحد من السودانيين القابضين على جمر الوعي الحقيقي، ومثقف من طراز فريد يقرن الفكر بالممارسة، مع أطيب تمنياتي له.