السبت, مايو 24, 2025
مقالات

التعليم في ظل الحرب.. أولوية منسية في قلب الأزمة السودانية

بقلم: سنية أشقر 

في خضم الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عام، تحوّلت العملية التعليمية من حق أساسي إلى ترف مفقود، ومن ركيزة للتنمية إلى ضحية إضافية ضمن قائمة طويلة من الخسائر الوطنية. الحرب لم تدمر فقط البنية التحتية والمؤسسات، بل أزاحت التعليم من سلم الأولويات، تاركة جيلاً كاملاً في مهب الضياع.

انهيار البنية وتآكل الكادر

تضررت آلاف المدارس والجامعات، وتوقف معظم المعلمين والأكاديميين عن أداء مهامهم، إما بسبب النزوح، أو لانعدام الأمن، أو لانهيار شبكات الأجور والدعم الحكومي. البنية التعليمية، التي كانت تعاني أصلًا من ضعف التمويل وسوء الإدارة، أصبحت الآن في حالة موت سريري. لا توجد خطط طوارئ حقيقية، ولا آليات لتعويض الفاقد التعليمي. والنتيجة: طلاب بلا فصول، ومعلمون بلا أدوات، ومجتمع بلا مستقبل واضح.

حاضنة مجتمعية

في بلد يعاني من التمزق الاجتماعي والنزوح الجماعي، يصبح التعليم أداة أساسية لإعادة تشكيل النسيج الاجتماعي. المدارس ليست فقط أماكن لتلقي المعرفة، بل أيضًا مساحات للحماية النفسية والدعم المجتمعي للأطفال. غياب التعليم يعمّق الفجوة بين الأجيال، ويزيد من معدلات عمالة الأطفال، والزواج المبكر، والتجنيد القسري. الحرب أخذت من الأطفال حقهم في الطفولة، ويُخشى أن تسرق منهم أيضًا مستقبلهم العلمي والمهني.

الغائب في حسابات السلطة

في ظل الانقسام السياسي، لم تظهر أي رؤية استراتيجية لحماية التعليم أو إعادة تأهيله. القوى المتصارعة تعاملت مع المدارس والجامعات كمواقع جغرافية لا كرموز للسيادة الوطنية والتنمية. حتى القوى المدنية التي تنادي بالتغيير الديمقراطي لم تقدم خارطة طريق واضحة لتأمين العملية التعليمية خلال الحرب أو ما بعدها. التعليم ظل خارج المعادلة، رغم أنه أحد أهم مفاتيح الخروج من الأزمة.

نحو أفق بديل

إنقاذ التعليم في السودان ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية. يجب على كل القوى السياسية والمدنية، والفاعلين الدوليين، وضع التعليم في قلب أي مسار للسلام أو الإغاثة أو إعادة الإعمار. لا بد من تفعيل أدوات التعليم الطارئ، والاستثمار في التعليم عن بعد، ودعم المعلمين، وإشراك المجتمعات المحلية في حماية المدارس وتسييرها.

في لحظة يتقاطع فيها الخطر الوجودي مع الحاجة الملحة لبناء السلام، يبقى التعليم هو الرهان الوحيد الممكن لتجاوز جراح الحرب وصياغة مستقبل مختلف. فبين ركام المدن وخيبات السياسة، لا يزال دفتر الطفل وقلم المعلم أصدق تعبير عن الأمل.

التحديات الرئيسية

▪انهيار البنية التحتية التعليمية نتيجة للعمليات العسكرية وتدمير المؤسسات.
▪نزوح المعلمين والطلاب من مناطق النزاع، وغياب البيئة التعليمية الآمنة.
▪فقدان الدخل والدعم المهني للكادر التربوي، مما أدى إلى مغادرة المهنة أو اللجوء لمهن بديلة.
▪ارتفاع معدلات التسرب المدرسي وزيادة عمالة الأطفال والزواج المبكر للفتيات والتجنيد القسري والاستغلال الاقتصادي والجنسي للأطفال .
▪غياب خطة وطنية بديلة لاستمرارية التعليم في حالات الطوارئ.
▪تجاهل التعليم في أجندات القوى السياسية والعسكرية، وعدم توفر إرادة سياسية لحمايته.
▪توقف التعليم في إقليم دارفور جزو كبير من كردفان ومنع طلاب تلك المناطق للتسجيل في ولايات اخري لمواصلة تعليمهم

التوصيات السياسية والاستراتيجية

▪تفعيل آليات التعليم في حالات الطوارئ:
▪تطوير منصات تعليمية رقمية وإذاعية.
▪إعداد مناهج مختصرة ومرنة مناسبة للظروف الحالية.
▪توزيع حقائب مدرسية ومستلزمات تعليمية في مراكز النزوح والملاجئ.
▪ دعم وتمكين الكادر التعليمي إنشاء صندوق دعم عاجل لدفع حوافز المعلمين في مناطق النزوح واللجوء. وتقديم برامج تدريب سريعة لتأهيل المعلمين في بيئات النزاع.
▪ إشراك المجتمعات المحلية في إدارة العملية التعليمية، تفعيل المجالس التربوية الشعبية ،دعم مبادرات التعليم المجتمعي والمدارس البديلة.
▪ تحييد المؤسسات التعليمية عن الصراع وتضمين حماية التعليم في اتفاقات وقف إطلاق النار.
▪ضمان عدم استخدام المدارس كمواقع عسكرية أو مراكز إيواء مسلحة.
▪ دمج التعليم ضمن أولويات الإغاثة الإنسانية وبناء السلام، بالضغط على المنظمات الدولية لتخصيص تمويل كافٍ لقطاع التعليم.
▪تضمين التعليم كأحد مداخل بناء الثقة في مفاوضات السلام الانتقالية.

الجهات المستهدفة بالتنفيذ
الحكومة الانتقالية المستقبلية، لوضع خطة وطنية شاملة لإعادة تأهيل التعليم بعد الحرب.
▪القوى المدنية والسياسية عليها تبني التعليم كأولوية في البرامج السياسية.
▪المنظمات الدولية والمانحين دعم التمويل العاجل والبرامج البديلة.
▪المجتمعات المحلية المبادرة بحماية واستمرارية التعليم داخل الأحياء ومراكز الايواء عليها العمل لإيجاد سكن للنازحيين مهئ ويصلح للسكن والعمل مع الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لتقوم بصيانة المدارس وتجهيزها لتواكب الفصول الدراسية التي تليق بالطلاب والبيئة المدرسة .
▪الإعلام والمجتمع المدني التوعية بأهمية التعليم في بناء السلام والضغط لمناصرة قضاياه.

أبريل/٢٠٢٥م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *