الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

التنوع الثقافي.. نعمة أم نقمة؟

النقطة الزرقاء الباهتة

بقلم: كومان سعيد
(1)
(تقييم واحترام الآخرين هي الطريقة العقلانية الوحيدة لتحقيق الإزدهار الجماعي والبقاء على قيد الحياة على هذا الكوكب. هناك أيضاً في رأيي الحكمة المتأصلة في الحفاظ على تنوع العادات الإجتماعية والثقافية التي نشأت وتراكمت بعمق في الماضي، والتي تنتشر في العالم. كل حالة استئصال ثقافي أو لغوي تعني خسارة دائمة للإنسانية ككل لايمكن إصلاحها. الحرية والمساواة الثقافية تقدم أفضل الطرق لإدارة التنوع الإجتماعي لدينا. من الناحية السياسية فإن فكرة الديمقراطية التعددية وسيادة القانون والعلمانية تجسد هذا المزاج والحاجة في عصرنا. إن السعي نحو التعددية الديمقراطية يراهن على التنوع بدلاً من اعتبار عدم التجانس الثقافي كمصدر للشقاق الإجتماعي والفرقة). بروفيسور كويس براه.
من هذه الكلمات للبروفيسور براه يبدو واضحاً جداََ أن خسارة أية ثقافة هي خسارة لا يمكن تعويضها وجرم لا يغتفر لفاعله.
ما لا جدال حوله أن أجمل ما في هذا السودان الذي نحب هو هذا التنوع الثقافي، الديني واللغوي الساحر. ويبدو واضحاً جداََ أن واحدة من أكبر إشكاليات السودان العديدة العميقة والمتجذرة هي إشكالية هذا التنوع في شكله الثقافي، الديني واللغوي !!. فالسودان يتفرد بالثقافات المتنوعة والأديان واللغات المختلفة، ولكن في هذة البقعة من الكون وفي هذه الزاوية من الأرض تبدو حرب الثقافات في أوجها حرب كحرب The hobbit : the Battelle of the five armies طاحنة ومدمرة. هنا في هذة النقطة الباهتة من الكون كل شيء يبدو ثقافياََ حتى الإتجاهات الجغرافية هي جغرافية ثقافية. فمثلاََ عند ذكر الجنوب لا يكون الجنوب الجغرافي هو أول ما يخطر ببالنا بل الجنوب الثقافي، القبائل، الأبقار، المعتقدات …إلخ، هي أول ما يخطر ببالنا، كذلك عند ذكرنا الشمال والشرق والغرب. هذا التنوع الجميل جداََ وهذا الإختلاف الثقافي، اللغوي والعقائدي كان يمكن أن يجعل من السودان الدولة التي يضرب بها المثل في التنوع والتعايش الثقافي السلمي. كان يمكننا جميعاََ بمختلف ثقافاتنا أن نرقص الكرنق في جبال النوبة في كاودا في كالندي في كركندي في كرورو و البرامج، في جنوب النيل الأزرق في يابوس كان يمكننا أن نرقص على أنغام ثقافات الشرق في همشكوريب، في كسلا أو في غرب السودان في نيالا أو الجنينة أو في أقصى الشمال والوسط، ولكن بدلاََ عن الرقص على أنغام الثقافات السودانية المتنوعة، بدلاََ من الرقص على أنغام النقارة والبخسة اختارت الصفوة من السياسيين السودانيين الرقص على القبور والجثث والثقافات وعلى إيقاع (الأنتنوف)، ولكن لماذا ؟.
قد يتساءل الكثير من الناس هذا السؤال، لا أعتقد أنني قادر على الإجابة على هذا السؤال نظراََ للتعقيد والاختلاف الذي نعيشة في السودان، ولكنني أعتقد أن الكارثة تكمن في أن البعض يرى التنوع نقمة وليس نعمة.
الإشكالية هي عندما تكون هناك أحزاب سياسية تقوم رؤيتها السياسية على الثقافة والدين في بلد متنوع الثقافات والأديان، وتقوم هذة الأحزاب السياسية على (أدلجة) الدين والثقافة كبرنامج ومشروع (وطني) وتصل هذة الأحزاب إلى مقاعد السلطة ويكون لها سلطة علي التشريعات power over legislation هنا تبدأ الكارثة، وإذا كنت تتساءل عن أسباب الحرب في السودان وعن إنفصال الجنوب يبدو أن هذا كافياََ للإجابة.
هذا إقتطاف من خطاب الدكتور جون قرنق ديمبيور في التجمع الوطني الديمقراطي: ( نحن جميعاََ سودانيون سواء كنا من أصل عربي أو أفريقي، لكن لماذا هذا الإصرار على تعريبنا؟، دعونا نكون سودانيين ما الخطأ في ذالك؟، الثقافة العربية والتراث العربي له إسهاماته في التراث السوداني والثقافة السودانية، كما للثقافة الأفريقية أيضاََ إسهاماتها، دعونا نقبل أنفسنا كسودانيين هذا من شأنه أن يوحدنا، العروبة لا تستطيع توحيدنا الأفريقانية المضادة للعروبة لا تستطيع توحيدنا، الإسلام لا يمكن أن يوحدنا، المسيحية لا يمكن أن توحدنا، لكن السودانوية توحدنا. كذلك دعونا نتجاوز هذة الأفكار المجنونة من أن الجميع يجب أن يكونوا عرباََ حتى أن الله لا يمكن أن يقبل هذا، في حكمته الإلهية هو من خلق العرب، خلق الدينكا، خلق النوبة، خلق جميع الإثنيات السودانية المختلفة، إذا كان الله هو من يريد هذا التنوع، من هو هذا الإنسان الذي يتحدي الله؟!، لو تم رفع قضيتي هذه إلى الله أنا متأكد من أنني سأفوز بها).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *