الثوّار على حق
بقلم: خالد فضل
علينا دوماً العودة لشعارات الثورة العظيمة، حرية سلام عالة، فهي تشكّل المعيار الموضوعي لقياس ما أحرز من تقدم في مضمار انجاز مهامها أو العكس .من هذه الزاوية نقرأ مواكب 19ديسمبر لمناسبة الذكرى الثانية لإندلاع الثورة التي قصمت ظهر التردد، وحسمت خيارات الشعب السوداني في غالبيته بإزالة نظام الطغمة الإسلامية التي جثمت على مقاليد الحكم والثروات لفترة 30 سنة، كانت بكل المقاييس من أسوأ العقود التي عاشها الشعب السوداني منذ فجر التاريخ . ولعل ما تواجهه بلادنا الآن من ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد تعود أسسها لتركة تلك السنوات المشؤومة من تحكّم تلك الفئة الظالمة من السودانيين.
إنّ خروج مواكب الثوار في 19ديسمبر في الخرطوم وبعض المدن الأخرى يأتي تأكيدا وتجديدا لحيوية الثورة، وضمانة بأنّ الثورة في هذه المرة ليست كسابقاتها من تجارب في اكتوبر 64أو أبريل 1985م، فهي ثورة واعية راشدة تحرسها عقول وسواعد جديدة مزودة بمواهب جيلها ومستفيدة من كل المتاح من تجارب البشر حول العالم، ولهذا تبدو صعوبة وعسر مهمة من يتصدون لتولي المهام في هذه الفترة الإنتقالية، المسألة أعممق بكثير من تقلّد موقع، وإذا كان البعض يهرع الى المناصب لما توفره من امتيازات إجتماعية أو مادية فإنّ الوضع الآن مختلف، هنا شارع ثائر يعي ثواره ما يجب وما لا يجوز، ولذلك جاءت مواكب الذكرى الثانية وهي تتوزع في شعاراتها ومطالبها إلى تخوم (تسقط تالت)!!، ولكن ما يجمع كل الشعارات وعنصر الوعي الخلاّق وسط غالبية الثوار وقواهم الحيّة التي تقود حراكهم السلمي المدني العظيم، وأعني مباشرة لجان المقاومة وتشكيلات وتنظيمات الشباب الأخرى، ولدرجة أنّ بعض الإفادات التي يطلقها الثوار تنعي الأحزاب وتنعتها بالمتكالبة على محاصصة وقسمة الوظائف، هذه نظرة سائدة بكثافة ليس في السودان وحده للأمانة، ففي لبنان تذمّر الشباب من القوى السياسية وأطلقوا شعار (كلكن) وعندما حاول حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله تبني مطالب الثوار والحراك الشعبي مطلع هذا العام، جاءه الرد مباشرة في الهتاف (كلكن ونصر الله واحد منكن)، وفي العراق هناك نقمة شبابية ضد الأحزاب والطبقة السياسية، كما في الجزائر وتونس، هذا موضوع مهم جدا لبناء مستقبل الديمقراطية وترسيخها، وهي مناسبة لمراجعة ونقد الأداء التنظيمي الحزبي ومدى ملائمته الآن لروح الثورة والتجديد في المفاهيم، ولعل هذا مبحث يستحق النظر من الباحثين السياسيين.
شعارات المواكب جاءت بمطالب متكررة منذ شهور، مثل تحقيق العدالة، واستكمال السلام، وتأسيس المجلس التشريعي، والمفوضيات، وضرورة معالجة الضائقة الإقتصادية والمعيشية والشئ المفرح حقا أنّ الثوار أعلنوها بكل وضوح أنّهم يصرون على إكمال بناء دولتهم المدنية، فلم يخرجوا ليفوضوا العسكرّ، هذا وضوح في الرؤية والهدف ربما تحتاجه السلطة المدنية، أن تستجيب لصوت شعبها، وأن تعرف أنّها محروسة بوعي عميق بحتمية الدولة المدنية، ولكن ليس لديها شيك على بياض، فهناك مطالب تمثل برنامج عمل ومهام ينبغي انجازها بسرعة حتى ننتقل إلى مربع جديد في سكة بناء وطن يليق بهذا الشعب العظيم.