وحدة قوى الحرية والتغيير ومستقبل الثورة – 2
بقلم: حسين سعد
تواجه مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير تحديات عديدة وتتصاعد حدة الخلافات يوماً بعد يوم وتتزايد معها نقاط الخلاف، إلا أن تلك الخلافات الأخيرة باتت خطيرة للغاية لأسباب عديدة، لكن التحدي الرئيسي يتمثل في كيفية الحفاظ على وحدة صفها، وفي هذا المقال نضع أيادينا على موضع الخلافات في محاولة لتلمس المعالجات المطلوبة حتى تعتبر الفترة الانتقالية بسلام بقوة الحاضنة السياسية للثورة (قوى إعلان الحرية والتغيير).
خطر الانتخابات المبكرة:
نقلت الأنباء مطالبة رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي، بمنح حزبه أغلبية في تعيين الولاة، وقال المهدي خلال مخاطبته جماهير حزبه بمنطقة سنجة حاضرة ولاية سنار (في حال حدوث أي كاني ماني بشأن الولاة سندعو لانتخابات لحسم اختيار الولاة)، وشدد على ضرورة اختيار ولاة الولايات وفقاً للثقل الجماهيري.
وأثار حديث المهدي على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة من عدم الرضا لدى الكثيرين، ومن قبل دعا البعض لانتخابات مبكرة وبالقراءة الهادئة لتلك الدعوة للانتخابات المبكرة نرى أنها قد تعطُل الجهود الرامية لبناء فترة إنتقالية بالسودان تستفيد من تجارب الانتقال السابقة والفاشلة، وكذلك فإن هذا الاتجاه سيقود إلى إثارة غضب الشعب السوداني أولاً، وغالبية مكونات الحرية والتغيير التي ترغب في استمرار الفترة الانتقالية حتى نهاياتها لتصفية نظام الاستبداد، وكما قال رئيس الهيئة القيادية بقوى الاجماع الوطني فاروق أبو عيسى، إن الفترة الانتقالية يجب أن تخصص لتصفية نظام تمكين الإسلاميين، ومن جانبنا نرى أن الدعوة لانتخابات مبكرة قد تؤدي إلى انسحاب أطراف رئيسية من مفاوضات السلام الجارية مع الحكومة بحاضرة جنوب السودان، والتي تهدف للتوصل لحلول تفاوضية للمأزق السياسي الراهن في السودان، والذي فشلت فيه كل النخب التي حكمت السودان لسوء إدارة التعدد والتنوع، وهنا يمكن أن نقرأ حديث د. حيدر إبراهيم، في سمنار مناهضة العنصرية الذي نظمه المركز الإقليمي للتدريب وتنمية المجتمع المدني بمكاتبه بالعمارات الإثنين الماضي بقوله إن الدولة التقليدية عمقت مشكلة الهامش، وذلك من خلال إعلائها للعروبة والإسلام على حساب الثقافات الأخرى، ومعلوم أن المواقف التفاوضية بين الحكومة والحركة الشعبية شمال قد تباعدت في قضيتي العلمانية والحكم اللامركزي الذي طالبت به الأخيرة.
المستقبل إلى أين؟:
لمعرفة مستقبل هذا التحالف (قوى الحرية والتغيير) لابد من معرفة الفاعلين الرئيسيين فيه وتتبع مسارات مكوناته وتفكيكها وهم: (تجمع المهنيين السودانيين، قوى الإجماع الوطني، التجمع الاتحادي المعارض، وقوى نداء السودان التي تضم أحزاباً سياسية والجبهة الثورية والحركات المسلحة، بالإضافة إلى تجمع القوى المدنية)، ومعلوم أن تجمع المهنيين جسم نقابي قاد ثورة ديسمبر وفي الوقت الحالي تراجع دوره وسبق أن أعلن التجمع عبر صفحته على (فيس بوك) أنه لا يريد المشاركة والتمثيل في أية حكومة وسيكتفي بالمراقبة فقط، وعملياً نرى أن التجمع لم يلتزم بذلك، بغض النظر عن صحة قرار التجمع بعدم المشاركة أو عدم صحته نرى أن مصيره سيكون التلاشي، وذلك لضعف العمل النقابي لتطاول الاستبداد وغياب الممارسة الديمقراطية وغياب التدريب وتداخل المهني مع السياسي، وهناك عامل آخر مهم للغاية وهو التشريع القانوني الذي قاد إلى تعديل في التشريع النقابي، وهو ما هدف إلى إضعاف الحركة النقابية خلال عهد النظام المخلوع وضرب وحدتها في الصميم، وهذا هو أبرز تحديات العمل النقابي.
التسييس والمهنية:
إن التحدي الآخر البارز هو طبيعة العلاقة بين الحركة النقابية وبين مكونات المشهد السياسي والمطالب السياسية، ففي ظل رمال متحركة ومياه جارية وظروف متقلبة ومتغيرات سياسية تضرب مختلف الأحزاب والمجتمع المدني، في ظل ذلك إلى أي حد تستطيع الحركة النقابية أن تسير على طريق محايد، وفي نفس الوقت متماشٍ مع مطالب الديمقراطية والإصلاح السياسي.
النقابات ضحية الانقلابات:
في كل تغيير سياسي حدث بالسودان، كانت نقابات العمال أُولى ضحاياه حلاً أو تجميداً، شأنها شأن الأحزاب السياسية، فالحركة النقابية في السودان ضاربة في القدم وشديدة التأثير، وفي بدايات حكم نظام الجبهة الإسلامية التي استولت على الحكم عبر انقلاب عسكري قاده الرئيس المعزول عمر البشير في 30 يونيو 1989م، تم الانتباه لخطورة النقابات، فعمد النظام المباد إلى حلها قبل أن يوحدها لاحقاً تحت راية الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، وجاء هذا التدبير الماكر بتاج السر عبدون، أول رئيس للحركة النقابية الموحدة تحت مسمى اتحاد عمال السودان لدورتين من العام 1992 إلى 2001م، وتوالي جميع الاتحادات المهنية النظام المخلوع، ووفقاً لتعديل قانون النقابات عام 2010 تعدلت لائحة البنيان النقابي لتصبح النقابات العامة 16 نقابة عامة حتى قيام الانتخابات النقابية عام 2011م، وابتعدت هذه النقابات خلال حقبة حكم المخلوع -التي امتدت لثلاثين عاماً- عن الشأن السياسي لصالح الجماهير، عدا إضرابات محدودة -غالبها في الولايات- بسبب تأخر رواتب أو مستحقات مالية، وتسببت موالاة النقابات والاتحادات المهنية للنظام المدحور في قيام كيانات موازية ذات صبغة معارضة، مثل لجنة أطباء السودان ولجنة المعلمين وشبكة الصحفيين السودانيين، والكيانات النقابية الموازية شكلت لاحقاً تجمع المهنيين السودانيين الذي تبنى الاحتجاجات المطالبة بتنحي البشير والنظام المخلوع، ويشهد تاريخ السودان أن الانقلابات العسكرية كانت دائماً ما تستهدف النقابات وحلها والنموذج هنا نظامي مايو بقيادة جعفر نميري ويونيو برئاسة المدحور البشير حيث حلا النقابات، ومن ضمنها نقابة المحامين في مايو 1969 وفي يونيو 1989، مما أضر السودان بفقدان مقاعده في اتحادات المحامين الإقليمية والدولية.
اضراب العمال والمزارعين:
الجدير بالذكر أن النشاط العمالي بالسودان بدأ في حقبة الاستعمار عام 1908 بأول إضراب لعمال مناشير الغابات للمطالبة بتحسين بيئة العمل وظروفها، ثم تدرج وصولاً إلى العام 1947، حيث كانت الشرارة بهيئة شؤون العمال في السكة الحديدية، وبعدها تم الضغط على المستعمر ليعترف بحق التنظيم النقابي ويصدر أول قانون للعمل والعمال عام 1948، ولائحة تسجيل النقابات لنفس العام، وبذلك اكتسبت الحركة النقابية السودانية شرعيتها واستمدت قوتها ليقام أول مؤتمر عمالي يوم 18 مايو 1949م، كما نفذ المزارعون تحت القيادة التاريخية للشيخ الأمين محمد الأمين، أول رئيس لحركة المزارعين، والشيخ يوسف أحمد المصطفى، أول سكرتير مطالبين بحل هيئة شئون المزارعين التي كانت تخدم مصالح الشركة الزراعية ومديرها مستر سميث، ولا تعبر عن المزارعين عقب الإضراب الشهير عن زراعة القطن في العام (1948) ثم نفذوا اعتصام ميدان عبد المنعم بالخرطوم في العام 1953م، والذي احتفل به تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل الشهر الماضي، وكرّم من خلاله الرعيل الأول من حركة المزارعين. (يتبع)